تبذل الحكومة الكويتية، التي تستضيف القمة العربية المقبلة خلال يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من شهر مارس/ آذار الحالي، جهداً واسعاً لكي تمر هذه المناسبة العربية الجماعية بأقل ما يمكن من التوترات والأزمات، ولكي توفر لها كل أسباب النجاح . في هذا السياق، فإن المسؤولين الكويتيين يتحركون خارج إطار التحضيرات الرسمية للقمة، ويسعون إلى تفكيك بعض العقد في العلاقات العربية - العربية . إذا نجحت هذه المساعي، فإن نتائجها لن تنحصر في توفير المرور الآمن للقمة، وإنما في الإسهام في ترتيب أوضاع البيت العربي لما بعد القمة، أما إذا لم تحقق هذه المساعي الهدف المتوخى منها، فإن هذا لا يقلل من أهمية القمة . ولعله من المفارقات القول إنه على العكس، يدل على أهمية هذه المناسبة لأنها تذكر المعنيين بالعلاقات العربية - العربية بضرورة العمل من دون انقطاع على تنميتها . خلافاً لذلك، فمن الملاحظ أنه بدلاً من أن تكون القمة العربية مناسبة للتشديد على أهمية العمل العربي المشترك، وعلى منافع بناء مؤسساته وترسيخها، باتت القمة مناسبة للتهوين من شأن التعاون الإقليمي العربي والإعراب عن خيبة الأمل مما يمت إليه بصلة على كل صعيد فكري وسياسي . ولعله من المناسب، ونحن الآن أمام قمة جديدة، أن نحلل هذه الظاهرة، وأن نتقصى العوامل والمؤثرات التي تنجبها . في هذا السياق، نجد أنه من الضروري أن نلاحظ أن الذين يتتبعون العلاقات العربية - العربية ويعبرون بالوسائل المختلفة عن آرائهم وعن آراء قطاعات واسعة من المواطنين حيالها ليسوا من نسيج سياسي أو فكري واحد . فهناك من ينتمي إلى مدرسة تتابع هذه العلاقات وتدرسها بحثاً عن سبل ترسيخها وتنميتها وتثميرها . ويوفر انعقاد القمة العربية لهؤلاء فرصة ملائمة لاكتشاف ما يخبأ أحياناً من أسرار وخفايا السياسة العربية، وللوقوف على محركاتها ومحفزاتها . وبفضل هذه الاكتشافات المعرفية يستطيع الذين يعتقدون بأهمية تطوير العلاقات الدولية والإقليمية أن يبلوروا مقترحات معقولة ومناسبة لتنميتها . فضلاً عن ذلك، فإن انعقاد القمم وما تؤدي إليه من اهتمام واسع من قبل الرأي العام بالقضايا الإقليمية، يوفر أيضاً فرصة ملائمة للمعنيين بهذه القضايا لطرح مقترحاتهم ولتسويقها . ولا ريب في أن نجاح القمم وسلامة مقرراتها ونتائجها سوف تشجع هؤلاء وتشيع الغبطة والارتياح في نفوسهم . مقابل هؤلاء الذين يعلقون الآمال على القمم التي تعقدها الحكومات العربية، نجد من ينتمي إلى مدرسة تناهض الاهتمام بتطوير وتعميق للعلاقات البينية العربية، ومن يجد في نجاح هذه القمم خسارة تلحق به وتراجعاً للمدرسة التي ينتمي اليها، أي مدرسة العداء للفكرة العربية . ويقف المقتنع بهذه المدرسة تجاه أي عمل يرسخ هذه الفكرة ويدفع بها إلى الأمام، كما ينكب الطبيب على ظاهرة مرضية ألمت بأحد مرضاه . وهو يدرس العلاقات العربية - العربية بغرض التفتيش عن أفضل الوسائل والسبل لشطبها من سجل العلاقات بين الدول، ولإقناع الرأي العام بعبثية التعويل على تطوير هذه العلاقات . وهكذا، ففي حين يخيب أمل المقتنع بالتعاون الإقليمي العربي