اتهم سفير امريكا السابق في سوريا روبرت فورد نظام الرئيس السوري بشار الاسد بالتراجع عن تعهداته التي قطعها للمجتمع الدولي بتدمير ترسانته الكيماوية مع نهاية يونيو، ونقل عن «منظمة حظر انتشار الاسلحة الكيماوية» قولها ان الاسد سلم حتى الآن نصف مخزونه الكيماوي، الا انه سلّم عشرين في المائة فقط من المادة المصنفة الاكثر فتكا. وتابع فورد الذي خرج إلى التقاعد منذ اسابيع، أثناء ندوة حوارية نظمها مركز ابحاث "وودرو ويلسون"، وحاوره فيها الباحث دايفيد ميلر، أن السوريين اقترحوا "اغلاق" معاملهم لانتاج الكيماوي، لكن الاغلاق لا يكفي اذ ان قرار مجلس الامن ينص صراحة على "التدمير الكامل". ونقلت جريدة "الراي" الكويتية عن فورد قوله: "إنه ربما حان الوقت لبلاده ان تتحدث الى موسكو في هذا الشأن، وان الرئيس باراك أوباما لم يقل ابدا انه رفع اي خيارات في شأن الكيماوي السوري عن الطاولة، ومنها الخيار العسكري". وتوقع الدبلوماسي السابق أثناءها أن تتحول سوريا إلى فسيفساء من الكانتونات الطائفية المتحاربة، وان يحافظ الاسد على ربع سورية، فيما تستولي الفصائل المتناحرة على الارباع الثلاثة الاخرى. وعزا فورد صمود الاسد، بعد ثلاث سنوات من الصراع المسلح، الى ثلاثة اسباب، اولها فشل المعارضة في تقديم برنامج يمكن ان تستميل بموجبه الاقليات التي تساند الاسد، وخصوصا من العلويين، وثانيها الدعم الكبير الذي يتمتع به الاسد من روسياوايران ومقاتلي العراق من الشيعة، وثالثها تماسك النظام داخليا بشكل يمنع اي انقلاب. كما توقع فورد ان يستمر الاسد في تقدمه على المعارضة في المديين القصير والمتوسط، وعزا ذلك الى الفشل الذريع للمعارضة في تحقيق اي نوع من الوحدة، وتقديم برنامج يستميل الفئات السورية من غير المسلمين السنة، وقال ان المعارضة لم تقدم يوما على ادانة «جبهة النصرة»، بل عملت على ادانة واشنطن لوضعها «النصرة» على لائحتها التنظيمات الارهابية. واوضح فورد أن "النصرة" اقدمت قبل أيام على خطف 95 علويا، متسائلا: "هل سمعتم أي إدانة من المعارضة لعملية الخطف؟ هذه هي المشكلة، يعتقد العلويون انهم مستهدفون ولا يجدون شركاء عند المعارضة، التي يتوجب عليها ان تقدم اجندة وطنية لا طائفية تتسع للجميع وتجذبهم بعيدا عن الاسد". واعتبر فورد ان أسباب انقسام المعارضة السورية تعود إلى الصراع بين عرابيها الاقليميين، وقال: "إن السعودية تحب البعض اكثر من البعض الآخر، والقطريون اقرب الى الفصائل الاسلامية"، مضيفا ان المعارضة السورية لا رأي لها بسبب تبعيتها وانقسامها، وان الانقسام يذكره بلبنان اثناء الحرب الاهلية في الثمانينات، عندما كنت ديبلوماسيا شابا. وأضاف فورد: "السبب الثاني خلف صمود الاسد يكمن بالدعم الكبير الذي يتلقاه من روسيا، التي لا تتعلق بشخص الاسد وانما تخشى البديل الذي تعتقده اسلاميا متطرفا، وايران التي تتعلق اكثر بالاسد لاسباب شخصية ولانه يناسب روايتها عن محور الممانعة والمقاومة. اما ابرز وسائل الدعم فتأتي من المقاتلين الشيعة العراقيين، «مثل عصائب اهل الحق الذين خاضوا ضدنا (الاميركيين) معارك في العراق". ويعتقد فورد ان قوات الاسد خسرت 50 الف مقاتل، وان نصفهم من العلويين، الذين