إسرائيل دولة لليهود محمد بن سعيد الفطيسي انتهى انابوليس كمؤتمر، ولكن بكل تأكيد فان آثاره الجانبية السياسية منها والتاريخية ستمتد لعقود طويلة من الزمن، كما هو حال جل المؤتمرات المماثلة، والتي لم تسمن ولم تغن من جوع لهذه المنطقة وشعوبها، وللأسف كان لها ابرز الأثر في رسم خارطة الألم العربي بشكل عام والفلسطيني على وجه التحديد، وعلى الرغم من أن صورة الجنين قد تبينت ملامحها قبل ولادته، وذلك من خلال التصريحات الابتزازية لعدد من القيادات الإسرائيلية، واستطلاعات الرأي وغيرها من أساليب القياس، والتي أكدت فشله وسوء طالعه حتى قبل ان يولد، إلا أن المشاركة فيه، وعلى وجه التحديد من خلال التواجد العربي كان ضروريا، وذلك لأسباب كثيرة اشرنا إليها في عدد من المقالات السابقة، وأبرزها على الإطلاق أن لا يترك للولايات المتحدة الأميركية وحدها أمر الإعداد له، فتتفاجأ الدول العربية بها وقد فرشت الطريق إليه بالتنسيق مع إسرائيل بخطوات ومشروعات لا تتفق مع مصالحنا القومية، ومع مقتضيات إقامة السلام الحقيقي العادل والدائم والشامل الذي نتطلع إليه في منطقة الشرق الأوسط، كما حدث ذلك بالفعل في هذا المؤتمر، وذلك من خلال عدد من اشارات وتصريحات الجانب الصهيواميركي، وعلى رأسها محاولة اولمرت الحصول على اعتراف بيهودية المستعمرة الإسرائيلية الكبرى كشرط لاستمرار السلام والمفاوضات مع العرب بشكل عام، والفلسطينيين على وجه الخصوص. حيث لم تكن تصريحات رئيس وزراء إسرائيل أيهود اولمرت حول يهودية المستعمرة الاسرائيلة في مؤتمر انابوليس مستغربة للكثيرين، فقد مهد لها قبل فترة من انطلاق المؤتمر وذلك من خلال تصريحاته الابتزازية المثيرة للجدل، والتي أشار فيها إلى أن اعتراف الجانب الفلسطيني بدولة إسرائيل دولة لليهود هو شرط مسبق لأي مفاوضات نهائية بين الجانبين، كما أكدت هذا الطرح الصهيواميركي وزيرة خارجيته تسيبي ليفني خلال مؤتمر صحفي مع نظيرها الفرنسي برنار كوشنير في القدسالغربية يوم الأحد 18/11/2007 بقولها: إن (الدولة الفلسطينية لن تكون فقط حلا للفلسطينيين الذين يسكنون في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ يفترض بها أن توفر حلا وطنيا شاملا لأولئك الموجودين في الضفة والقطاع وفي مخيمات اللاجئين وأيضا لأولئك الذين هم مواطنون متساوون في الحقوق في دولة إسرائيل، التي هي الدولة اليهودية من بين الدولتين). وقد كان المؤتمر بمثابة النافذة الإعلامية التي اطل من خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي اولمرت وزمرته لتسويق تلك الفكرة الصهيواميركية القديمة المتجددة حول الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي خالص لليهود بشكل خاص، وقد كانت ردود الأفعال الشعبية منها والعربية الرسمية على تلك التصريحات والتي سبقت مؤتمر انابوليس بمثابة التأكيد المسبق على رفض أي املاءات مسبقة للسلام والتفاوض مع إسرائيل، كما أكد ذلك أمين عام جامعة الدول العربية، حيث رفض عمرو موسى شرط الحكومة الإسرائيلية ضرورة الاعتراف بإسرائيل كدولة لليهود مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقال موسى في مؤتمر صحفي مشترك عقده بتاريخ 19/11/2007 مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند عقب لقائهما بمقر جامعة الدول العربية أن جميع مرجعيات عملية