الاكتفاء الذاتي ممكن جداً طه خليفة أزمة الغذاء العالمية التي تطحن عظام الفقراء هل استفادت منها مصر؟!. من الواضح أن الحكومة تحاول أن تعالج بعض سلبيات الأزمة، ولا أبالغ إذا قلت إن مصر قادرة علي تجاوزها تماماً واتخاذها منطلقاً لسياسات زراعية جديدة بفكر جديد خلاق ينظر للمستقبل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الضرورية، خصوصاً القمح والأذرة. الأمر مبني علي الجدية والعزيمة والإرادة. ونحن نظن أن وضع الموازنة العامة المرهق والزيادات المتصاعدة فيها لمبالغ الدعم لن يجعل للحكومة أي مناص من استمرار البحث في الحلول المناسبة لتقليل الآثار السلبية للأزمة الحالية وتلافي أية أزمات قادمة أخري. أحد هذه الحلول المهمة أن الحكومة هذا العام اتبعت سياسة تسويقية جديدة للقمح أرضت إلي حد ما المزارعين، وهي سياسة جيدة حيث حددت أسعاراً له تقترب من أسعاره العالمية. ولما ألمحت إلي ذلك منذ أشهر فإن مزارعين كانوا يحجمون عن زراعة القمح اتجهوا إلي تخضير أراضيهم بالمحصول. ولما لم تتراجع عن الأسعار التي وعدت بها المزارعين فإنني أتوقع أن الموسم القادم سيشهد زيادة كبيرة جداً في مساحات الأراضي المزروعة قمحاً. وإذا كانت مصر تستورد 70% من حاجاتها من القمح فمع تلك السياسة الجديدة قد يتراجع المستورد منه لأن الإنتاج المحلي سيعوضه. والسؤال: هل يمكن تحقيق الاكتفاء الكامل من القمح؟!. ممكن جداً، فالأرض موجودة وكذلك المياه كما قلنا أمس ولم يكن ينقص الفلاحون للتوسع في زراعة القمح إلا شراء المحصول منهم بأسعار عادلة. والحقيقة أن الحكومة كانت ترتكب حماقة كبري إذ هي تشتري القمح من الأجانب بالأسعار العالمية وتدفع لهم بالدولار ثم في نفس الوقت تشتري المحصول المحلي بأسعار زهيدة وبالجنيه. أي أنها تدعم المزارع الأجنبي بينما تجحف بمزارعها، لذلك لم يكن الفلاحون يزرعون القمح بل يفضلون عليه البرسيم مثلاً وهو طعام الحيوانات لأن عائده المادي أفضل من القمح. لكن تجربة هذا الموسم جاءت ناجحة فقد وصل سعر الأردب 390 جنيهاً وفي السابق كان لا يزيد علي 160 جنيهاً. هذا الفارق في السعر دخل جيب الفلاح الذي وجد معه مبلغاً معقولاً بعد خصم تكلفة زراعة المحصول. ولو كان الفلاح يستأجر الأرض فإنه بعد تسديد إيجارها يتبقي له عائد معقول أيضاً. أرقام توريد القمح للدولة في تزايد وهي مبشرة، والعام القادم إن شاء الله ستتزايد تلك الأرقام. ولو قامت الحكومة بزراعة أراضي توشكي وكذلك الأراضي المستصلحة فإننا سنكون قد قطعنا شوطاً مهماً علي طريق تحقيق الاكتفاء. وهنا قد لا نحتاج إلي اقتراحات أخري تدرسها الحكومة لزراعة أراض في السودان واثيوبيا بالقمح أما كندا فهي مغامرة بسبب البعد الجغرافي. وكما يقول المثل اشتدي يا أزمة تنفرجي . عن صحيفة الراية القطرية 16/7/2008