رسائل السلام والحرب بين العرب وإسرائيل محمد بن سعيد الفطيسي عقود طويلة من الزمن ومختلف الحكومات المتعاقبة على المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , تبعث لنا بالعديد من الرسائل والإشارات السياسية الواضحة , منها ما كان بشكل مباشر وصريح , كما هو واضح من خلال مئات المجازر التاريخية , وتعدد فنون الإرهاب والإجرام اليومي . والقمع والتشريد بحق الشعب الفلسطيني المسلم العربي الأعزل , أو من خلال احتلال مختلف الأراضي الفلسطينية وأجزاء غالية من وطننا العربي , ومنها ما كان بالتلميح والتجريح والتهديد والوعيد , وذلك بتجاهل الحقوق الفلسطينية الإنسانية منها والشرعية , والاتفاقيات الدولية وتسفيه معاهدات السلام المبرمة ما بين العرب وإسرائيل على مدى سنوات . وذلك كدليل واضح على أن إسرائيل , لا يمكن أن تحيا بدون توسع وحرب ودماء , وكدليل آخر على أن أقصى ما يمكن أن تفهمه حكومات هذه المستعمرة عن السلام , هو ما تدوسه بأرتال دباباتها وجرافاتها , من أطفال ونساء وشيوخ ومزارع , أو تقصفه بطائراتها من بيوت ومقدسات , وغيرها من مقدرات الشعب الفلسطيني وهي حقيقة واضحة لم تنكرها مختلف زعاماتهم المؤسسة على مدى تاريخهم الأسود في هذه الأرض العربية , فها هو موشيه ديان على سبيل المثال لا الحصر, يصف حال العلاقة التاريخية بين العرب وإسرائيل قائلا : إنه محكوم علينا أن نعيش - نحن شعب إسرائيل - حالة حرب دائمة مع العرب , وليس من مفر من التضحية وإهراق الدماء , قد يكون هذا وضعا لا نتمناه , ولكنه أمر واقع ... إذا أردنا أن نستمر في عملنا ضد رغبة العرب , علينا أن نتوقع تضحيات كثيرة , كما يشير إلى نفس الرؤية الإجرامية الإسرائيلية ولكن بطريقة أكثر جراءة وصراحة ودموية , جوزيف وايتز في كتابه " فلسطين وإسرائيل " يقول : يجب أن يكون واضحا فيما بيننا , أنه لا مكان في البلد للشعبين معا , فمع العرب لن نحرز هدفنا بأن نكون شعبا مستقلا في هذا البلد الصغير ولكن - وللأسف - لا زلنا نحن العرب لم نستوعب بعد مغزى تلك الإشارات , أو أننا لا زلنا نحاول أن نقنع أنفسنا بخلاف ما هو واضح منها , رغم ما عرف عن الإنسان العربي من سرعة بديهته وقدرته على الإحساس بمعنى العبارات والإشارات القادمة من الطرف الآخر وها هي إسرائيل هذه الأيام تؤكد تلك الحقيقة التاريخية , وهي أن السلام الذي تنشده إسرائيل في علاقتها مع العرب بوجه عام , ومع الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص. لا يتجاوز كونه لحظات من الاستراحة والهدوء الذي يسبق العاصفة , وفترات من اللعب على الذقون والشوارب العربية , وها هو السلام على الطريقة الإسرائيلية يتضح فيما يحدث هذه الأيام في قطاع غزة على وجه التحديد , وبقية الأراضي الفلسطينية , وتحت أنظار المجتمع الدولي العاجز عن فرض ما يسمى بالقانون الدولي , والذي تطاولت عليه إسرائيل وقادتها على مدى التاريخ , إلى درجة أن أصبحت هي فوق هذا القانون ومنظماته الحقوقية والإنسانية بلا استثناء . بل ووفر لها هذا الصمت الدولي والدعم الأميركي والعجز العربي الغطاء اللازم لتحقيق غاياتها وأهدافها ومآربها التوسعية والاستيطانية , كما أشار إلى ذلك ادوارد سعيد أستاذ الأدب المقارن بجامعة كولومبيا بالولاياتالمتحدة الاميركية , حيث يقول : إن العالم هو الذي جعل نجاح الصهيونية ممكنا, وأن الحس الصهيوني بأن العالم هو سند ومتفرج . هو الذي لعب دورا عمليا في النضال لأجل فلسطينفغزة هذه الأيام تشهد معالم هذا السلام الإسرائيلي المزدوج بكل وضوح, وصور العدالة والاستقرار الذي وعد به الرئيس الاميركي جورج بوش الشرق الأوسط في زيارته الأخيرة إليه , حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بواحدة من أشد مغامراتها وغاراتها الإرهابية على الشعب الفلسطيني المسلم العربي الأعزل . بعد اجتياح شامل شل القطاع بأكمله وخلف وراءه ما يزيد عن 50 شهيدا , في وقت كرر فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود اولمرت رغبته بالسلام والمفاوضات , حيث أكد أولمرت أنه سيواصل المفاوضات مع الفلسطينيين , وأضاف الرئيس الإسرائيلي اولمرت في بيان له زاعما أنه أكد غير مرة أنه لا بديل عن خوض مفاوضات سياسية جادة سعيا للتوصل إلى السلام !!!0 هذا من جهة , أما من جهة أخرى , - وللأسف - فإن ما زاد الطين بلة , وجعل من إسرائيل تتمسك بإرادة من فولاذ للسعي نحو تحقيق أهدافها الاستيطانية والتوسعية دون مبالاة بمختلف القوانين والقرارات والمعاهدات الدولية في هذا الخصوص, وتتعنت في قراراتها وسياساتها تجاه الأرض والشعب الفلسطيني , وتتعامل في سياساتها مع العرب بطريقة التحقير والتقزيم , هي سياسات الاستنجاد العربي بالغرب بوجه عام , وبالولاياتالمتحدة الأميركية على وجه الخصوص , وذلك بهدف الضغط على إسرائيل للرضوخ للمطالب العربية الساعية للسلام , والهادفة لاستعادة المسلوب من حقوقها السيادية والشرعية , فهم بذلك كالمستعين على الرمضاء بالنار , والمستنجد بالذئب على غنمه. وواحدة من أقرب الدلائل على ذلك الخطأ التاريخي والسياسي الذي وقع فيه العرب قديما وحديثا , باللجوء للغرب وللولايات المتحدة الاميركية تحديدا للضغط على إسرائيل بهدف إقناعها بسلام لا تفهم معناه , أو بمطالبتها بإقناع المستعمرة الإسرائيلية الكبرى ببعض التنازلات , هو أن الولاياتالمتحدة الاميركية نفسها كانت السبب الرئيسي في المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني بوجه خاص هذه الأيام , وفي مختلف الأوقات السابقة . وفي الفوضى الهدامة التي يعيشها الشرق الأوسط بشكل عام , فقديما سهلت أميركا هجرة اليهود إلى فلسطين , وإقامة المستعمرة اليهودية وإقامة الهيكل المزعوم , أما حديثا وكتأكيد على ذلك الدعم المتواصل من خلال الأحداث الراهنة في قطاع غزة , فقد أكدت مصادر إسرائيلية كثيرة ورسمية بأن إسرائيل قد تسلمت من الرئيس الأميريكي الضوء الأخضر باجتياح غزة , وعمل كل ما يمكن عمله لاستتباب أمن إسرائيل , حيث أشار"روني دانييل". المراسل العسكري بالقناة الثانية في التليفزيون "الإسرائيلي , بأن باراك قال لبوش في زيارة هذا الأخير لإسرائيل بأن "إسرائيل" لا تستطيع الاستمرار في السكوت على إطلاق الصواريخ تجاه أراضيها , فرد عليه بوش بطريقة يفهم من خلالها أنه ضوء أخضر لاجتياح القطاع , وهو ما يؤكده المحلل الإسرائيلي "ايهودي يعاري" , والذي يؤكد أن بوش أعطى "إسرائيل" الضوء الأخضر لاجتياح قطاع غزة وضرب البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، بما في ذلك المساس بكبار قادة الفصائل