النكبة التي ولدت نكبات عبدالله علي الشرهان لأول مرة منذ ستين عاما أشعر بأن للنكبة الفلسطينية معنى آخر غير اقتلاع شعب وطرده تحت السلاح ليذوب لاجئاً ومشرداً في المنافي والشتات بعيداً عن وطنه.
فمن يشاهد ما آلت إليه الأمور بعد هذه العقود الستة من الأمل المتجدد بعودة الحقوق إلى اصحابها يدرك أن النكبة الفلسطينية كانت نكبة عربية بامتياز.
فمن رحم هذه النكبة ولدت نكبات متتالية، ليست أولاها في اليمن حينما قسم إلى شطرين، وليست الأخيرة ما يجري اليوم من تمزيق متواصل لأوصال الكيانات العربية في مشرق الوطن العربي ومغربه.
فأمامنا اليوم غزة والضفة، اقاليم العراق حسب طوائفه، شمال السودان وجنوبه، شرق بيروت وغربها.
ومعارك داخل الاقليم الواحد: الحوثيون في جبال اليمن، المحاكم الاسلامية في الصومال، الصحراويون في المغرب العربي، المعارضة والموالاة في لبنان، المتمردون في دارفور.
ولا تجد مكاناً في الوطن العربي لا تشتعل فيه نار من نوع يلائم ظروف هذا البلد أو ذاك: فهناك الاصوليون والمتشددون، وهناك الطائفيون والمذهبيون، وهناك المعتدلون والعلمانيون، حتى أصبح هناك من يوصفون بالمتصهينين والمتأمركين، وتسميات أخرى ما انزل الله بها من سلطان.
أما الشعب العربي الحر الذي واكب معاناة الفلسطينيين ومأساة تشريدهم منذ نكبتهم الأولى عام ،1948 فقد كان وقود النكبات التي توالت، حتى ليكاد أن يفقد الثقة بنفسه اليوم وهو يرى أن كل ما قدمه ومازال يقدمه من تضحيات يضيع بأثمان بخسة على موائد مفاوضات عقيمة لم تنتج شيئاً ايجابياً واحداً يشعر الأمة بأنها حصلت ولو على النزر اليسير من حقوقها الكثيرة المنهوبة.
والقضية باختصار، هناك عدو واحد جاء محتلا بجبهة عسكرية ومدنية متراصة ومنظمة.
وهناك في الطرف المقابل نظام عربي لم يواجه هذا العدو كما تقتضيه المواجهة، بل كان يدير ظهره لينشغل في لملمة كل ما كان يفرقه هذا العدو في جبهته الداخلية في كل مرة، حتى وصل الأمر إلى استعداء انفسنا على انفسنا، والاستقواء بالأجنبي لضبط أمورنا.. وهكذا المشهد العربي اليوم وقد صحت فيهم مقولة: “الإخوة الأعداء".
يعلمنا التاريخ ان النكبات توحد ولو كان القوم منقسمين على حق وباطل، فالكارثة عندما تحل فإنها لا تفرق بين أحد، ولا تستثني من مآسيها أحداً.
ولا أظن أن نكبة اكبر مما نكب به العرب قبل ستين عاما قد استثنت من شرورها أحداً، فهذا العدو المحتل الغاصب، الذي يرقص هذه الأيام على جراحات وعذابات ستة ملايين ما بين لاجئ أو مشرد أو مطارد، أو محاصر من الاخوة الفلسطينيين، ومنهم من يتلوى اليوم من لهيب “محرقة القرن الحادي والعشرين" في قطاع غزة والضفة الغربية، ما زال يصدر فيروسه السرطاني الى كل مكان وفي كل اتجاه يجد فيه ثغرة ينفذ منها للنيل من روح الكرامة والعزة والنخوة والشهامة العربية.
لكننا نؤكد: ان جماهير الأمة العربية والاسلامية والتي لم تبخل يوما بالعطاء بالدم والمال والسلاح، لنصرة قضية فلسطين العادلة، لن تكّل ولن تملّ عن مواصلة هذا الطريق، وهذه حتمية لا تصوغها العواطف، انما تؤكدها حقائق التاريخ.. فما من شعب تعرض للظلم إلا وانتصر.. طال الزمن أم قصر.
ونحن مع فلسطين: ظالمة كانت أم مظلومة كما قال الرئيس الراحل هواري بومدين، ومع “أنبل ظاهرة في التاريخ" كما وصفها الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، “ولن يكون البترول العربى بأغلى من الدم العربي" كما قال حكيم هذه الأمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمهم الله جميعاً.
وسنظل كذلك حتى يعود النظام العربي إلى رشده، ويصحح مسار الانحراف الذي انجر إليه، وتأخذ مواجهة الحق مع الباطل وضعها الحقيقي، وتعود كل حقوق الفلسطينيين لأصحابها الشرعيين ودولة الظلم ساعة، ودولة الحق باقية إلى قيام الساعة. عن صحيفة الخليج الاماراتية 22/5/2008