السلام تنص على وجود دولتين في ارض فلسطين التاريخية، وهما فلسطين وإسرائيل ولم تشر إلى أن الأخيرة دولة يهودية، وأضاف موسى أن اشتراط إسرائيل الاعتراف بها كدولة يهودية يثير علامات استفهام كبيرة. ولفهم هذا الموضوع في سياقه الذي أشار إليه رئيس حكومة إسرائيل، فإننا سنحاول من خلال هذا الطرح توضيح تلك الصورة السياسية المحرفة للمحاولات الصهيونية التاريخية المتكررة لتحويل ارض فلسطين المغتصبة إلى وطن قومي لليهود من خلال المستعمرة الإسرائيلية الكبرى القائمة أصلا على الأرض العربية الفلسطينيةالمحتلة، وذلك على محورين: أولهما لماذا وطن يهودي قومي؟ والآخر ماذا سيعني ذلك لو تحقق بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني على وجه الخصوص لا قدر الله ؟.. وبداية لابد أن نفهم ما هي الدولة اليهودية المقصودة في هذا التصريح الصهيوني لاولمرت؟ حيث تبلغ مساحة أرض فلسطين التاريخية 26.300 كم مربع وحسب قرار التقسيم الصادر عن الأممالمتحدة عام 1947 جرى تخصيص 14.500 كم مربع للدولة اليهودية بنسبة 55.1 % من إجمالي الأرض و11.800 كم مربع للدولة الفلسطينية بنسبة 44.9% وعلى اثر إعلان إسرائيل والحروب العربية الإسرائيلية عام 1948 احتلت إسرائيل مساحات إضافية من تلك الأراضي التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية وبقي للفلسطينيين الضفة والقطاع ويشكلان معا 6.15 كم مربع أو ما يوازي نحو 23% من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية أو نحو نصف المساحة المخصصة للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم (وعليه فان ما يطالب اولمرت الاعتراف به هنا كدولة قومية لليهود، هو تلك المساحة العربية الفلسطينية المغتصبة من ارض الطهر والرسالات فلسطين، والتي أعطيت من قبل من لا يملك لمن لا يستحق، وهو بانتزاع ذلك الاعتراف يحاول التأكيد على شرعية الاحتلال، والتأكيد على يهودية الارض المغتصبة، حيث لم تكتف إسرائيل بعد أكثر من نصف قرن على قيامها بالاعتراف بها كدولة ذات سيادة، بل تطالب بالاعتراف بطابعها القومي الديني. وكما نعرف بان الصهيونية في اسرائيل ومنذ فترة طويلة جدا، تحاول انتزاع ذلك الاعتراف، كمحاولة منها لبدء مشروع الوطن الصهيوني المستقل، وهي الاداة التي ستعطي الدولة القدرة على سن القوانين (الرامية إلى مصادرة أراضي العرب باعتبار أن الاستيطان اليهودي واستيعاب الهجرة هي قيم أساسية ولو تناقضت مع حقوق المواطنين غير اليهود، ومن ضمنها حقوق الملكية، وكانت يهودية الدولة أساس سن قانون الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية من العام 1952 الذي يمنح هذين التنظيمين اليهوديين الدوليين مكانة خاصة، إضافة إلى ال(قيرن قييمت)، الصندوق القومي اليهودي، و(قيرن هيسود) وغيرها، ويمنحها على رغم أنها مؤسسات غير رسمية مكانة قانونية في مجالات تملك الأرض والاستيطان واستيعاب الهجرة، وهي مهمات تعبر عن يهودية الدولة بامتياز). وبالطبع فان ذلك سيترتب عليه عدد من الجرائم التي سيتمسك بها الجانب الصهيوني بعد ذلك الاعتراف، وعلى رأسها احقية طرد اصحاب الارض من تلك المستعمرة، بل والقضاء على حق اللاجئين والنازحين في العودة الى ارضهم، وسحب أي أساس تاريخي وقانوني للقرار الدولي رقم 194، كون تلك الارض قد تحولت الى ارض يهودية قومية خالصة ومعترف بها