الدولة الفلسطينية.. والمراوغات الأمريكية د. أحمد يوسف القرعي كان من المأمول أن يعلن الرئيس الأمريكي بوش قيام الدولة الفلسطينية في أثناء زيارته لرام الله.. ولو كان قد فعلها لكسب رهانا سياسيا لا يخامره أو يراوده حتي في أحلي أحلامه الكبيسة ولو كان قد فعلها أيضا لتجنب الاستقبالات التي اتسمت بالبرود في عدد من العواصم العربية التي زارها خلال جولته الاخيرة في الشرق الأوسط, لكن فاقد الشيء لا يعطيه, فالرئيس الامريكي يماطل في إعلان قيام الدولة الفلسطينية منذ أكثر من أربع سنوات, بينما هو في الحقيقة لا يملك أساسا حق هذا الاعلان حيث سبقته الاممالمتحدة منذ60 عاما وبالتحديد بقرار الجمعية العامة للمنظمة الدولية رقم191 الصادر في29 نوفمبر1947 بشأن تقسيم فلسطين إلي دولتين عربية وعبرية. وبينما لم يبادر الرئيس بوش بمثل تلك الخطوة بشأن قيام الدولة الفلسطينية, فإنه غازل حليفته إسرائيل, مؤكدا أهمية يهودية دولة اسرائيل في سياق أية تسوية للصراع العربي الاسرائيلي. ومثل هذا التصريح الخطير يأتي في سياق القانون الذي أصدره الكونجرس الامريكي منذ سنوات ويعني أساسا بملاحقة الولاياتالمتحدةالامريكية لكل من يتعرض بالنقد أو التجريح لكل من السامية والصهيونية واليهودية. واكثر من هذا فمن المفارقات الخطيرة التي وقع فيها الرئيس الامريكي بوش وهو راعي عملية السلام, كما يزعم قيامه بوضع الطاقية اليهودية علي رأسه أثناء زيارته لاسرائيل بينما لم يحاول بالمقابل أن يجامل الفلسطينيين وهو يزور رام الله ويضع الشال الفلسطيني الشهير علي كتفيه. {{{ أيا كان الأمر فإن عدم إدراج إعلان قيام الدولة الفلسطينية في اجندة زيارة الرئيس بوش للشرق الأوسط, والاكتفاء بمواصلة وعده بأن هذا الأمر سوف يتحقق خلال العام الحالي(2008), فإن مواصلة تلك المماطلة أو المراوغة لم تستفز الجانب الفلسطيني كثيرا, ثقة في النفس من ناحية وامتلاك حق اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد اذا اقتضي الأمر في الوقت المناسب. وتحقق هذا علي أرض الواقع من قبل وتحديدا في15 نوفمبر1988 في سياق الانتفاضة الأولي وحظي الاعتراف بالدولة الفلسطينية آنذاك من جانب اكثر من130 دولة, دوره الحضاري وصموده أمام تحديات الزمان والمكان. وكان شعب فلسطين من بين تلك الشعوب التي اعترفت عصبة الأمم بأنها مؤهلة للاستقلال منذ عام1922. وفي العام نفسه شدد المجتمع الدولي تشديدا كبيرا علي التحقق من رغبات الشعب المعني مباشرة. وبينما نالت شعوب أخري كثيرة مركز الدولة فإن المخطط الاستعماري الصهيوني حال دون ذلك بالنسبة للشعب الفلسطيني, حتي صدر قرار تقسيم فلسطين إلي دولة عربية وأخري عبرية في نوفمبر1947, كما سبقت الإشارة إلي ذلك وتدويل قضية القدس وهنا وقعت الجولة العسكرية الأولي بين العرب واسرائيل وانتهت بعقد اتفاقات الهدنة. وجاء قبول اسرائيل عضوا في الأممالمتحدة في11 مايو1949 مشروطا بقيام تنفيذ اسرائيل قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم وتمضي السنون ويقع عدوان يونيو1967 ويصدر قرار مجلس الأمن رقم242( في22 نوفمبر1967) واعتبر التسوية العادلة لمشكلة اللاجئين أحد مبادئ تسوية أزمة الشرق الأوسط وسرعان ما صدر قرار الجمعية العامة رقم(2535) في1 ديسمبر1969 متضمنا اعتراف الاممالمتحدةبالفلسطينيين كشعب له هوية وطنية واكد القرار من جديد حقوق شعب فلسطين غير القابلة للتصرف وفي مقدمتها حق تقرير المصير. ثم عادت الأممالمتحدة عام1974 واعتبرت أن الشعب الفلسطيني هو الطرف الأساسي في قضية فلسطين ودعت منظمة التحرير الفلسطينية إلي الاشتراك في مناقشة القضية في أروقة الأممالمتحدة وبهذا القرار أصبحت فلسطين عضوا مراقبا في المنظمة الدولية وتعامل معاملة الدولة العضو فيما عدا حق التصويت, بمعني امتلاك فلسطين حق تقرير المصير وواجب كل الدول الاعتراف به وتيسير تحقيقه. وبعدها جاءت حقبة مدريدوأوسلو1 و2 في بداية التسعينيات وتحدد موعد4 مايو1996 موعدا لاعلان قيام الدولة الفلسطينية إلا ان التحالف الامريكي الاسرائيلي أعاق عملية السلام وفقا لأجندة أوسلو وحاول الرئيس كلينتون في العام الأخير لرئاسته( عام2000) أن يحسم عملية السلام لمصلحة اسرائيل في كامب ديفيد 2 إلا ان الوقت داهمه وتسلم الرئيس بوش سدة الحكم في20 يناير2001 وظل يواصل مراوغته. {{{ يعني هذا كله أن مراوغات الادارة الامريكية الأخيرة بتأجيل وعدها بين حين وآخر بشأن إعلان قيام الدولة علي مدي السنوات الأخيرة وحتي زيارته للمنطقة مؤخرا, يعد منافيا لقرارات الشرعية الدولية, وتراجعا من قبل دولة كبري نصبت نفسها راعية لعملية السلام في المنطقة من خلال خريطة الطريق منذ عام2003 وفق مراحل ثلاث كان من المفترض أن تنتهي عام2005 ولم يتحقق هذا حتي الآن. وعندما شعر بوش باقتراب مغادرته البيت الابيض كرر سيناريو كلينتون السابق( كامب ديفيد2) ومواصلة المراوغة في اعلان قيام الدولة الفلسطينية حتي اقتراب مثول الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل وعندئذ يصعب عليه تحقيق ما وعد نظرا للمزايدات النارية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول مناصرة اسرائيل والتي تزداد اشتعالا بفعل اللوبي الصهيوني داخل أمريكا. عن صحيفة الاهرام المصرية 17/1/2008