إسرائيل ومواسم الاحتفال بجراحنا العربية محمد بن سعيد الفطيسي وجهان للعالم الحر كما يحلو للكثيرين أن يطلقوا عليه , نعم ... هو ذلك العالم الذي صنعه الرجل الأبيض من عجينة الديمقراطية الغربية ومفاهيم حقوق الإنسان , بحيث يتضح احد تلك الوجوه للحرية وبكل جلاء - بحسب رؤية تلك الدول , من خلال مواسم جراح هذه الأمة بمرور السنوات والأعوام على نكساتها ونكباتها في كل بقعة من بقاعها , في فلسطين والعراق ولبنان والسودان وغيرها من أجزاء هذه الأمة العظيمة والوطن العربي الغالي , أما الوجه الآخر فيتضح من خلال احتفال أعدائها ومغتصبي حقوقها بانتهاك تلك الحقوق والحريات , فما أعجب لعالم يدعي الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية , ويتخذ من دموع الثكالى واليتامى والمغتصبة حقوقهم مواسم ومناسبات للفرح والاحتفال. وهذا على وجه التحديد ما نشاهده اليوم وكل يوم , وفي كل مناسبة للنزف العربي , حيث تمر علينا هذه الأيام ذكرى 60 عاما على نكبة الأمة الإسلامية , بسلب واحد من أهم أبنائها - ونقصد - الوطن المسلم العربي الفلسطيني - ارض الطهر والرسالات والأنبياء , في وقت يحتفل فيه الاسرائيليون ومن ناصرهم وهاودهم في كل أرجاء المعمورة , وفي نفس الوقت واللحظة , بما يطلقون عليه مناسبة حرب الاستقلال أو تأسيس دولة صهيون , على الأرض الفلسطينية العربية المغتصبة , لتكون مواسم أحزاننا وجراحنا , مواسم أخرى تحتفل فيها إسرائيل طربا بتلك الجراح والأحزان والمآسي الإسلامية والعربية , ولكن بطريقتها الخاصة. وهنا تتضح لنا معالم الحقيقة المرة التي اشرنا إليها سابقا , آلا وهي صورة العدالة والمساواة والديمقراطية الغربية المزعومة , ذات المعايير المزدوجة والمركبة في هذا العالم الأعمى , وخصوصا الاميركية منها , والتي تتشارك والجلاد على عزف أهازيج الفرح والسرور بمناسبة اغتصاب وانتزاع الأرض العربية في فلسطين من أبنائها , وهو ما يتكرر كل موسم من خلال خطابات الداعمين والموالين للمستعمرة الإسرائيلية الكبرى وجرائمها وإرهابها , والتي كان آخرها ما سمعناه على لسان الرئيس الاميركي جورج. دبليو. بوش , يوم الخميس الموافق 15/ 5 / 2008 م , من خلال خطابه بالكنيست الإسرائيلي , وذلك بمناسبة احتفال هذه الأخيرة بيوم اغتصاب الأرض الفلسطينية العربية , وتأسيس مستعمرة الإجرام والإرهاب " إسرائيل " على ترابها الطاهر. وهكذا تتجلى أمامنا حقيقتان تاريخيتان لابد من استذكارهما دائما , وأولهما نقطة لابد أن يدرك معالمها جميع أبناء هذه الأمة بدون استثناء , وعلى وجه التحديد قادتها وزعاماتها ومن جعل الله في أيديهم تسيير أمورها وتسيس شعوبها , وهي أن عودة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها في كل أرجاء امتنا الإسلامية ووطننا العربي , لا يمكن أن تكون بالمداهنة والخنوع والانكسار , والسير وراء الجلاد والمعتدي في محاولة مكشوفة ورخيصة للحصول فيها على بعض فتات الحرية والديمقراطية والحقوق المغتصبة , بل يتأتى ذلك بامتلاك جميع وسائل القوة الإيمانية والمادية والإرادة السياسية , وتخطي عقبة العجز والتبعية للمعتدي بجميع أشكالها , وبذلك فقط سنتمكن من العودة من جديد إلى الخطوط المتقدمة بين الأمم. ولكن - وللأسف - فقد أدرك ذلك الواقع وتلك الحقيقة التي لا مفر منها , أعداؤنا قبلنا بأشواط طويلة , فعملوا على أساسها ووفق قواعدها وقوانينها ومبادئها , ونقصد - أنهم فقهوا لمسالة أن الرضوخ والتنازلات ومبادلة الأرض بالسلام , لن تسمن أو تغني من جوع , وخصوصا على المدى الطويل , وان لم يمانعوا من ممارستها كتكتيك مؤقت يهدف لذر الرماد في العيون العربية , وفرصة لالتقاط الأنفاس , حيث إنهم يدركون من انه لم يوجد مثال واحد في التاريخ على شعب يقول نحن موافقون على التخلي عن أرضنا , وليأت آخر ليقم عليه , ويؤكد ذلك الفهم لتلك الحقيقة , الصهيوني الإسرائيلي جوزيف وايتز في رؤيته للسلام مع العرب فيقول: يجب أن يكون واضحا في ما بيننا , أنه لا مكان في البلد لشعبين معا , فمع العرب لن نحقق هدفنا بأن نكون شعبا مستقلا في هذا البلد الصغير , ويشاركه في نفس الطرح الصهيوني الآخر موشيه ديان في قوله: نحن الإسرائيليون محكوم علينا أن نعيش في حالة حرب دائمة مع العرب , وليس من مفر من التضحية واهراق الدماء , قد يكون هذا وضعا لا نتمناه , ولكنه أمر واقع , إذا أردنا أن نستمر في عملنا ضد رغبة العرب. ليتضح لنا بجلاء طبيعة تلك العلاقة التي يمكن أن تتحقق بين المعتدي والضحية , من خلال نظرة تلك القيادات الصهيونية المؤسسة لهذا الكيان على ارض امتنا الإسلامية ووطننا العربي , فما لحظات الهدوء التاريخية بينهما إن وجدت أصلا , سوى لحظات تسبق عصف الرياح العاتية , والتي لا بد أن تليها بالطبع عودة إلى النزف والصراع واهراق الدماء. أما النقطة الثانية والتي لا بد من إدراكها وفهمها في طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي , وهي حقيقة استحالة وقوف الغرب معنا في قضيتنا ضد المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , وخصوصا الولاياتالمتحدة الاميركية وبريطانيا , فقيام ووجود هذا الكيان أصلا كان بتبني ورعاية منهما , وبالتالي فان المستحيل نفسه هو أن تتخلى تلك الدول عن وليدها بعد كل هذه السنوات من الصراع , وبالتالي فإن الاعتماد على الغرب ككل , والولاياتالمتحدة الاميركية على وجه الخصوص لإعادة حقوقنا المسلوبة في كل مكان , ما هو سوى ضرب من ضروب الخيال والهرطقة. فقبل بضعة أشهر من إعلان بلفور , كتب حاييم وايتزمان هذه الكلمات حول الآمال المتعلقة بالتأسيس التدريجي للوطن اليهودي في فلسطين , وكيفية وجوب أن تتبنى إحدى الدول الكبرى هذه القضية بالرعاية والحماية والدفاع , فهو يدرك تمام الإدراك بأن هذه المستعمرة لا يمكن لها أن تنشأ وتتوسع بدون وقوف وتحالف القوى الكبرى معها , فوقع الاختيار في ذلك الوقت على بريطانيا , حيث يقول وايتزمان: ينبغي أن تبني الدول ببطء , وتدريجيا ونظاميا وبصبر , وعليه نقول بأن خلق دولة يهودية في فلسطين , لا بد أن يمر بسلسلة من المراحل الوسطية , وإحدى هذه المراحل الوسطية والتي آمل أن تتحقق بنتيجة الحرب , هي أن توضع فلسطين تحت حماية قوة كبيرة مثل بريطانيا العظمى , وتحت كنف هذه القوة سيتمكن اليهود من أن يطوروا ويعدو الآلية الإدارية التي ستمكننا من تنفيذ المخطط الصهيوني. وبالفعل فقد وقفت بريطانيا بكل عدتها وعتادها مع مستعمرة الظلم والإجرام الاسرائيلي في فلسطين , حتى تمكنت