النموذج النووي الكوري الشمالي وامكانية تعميمه!! محمد خرّوب عندما وقّعت كوريا الشمالية الاتفاق الشهير، في اطار مجموعة الدول الست التي كانت منخرطة في البحث عن مخرج لأزمة برنامجها النووي، الذي تعهدت فيه بأن تنزع سلاحها النووي وتدمر منشآتها ذات الصلة، وتقدم معلومات كافية وتفصيلية قبل نهاية العام الجاري 2008، كنا أعتقدنا وكتبنا ذلك هنا، أن بيونغ يانغ تشتري الوقت بهدف الاقتراب من نهاية ولاية بوش ثم تعود الى تشددها وتُبقي على ترسانتها النووية (المتواضعة اصلاً). بحثا عن شروط تفاوض اكثر جودة أو ملاءمة من تلك التي توصلت اليها مع كل من الولاياتالمتحدةواليابان وكوريا الجنوبية، وروسيا والصين، بعد مفاوضات مضنية مارست خلالها الولاياتالمتحدة كل انواع الضغوط والابتزاز والتهديد (بدعم من اليابان خصوصاً)، بفرض حصار بحري وجوي عليه، فيما تحفظت كوريا الجنوبية (في عهد الرئيس السابق)، ولم تكن سوى الصين والى حد ما روسيا. التي بقيت على معارضتها لفرض المزيد من العقوبات على بيونغ يانغ، الى ان وصلت الامور (فيما يبدو) الى نقطة اللاعودة، بعد ان اعلنت الاخيرة عن ''نجاح'' تجربتها النووية الاولى قبل عامين تقريباً (تشرين اول 2006)، ما احرج بكين أمام واشنطن، طوكيو وسيئول، فاصدرت بياناً اعتبرت فيه التفجير بمثابة خذلان لها، وصفعة وجهتها للدولة الوحيدة التي تقدم الدعم السياسي والدبلوماسي، وخصوصاً الاقتصادي بعد طول حصار غربي وياباني وكوري جنوبي عليها، وبعد المجاعة التي فتكت بشعبها اثر الكوارث الطبيعية التي لحقت بها من اعاصير وعواصف وجفاف.. يمكن اعتبار تداعيات وارتدادات التفجير النووي الاول لبيونغ يانع السياسية والدبلوماسية، وخصوصاً التطور السلبي الذي طرأ على موقف بكين تجاهها، نقطة التحول الحقيقي في موقف كوريا الشمالية، بعد ان ايقنت ان هامش مناوراتها قد تقلص وباتت امكانية استمرارها في لعبة مقاطعة المفاوضات، ثم العودة اليها ثم رفع ''الثمن'' الذي تطالب به من اجل التخلي عن برنامجها النووي، غير واردة بل إن ما مارسته الصين من ضغوط منذ ذلك الحين (بعد اول تفجير نووي) ربما يفوق بكثير كل المقاربات والوسائل التي لجأت اليها واشنطن بدعم من طوكيو وسيؤول، رغم ان الاخيرة لم تتوقف للحظة عن إرسال المعونات الاقتصادية وبخاصة الغذائية لشطرها الشمالي، بعد ان فتكت المجاعة والاعاصير بالملايين من سكانها. اين من هنا؟. تدمير برج التبريد في مفاعيل يونغبيون، يوم اول من امس الجمعة قطع الطريق على أي محاولة او اجتهاد للنظر الى هذا ''الفعل''، الذي تم بالصوت والصورة وبحضور مندوب عن الخارجية الاميركية، مجرد تكتيك او تقطيع للوقت، وهو التدمير الذي جاء بعد ان سلمت بيونغ يانغ وثيقة مفصلة للولايات المتحدة (عبر الصين)، تعدد فيها ''كل'' المواد النووية والانشطارية ومكونات صنع القنابل التي تملكها. وإذ بدت ردود الفعل الاميركية (واليابانية) على الخطوة الكورية الشمالية (الرمزية كما قال الاميركان) حذرة اقرب الى الفتور، رغم اعلان البيت الابيض بدء عملية (طويلة) لرفع العقوبات، اضافة الى ابلاغ الرئيس بوش، الكونغرس عزمه على شطب كوريا الشمالية من اللائحة الاميركية للدول الداعمة للارهاب (يستغرق هذا الاجراء وفقاً للتقاليد البرلمانية الاميركية بين شهر وشهرين)، فإن من الملاحظ بدء عملية الابتزاز الاميركي المعروفة في مثل هذه الاوضاع، حيث اقترن الاعلان المبدئي وغير المؤكد بالتزام واشنطن به وفق جدول زمني محدد، بالتهديد المبطن بأن ''مثل هذه المبادرات (الاميركية بالطبع) مشروطة بمواصلة عملية نزع الاسلحة، ثم أخذ الابتزاز ''الاميركي'' خطوة اخرى تصعيدية عندما قال الاميركيون: ان الحديث لا يدور عن الترسانة النووية، يل يشمل باقي اسلحة الدمار الشامل.. أي ان واشنطن لن تَعْدَم أي حيلة أو وسيلة لتدمير ترسانة الصواريخ الباليستية، التي ''برعت'' بيونغ يانغ في انتاجها وتسويق ''تنكولوجيتها'' الى دول محور الشر (وفق التصنيف الاميركي)، وخصوصاً سوريا وايران.. ليس من المؤكد ان تتماشى الدول الاربع الاخرى روسيا، الصين، كوريا الجنوبية والى حد ما اليابان، مع المطالب الاميركية هذه التي يمكن ان ترى فيها بمثابة استعجال أو رغبة اميركية بتحقيق انجاز سياسي باهر لادارة بوش قبل رحيلها، بعد ان باتت في نظر الاميركيين ومعظم دول العالم ادارة فاشلة وسيئة وباحثة عن الحروب والخصومة، باساليب اقل ما توصف به بأنها عربدة وغطرسة وغرور.. قد تجد واشنطن نفسها أمام مأزق خطير اذا ما حاولت التنصل من التزاماتها تجاه كوريا الشمالية، وخصوصاً ان دعوات عديدة بدأت تظهر (منذ توقيع الاتفاق السداسي)، وخصوصاً في اوروبا لتعميم النموذج الكوري الشمالي على الملف النووي الايراني، وهو الذي برز في عروض ورزم الحوافز التي قدمتها دول (5 + 1) لطهران، حيث لم تقدم الاخيرة ردودها بعد، على ما سلمه اياها خافيير سولانا قبل عشرة أيام.. من غير المغامرة القول ان واشنطن سجلت نقطة لصالحها، بعد ان بدأت بيونغ يانغ تدمير منشآتها النووية، الا انه من الحكمة الاشارة أن الاخيرة ايضاً ''جبت'' ثمناً ملائماً لرفضها الخضوع ''بلا شروط'' أمام التهديدات والابتزازات الاميركية، وما كان بمقدور كوريا الشمالية ان تستمر في مقاومة كل هذه الضغوط التي شاركتها فيها بكين وموسكو، بهذه الدرجة او تلك، في عصر تراجعت فيه الايديولوجيا وتقدمت فيه المصالح الاقتصادية على كل شيء. عن صحيفة الرأي الاردنية 29/6/2008