على هذا الاساس كما يحلم القادة الصهاينة ، كما سيعني ذلك كذلك (أنه يحق لاسرائيل أن تقول لنا بعد ذلك: (ان هذه دولة يهودية، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يستوطنها ما لم ينتم إلى الديانة اليهودية... وبما أن الديانة اليهودية هي ديانة مغلقة، على عكس المسيحية والإسلام، سوف يوفر الاعتراف الفلسطيني بالهوية اليهودية لاسرائيل مشروعية قانونية في أن تتبنى (إسرائيل) سياسة قصر المواطنة فيها على من يحمل الهوية الدينية اليهودية دون غيره، وبهذا المعنى سيجد عرب فلسطين 48 في دولة الاحتلال) أنفسهم أمام سياسات وتشريعات إسرائيلية جديدة تضعهم في موقف أسوأ وأصعب كثيراً مما هم فيه حالياً. بعض هؤلاء العرب مسلمون، وبعضهم مسيحيون، ولك أن تتصور مستقبل هؤلاء في دولة دينية عنصرية، وقد تم الاعتراف العربي والدولي بهويتها الدينية والعنصرية هذه) وقد جاء على لسان العديد منهم ما يشير الى هذا التوجه الاجرامي حتى قبل قيام ما يسمى بدولة اسرائيل، فهذا يوسف فيتز مدير الصندوق القومي اليهودي يقول بانه (ينبغي ان يكون واضحا بالنسبة لنا انه لا مكان لشعبين في هذا البلد، فان غادره العرب فسيكون كافيا لنا.. وليست هناك وسيلة اخرى غير ترحيلهم جميعا، فلا يبقى لهم اثر في أي قرية، ويجب ان نوضح لروزفلت الرئيس الاميركي في ذلك الوقت ولقيادة الدول الصديقة، بان ارض اسرائيل لن تكون صغيرة اذا ما غادرها العرب جميعا، واذا ما اتسعت الحدود الى الشمال على طول نهر الليطاني والى الشرق باتجاه مرتفعات الجولان). وقد ظلت تلك المطالبات على رأس أولويات القيادات الصهيونية المتوالية على اسرائيل من دون استثناء، منذ رئيس الحكومة الاسرائيلية الاول أي ديفيد بن غوريون والذي قال كذلك في هذا السياق: بان دولة إسرائيل تختلف عن بقية الدول في عوامل إقامتها وفي أهداف إقامتها. لقد قامت قبل عامين فقط، ولكن جذورها مزروعة في الماضي البعيد، وهي تنهل من ينابيع قديمة. نظامها ينحصر في سكانها، ولكن أبوابها مشرعة لكل يهودي بما هو يهودي. ليست هذه الدولة يهودية من ناحية كون اليهود غالبية سكانها. إنها دولة اليهود حيثما كانوا، وهي لكل يهودي يريدها، وحتى شارون الذي اكد كذلك وفي كثير من لقاءاته ومؤتمراته واجتماعاته على هذه الفكرة، وقد كان ابرزها ما صرح به في نهاية اجتماع العقبة في العام 2003م، كتأكيد للمسؤولين الاميركيين وللرئيس ابو مازن حول يهودية الدولة، حيث قال: ان دولة إسرائيل (هي دولة يهودية) نقية، وهي لليهود في (إسرائيل) وكل العالم، وحين نبهه وليم بيرنز أن هذا الأمر ليس في مصلحة الإسرائيليين ويبرزهم وكأنهم عنصريون، رد شارون قائلاً: إذا تركنا معادلة التكاثر السكاني على ما هي عليه الآن في (إسرائيل)، فإن دولة (إسرائيل) ستنتهي لأن العرب سيحكمونها وأعلن أنه لم يقبل الذهاب إلى العقبة إلا مثل أن يعلن الأميركيون أن (إسرائيل دولة لليهود) فقال وليم بيرنز هذا الأمر يعود إلى بوش وقد عاد الأمر إلى بوش فعلا فأعلن بملء الفم في العقبة مصطلح دولة لليهود وأضاف تنبض بالحياة، وها هو امتداد الارهابي شارون أي اولمرت يجدد الفكرة بمطالبته بان تكون اسرائيل دولة يهودية قومية خالصة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، ومن امتدادات سياسية واقتصادية وديموغرافية وغيرها. عن صحيفة الوطن العمانية 3/12/2007