المختلفة . وبالطبع فإن هذا ليس بجديد في العلاقة الاميركية الإسرائيلية , فالتاريخ والفيتو الاميركي , يؤكدان بان علاقة التزاوج الأبدي ما بين هذين الطرفين هي اكبر بكثير من أن يستطيع العرب أن يؤثروا عليها أو يضعفوها , أو حتى أن يخلقوا بعضا من التوازن في تلك العلاقة من جهة , والمطالب العربية من جهة أخرى , فهي علاقة ترتكز على خلفية تاريخية ودينية وسياسية ونفسية . تتحكم بها قوى داخلية وخارجية صهيونية , يصعب على أميركا أن توجهها أو تحتويها أو حتى تؤثر بها للصالح العربي , بل هو العكس من ذلك , فالقوى اليهودية هي المسيطرة على صناعة القرار وصياغته وتشكيله بالولاياتالمتحدة الاميركية , وهو ما يجعل من إسرائيل المتحكم بقبضة حديدية وإرادة تفوق إرادة المجتمع الدولي ومنظماته بطريقة إدارة مستقبل التعايش وشكله مع العرب بوجه عام , والفلسطينيين على وجه الخصوص وكتأكيد تاريخي على هذا , نورد واحدة من مئات الأدلة على ذلك , فقديما وبحسب ما ذكره مؤلف كتاب " إسرائيل خنجر أميركا " ص 37 , من أن الرئيس الاميركي الثاني جون آدمز وجه في عام 1818 م رسالة إلى الكاتب اليهودي مردخاي نوح وكان يشغل منصب القنصل الاميركي في تونس , جاء فيها : إنني أرغب حقا في رؤية اليهود ثانية في أرض يهودا كاملة ومستقلة , كما أكد ذلك كذلك بن غوريون في كتابه " العرب والفلسطينيون وأنا ", كما كان ذلك من الرئيس الاميركي الثالث توماس جفرسون وغيرهم من المؤسسين للولايات المتحدة الاميركية , أما حديثا فقد أكد هذه الرؤية العديد من الرؤساء الاميركيين , كالرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون وجورج بوش الابن , فها هو قسيس بيل كلينتون وفي العام 1980 م يؤكد على كلينتون , بأنه إذا أهمل إسرائيل فلن يغفر الله له أبدا ... فإن الله يشاء أن تبقى إسرائيل الوطن الكتابي لشعب الله إلى أبد الآبدين , "انظر - انتون لاغارديا , ارض مقدسة حرب غير مقدسة : الإسرائيليون والفلسطينيون , لندن , جون موراي ص 327 " 0 أما رؤية الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش لهذه العلاقة الأبدية , وولائه لإسرائيل التاريخية وأمنها لا تحتاج إلى إثباتات وأدلة وبراهين , فقد برزت منذ اليوم الأول لرئاسته , وكان آخرها تعهداته بيهودية المستعمرة الإسرائيلية الكبرى , وليست زيارته الأخيرة بتاريخ 11 / 1 / 2008 م لعدد من المواقع اليهودية في إسرائيل , والتي رأى خبراء في الشئون السياسية والدينية أنها تنطلق من خلفية عقائدية تفترض أنه عندما يأتي المسيح لابد أن يجد جميع يهود العالم مجتمعين بالقدس كما كانوا أول مرة في حياته ، حتى يدعوهم للمسيحية من جديد . وبالتالي يرى أن زيارته هذه تساعد في تجميع اليهود وتدعم وجودهم على هذه الأرض" , كما أكد ذلك المفكر القبطي رفي حبيب , أما الدكتور وليد المدلل أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة فقد وصف زيارة بوش بأنها "حج ديني للأراضي المقدسة أكثر منها زيارة سياسية ، خاصة في زيارته إلى بيت لحم وطبريا التي هي مكان مقدس لليهود كما هو مقدس للمسيحيين، فقد سكنها اليهود عبر حقب من التاريخ"، مشيرا إلى أنها " أحد الأماكن التي خطب بها المسيح خطبته الشهيرة في العقيدة المسيحية. عن صحيفة الوطن العمانية 21/1/2008