هذه الأخيرة من توطيد أركانها وقوتها وبسط نفوذها وسيطرتها على اغلب الخارطة الفلسطينية وبعض من حولها من الأراضي العربية , ولتستمر المأساة بمشاركة الامبراطورية الاميركية في تنفيذ ذلك المخطط الصهيوني في الشرق الأوسط , لدرجة أن يتطور ذلك التبني ليكون جزءا لا يمكن تقسيمه او تجزئته من العقيدة الاميركية السياسية منها وحتى الدينية , والدليل على ذلك اعتبار إسرائيل جزءا من الولاياتالمتحدة الاميركية , واليهود في إسرائيل من أهم أولويات ومسؤوليات القيادات الاميركية المتوالية " انظر كتاب سياستان إزاء العالم العربي ل بونداريفسكي والفكرة الصهيونية ل ابرهام ارتسبورج. لدرجة أن الرئيس الاميركي الثالث توماس جفرسون اقترح أن يكون رمز الولاياتالمتحدة الاميركية شعارا بمثابة " أبناء إسرائيل" تقودهم غيمة في النهار وعمود بالليل , متأثرا في ذلك بثقافة أميركية تستمد جذورها من التوراة العبرية - سفر الخروج -: كان الرب يسير أمامهم نهارا في عمود سحاب ليهديهم سواء السبيل , وليلا في عمود نار ليضيء لهم , كما وانه وفي هذا السياق يقول قسيس كلينتون , موجها خطابه إلى الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون " انك إذا أهملت إسرائيل , فلن يغفر لك الله ذلك أبدا ... فإن الله يشاء أن تبقى إسرائيل لشعب الله , إلى ابد الأبد". , هذا إلى جانب الكثير الكثير من الدلائل المادية والمعنوية على ذلك الانحياز والمولاة للكيان الاسرائيلي في فلسطين. وها نحن اليوم وفي سياق تلك الموالاة , نسمع تكرار تلك الأصوات من مرشحي الرئاسة القادمين , فقد شدد باراك اوباما الطامح لنيل ترشيح الديمقراطيين في السباق إلى البيت الأبيض بتاريخ 27 / فبراير / 2008 م على دعمه الثابت لإسرائيل والعلاقات مع المجموعة اليهودية , أما هيلاري كلينتون , وفي مقال نشر مؤخرا بمجلة " نيويورك ريفيو أوف بوكس الأميركية للكاتب مايكل ماسنج فقد أشار هذا الأخير إلى أن " الديمقراطيين هم المستلمون الأوائل لتبرعات المؤيدين لإسرائيل , ويواصل قوله إن "اكبر مؤيدي إيباك في إسرائيل هم الليبراليون المعروفون مثل نانسي بيلوسي وهينري واكسمن وجيرولد نادلر وهاورد بيرمان وهيلاري كلينتون , - انظر مقالنا : قضايانا العربية في ضوء الانتخابات الأميركية. وأخيرا ها هو الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش , وفي مناسبة مشاركته الإسرائيليين احتفالهم بتأسيس دولة صهيون , على الأرض الفلسطينية العربية المغتصبة , وفي خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 15/ 5 / 2008 م , يؤكد دعمه اللا محدود للكيان الاسرائيلي فيقول بأن شعب إسرائيل قد يزيد عن سبعة ملايين نسمة بقليل ، لكن عندما تواجهون الإرهاب والشر سيكون عددكم 307 ملايين لان أميركا إلى جانبكم , ويصف بوش إسرائيل حليفة الولاياتالمتحدة في الذكرى الستين لقيامها بأنها" وطن الشعب المختار" مع إشارة عابرة الى آمال الفلسطينيين في إقامة دولة , وقال بوش: يرى البعض انه إذا قطعت الولاياتالمتحدة علاقاتها مع إسرائيل فإن كل مشاكلنا في الشرق الأوسط ستتبدد , ومن وجهة نظري بأن هذا جدل مبتذل ينتمي الى دعايات أعداء السلام وأميركا ترفضه بصورة مطلقة. عن صحيفة الوطن العمانية 19/5/2008