يبلغ تعدادهم في سورية قرابة المليونين. واضاف: "انا اسكن في مدينة بلتيمور التي يقطنها 2.2 مليون. لو قتل 25 الفا منهم لاعتبروها مصيبة المت بهم، ومؤكد ان العلويين يشعرون بفداحة الخسارة". وقال فورد: "انه لولا المقاتلون الشيعة من «حزب الله» اللبناني ومن العراقيين لما تمكن الاسد من استعادة اي من المناطق التي خسرها بسبب الانهاك الذي حل على الوحدات المقاتلة الموالية له، والتي فقدت الكثير من عديدها". اما السبب الثالث بحسب فورد، فيعود إلى التماسك الكبير الذي أظهرته النواة الصغيرة المحيطة بالنظام. ويعتقد فورد أن مرور الأيام غيّر في طبيعة الأزمة السورية التي بدأت كثورة مطالبة بإنهاء حكم الأسد، قابلتها قوات الأسد بعنف هائل، فتشكل «الجيش السوري الحر» بهدف الدفاع عن المتظاهرين، اولا، ثم عن المدنيين ثانيا. وتابع أن الأسد يرسل اليوم رسالة إلى السوريين مفادها ان الجيش الحر لا يحميهم، بل يتسبب بمقتلهم بسبب البراميل المتفجرة التي يرميها الأسد على رؤوس المدنيين. ولكن رغم تفوق الاسد في القوة النارية، الا ان ليس لديه العدد الكافي لاجتياح المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهو ما دفعه لمحاصرتها لتجويع السكان، وهو تكتيك وصفه فورد بالدموي الذي يعود للعصور الوسطى. وبسبب تغيير الاسد تكتيكاته، يعتقد فورد ان على مقاتلي المعارضة التكيف، اذ يعتبر انه سيكون من الآن وصاعدا صعبا عليهم الدفاع عن مساحات محددة، وان الافضل لهم استهداف خطوط امداد الاسد وقواته على طريقة اضرب واهرب. وتطور الاحداث غيّر من المصالح الأمريكية في سوريا كذلك، حسب الديبلوماسي السابق، وكان ميلر سأل فورد أن كان يعتقد ان للولايات المتحدة "مصالح استراتيجية حيوية" في سوريا، وبحيوية "اعني انها تتطلب ان نخصص لها اهتماما ووقتا واموالا، وان نبدي استعدادنا لوضع جنودنا في طريق الخطر للدفاع عن هذه المصالح"، في اجابته، تعمد فورد عدم استخدام كلمة "حيوية"، وقال بدلا من ذلك ان للولايات المتحدة "مصالح كبيرة"، وضرب مثالا على ذلك مكافحة الارهاب. وعن إيران، قال فورد: "إنه على حد علمه، ليس هناك اي حديث اميركي - ايراني بشكل جدي حول سورية" (هناك مفاوضات اميركية - ايرانية حول سورية معروفة بالمسار باء يخوضها خبراء ومسؤولون وتحدثت عنها «الراي» سابقا). وتابع فورد أن أمريكا لا تعرف ما هي الحلقة الأساسية من المصالح الإيرانية في سورية، وماهي الحلقة الثانية والثالثة. ولم يشأ فورد الاجابة حول تأثير اي اتفاق نووي ممكن مع ايران على الوضع في سورية، واعتبر ان الاسرائيليين يخافون من نشاطات "حزب الله" في سورية ولبنان، وهم في الوقت نفسه يخشون وصول المجموعات الاسلامية المتطرفة الى حدودهم في هضبة الجولان، لكنهم لا يعتقدون أن بقاء الأسد في مصلحتهم. وكرر فورد اعتقاده انه لا يمكن لاي ضربة عسكرية أمريكية أن تؤدي إلى حل في سورية، وقال انه يمكن للقوة العسكرية الأمريكية أن تدمر مطارا لقوات الاسد او تنسف منشأة او تجمعا، لكن الحل في النهاية بين السوريين، معتبرا ان الحل في العراق لم يأت بسبب 170 الف جندي اميركي كانوا هناك، بل بسبب الاتفاق الذي توصلت اليه نسبة كبيرة من السنة مع الشيعة والكرد.