لم يمر أسبوعان على انتهاء قمة سرت العربية إلا وكاد الرأى العام العربى ينسى أن قادة العرب بجملتهم كانوا مجتمعين قبل أيام. الأمر الذي يمكن اعتباره دليلا واضحا علي انخفاض فاعلية مؤسسات العمل العربي المشترك من الجامعة حتي القمة وما بينهما. سؤال الفاعلية المعلق برقبة اجتماعات القمة العربية بات أكثر إلحاحا وتواترا منذ تم الاتفاق علي عقد القمة العربية بشكل دوري في عام.2000 فقبل ذلك التاريخ كانت القمم العربية تنعقد عند الضرورة, وعندما تكون دول الجامعة الرئيسية متوافقة, أو قريبة من التوافق علي اتخاذ قرارات محددة إزاء قضايا بعينها, أو عندما كانت إرادة الدول الأعضاء تتوافق علي ضرورة إرسال رسالة معينة لقوي إقليمية ودولية. كان هذا هو حال القمة العربية التي انعقدت في الخرطوم1967 للتعامل مع آثار حرب يونيو, أو قمة الرباط1974 التي أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني, أو قمة القاهرة1990 التي اتخذت قرارا بمواجهة الاحتلال العراقي للكويت. ومنذ تأسيسها قبل أكثر من ستين عاما والجامعة العربية متهمة بانخفاض الفاعلية, خاصة من جانب المواطنين العرب الذين كانت لديهم طوال الوقت توقعات وأمنيات عالية بشأن ما يمكن لجامعة الدول العربية أن تحققه. وقد أدي نظام الانعقاد الدوري للقمة العربية إلي إظهار عدم الفعالية المميز لمؤسسات العمل العربي المشترك بدرجة أكبر, الأمر الذي أضر كثيرا بمصداقية الجامعة بعد أن تحولت اجتماعاتها الدورية إلي طقس سنوي يقابله الناس في العالم العربي بمشاعر السخرية وعدم التصديق. الانعقاد الدوري للقمة في عاصمة عربية يتم تحديدها مسبقا وفقا للترتيب الأبجدي للدول العربية أثار مشكلات من نوع مختلف. فبعض البلاد العربية غير مؤهلة سياسيا ولا هي مستعدة لا أمنيا ولا من ناحية البنية التحتية لاستقبال حدث بهذا الحجم. كما أن انعقاد القمة في عواصم هامشية يضعف مصداقية القمة بسبب ضعف رئاستها. إقرار نظام دورية القمم العربية لم يؤد إلي تحسين نوعي في العمل العربي المشترك, ومع هذا فإنه يصعب القول أن انتظام انعقاد مؤتمرات القمة كان معدوم الفائدة بشكل كامل. فقد وفر الاتفاق علي دورية ا لقمم العربية وقتا وجهدا كبيرا كان يتم إهدارهما في مناورات حول ما إذا كان عقد القمة في لحظة محددة مفيدا, وحول المكان الذي يمكن للقمة أن تنعقد فيه. أيضا فإن انتظام انعقاد القمة وفر الفرصة لجهود تحضيرية تستغرق علي الأقل من الناحية النظرية عاما كاملا. ومع كل هذا, وربما بسببه, أصبح سؤال فعالية مؤسسة القمة العربية في المرحلة الراهنة أكثر إلحاحا من ذي قبل. كذلك أتاح الاتفاق علي دورية القمة نوعا من المهلة المحددة التي حاولت الدول العربية ضبط أوضاعها قبل حلولها, ويمكن القول أن المصالحات العربية التي تمت في الفترة الأخيرة كان لها أن تستغرق وقتا أطول بكثير لولا دورية القمة. فلقاء الرؤساء والقادة العرب وفر منبرا لمناقشة الخلافات, كما أن الرغبة في تجنب الحرج أمام الشعوب العربية في لقاءات القمة استدعي من القادة العرب أخذ موضوع المصالحة بجدية أكبر. ومع هذا فإنه من الواجب تجنب المبالغة في أثر القمة الدورية علي تحقيق المصالحات العربية, فحينما تتوتر العلاقات بين دول عربية لأسباب تعتبرها هذه الدول جوهرية, فإن اقتراب موعد انعقاد القمة العربية لا يمثل سببا كافيا لإقناع القادة بتهدئة خلافاتهم, ولعل ما حدث في قمة الدوحة قبل عام فيه دليل علي ذلك. لقد أزال الانعقاد الدوري للقمة صداع سببه التساؤل المتكرر عن إمكانية عقد القمة ومكان انعقادها, لكنه أضاف صداعا آخر سببه الانعقاد الدوري للقمة في غياب محتوي واضح لجدول أعمالها وقراراتها, كما سببه ضعف مستوي التوافق بين الدول العربية. فانتظام الانعقاد الدوري للقمة أضفي علي العمل العربي بعض مظاهر الانضباط, لكن هذا الانضباط يظل شكليا وضعيف المحتوي ما لم يرتبط بزيادة فعالية العمل العربي المشترك ومؤسساته.