إذا فشلت القمم العربية في تحقيق أية نتيجة تذكر على هذا الصعيد، فإن من يناهض التعاون الإقليمي العربي سوف يخيب أمله إذا نجحت القمة العربية . ويختلف أنصار المدرسة الثانية أحياناً في التعبير عن آرائهم . البعض منهم يعبر عن رأيه السلبي في مؤسسات العمل العربي المشترك، وفي نشاطاتها بصورة مباشرة وجازمة . ولكن البعض الآخر، ولأسباب شتى، لا يعبر عن رأيه على نحو واضح وصريح، ولكن بأسلوب موارب . إنه دائماً مع برنامج الحد الأعلى في ما يطلبه من الجامعة، بينما هو لا يمانع في الدعوة إلى برنامج الحد الأدنى حينما يطالب الدولة الترابية بتحقيق منجزات معينة . استطراداً فإنه لا ينفكّ يعلن خيبة أمله لأن الجامعة فشلت في تحقيق المطالب المشروعة . وإذا فشلت مؤسسات العمل العربي المشترك في تحقيق المطالب التي يأتي بها، فإنها تفقد في تقديره مبرر استمرارها، بل يتحول استمرارها إلى ما يشبه "المؤامرة" - إنها "مؤامرة"، لأنها تسهم في نشر "الوعي الزائف" في مجتمعات المنطقة . تتحقق هذه المؤامرة عندما يظن فريق "مضلل" من المواطنين أنه من المستطاع توفير حلول للعديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية العربية عبر تعاون البلاد العربية مع بعضها بعضاً . إنها "مؤامرة" لأنها إذا استفحلت، فمن شأنها أن تدفع فريقاً من المواطنين إلى التعلق بأهداف "واهمة"، بدلاً من يركز على الأهداف الحقيقية . إذا دقق المرء في البحث عن هذه "المؤامرة"، سوف يجدها كامنة في صلب النظام الإقليمي العربي المتهم بأنه صنع في لندن وليس في القاهرة أو بغداد أو دمشق وبيروت . المشكلة هنا أن الكثيرين من المنتمين إلى المدرسة الأولى باتوا يتأثرون بموقف الفريق الأخير، وينافسونه في الإعراب عن الاستهزاء بالتعاون الإقليمي العربي، وعن التبرم باستراتيجية الأقلمة التدريجية والتراكمية، وعن الكفر بمؤسسات العمل العربي المشترك . ولا تصدر مواقف هؤلاء عن تحفظ أو رفض مبدئي للفكرة العربية، بل على العكس عن حماس لها وعما يعتقدونه إخلاصاً لمبادئها ورفضاً للحياد عنها . ولكن النتيجة في الحالتين واحدة . إن هذا الفريق يريد أن تحقق مؤسسات العمل العربي المشترك كل ما يرغب فيه من تعاون حقيقي بين الدول العربية . إنه يتمنى أن تبني هذه المؤسسات، بما فيها مؤسسة القمة العربية، الطرق السريعة بين أصقاع المنطقة العربية، وأن تعمر المصانع، وأن تحول الريف العربي القديم إلى منشآت زراعية مزدهرة، وأن تنهض بالثقافة العربية بحيث تترافق مع الثقافات الحديثة الأخرى على طريق العلم والمعرفة . يريد هذا الفريق كل ذلك، ولكنه يأنف من الاضطلاع بأي مجهود لحث مؤسسات العمل العربي المشترك هذه على الأخذ بهذه المطالب، أو لمتابعة ومراقبة مدى التزامها بها . حتى يغير المواطنون العرب موقفهم من مؤسسات العمل العربي المشترك، وحتى يخرج أصحاب النوايا الحسنة العربية من سبات غير مألوف، وحتى يقتنع هؤلاء أن المواطن هو مسؤول أيضاً عن صنع التعاون الإقليمي العربي، حتى ذلك الحين سوف تظل القمم العربية على حالها: مفيدة إذا انعقدت، مضرة إذا اختفت . نقلا عن جريدة " اخبار الخليج" المصرية