لايزال قرار إعلان دولة فلسطين حائراً لا يجد نصيراً خاصة إذا علمنا أن هذا الحلم لن يتحقق إلا بعبور بوابة مجلس الأمن الذى تقف أمريكا بكل قوتها على أعتابه للحيلولة دون تحقيقه .. واليوم ينتظر العالم قرار مجلس الأمن نحو هذا القرار بعد إحالته إلى لجنة العضوية منذ يومين للتصويت.. كان إعلان ميلاد دولة فلسطين المستقلة لأول مرة فى عام 1948 فى أعقاب إعلان دولة إسرائيل فاعترفت الأممالمتحدة بإسرائيل ولم تعترف بفلسطين ومن هنا بدأت هذه المعركة التى لم تنتهى فصولها حتى الآن .. وقد مر حلم ميلاد الدولة الفلسطينية بعدة قفزات كان أخطرها ما حدث فى الجزائر عام 1988 حيث أعلن المجلس الوطنى الفلسطينى فى الخامس عشر من نوفمبر من هذا العام استقلال فلسطين وعاصمتها القدس الشريف واعترف بالإعلان نحو 120 دولة دون أن يتحقق أى تغيير حقيقى على أرض الواقع وفى هذا الإعلان صاغ الشاعر الراحل محمود درويش نص وثيقة قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس وجاء فيها: على أرض الرسالات السماوية إلى البشر، على أرض فلسطين ولد الشعب العربى الفلسطينى.. نما وتطور وأبدع وجوده الإنسانى والوطنى، عبر علاقة عضوية لا انفصام فيها ولا انقطاع بين الشعب والأرض والتاريخ للثبات الملحمى فى المكان والزمان صاغ شعب فلسطين هويته الوطنية وارتقى بصموده فى الدفاع عنها إلى مستوى المعجزة. فعلى الرغم مما أثاره سحر هذه الأرض القديمة وموقعها الحيوى على حدود التشابك بين القوى والحضارات من مطامع ومطامح وغزوات كانت تؤدى إلى حرمان شعبها إمكان تحقيق استقلاله السياسى فإن ديمومة التصاق الشعب بالأرض هى التى منحت الأرض هويتها ونفخت فى الشعب روح الوطن مطعما بسلالات الحضارة وتعدد الثقافات مستلهما نصوص تراثه الروحى والزمنى.. ومضى نص الوثيقة ليؤكد أن الجرح الفلسطينى الكبير على مفارقة جارحة فالشعب الفلسطينى الذى حرم من استقلاله وتعرض وطنه لاحتلال من نوع جديد قد تعرض لمحاولة تعميم الأكذوبة القائلة " إن فلسطين أرض بلا شعب" وعلى الرغم من هذا التزييف التاريخى فإن المجتمع الدولى فى المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم للعام 1919 وفى معاهدة لوزان للعام 1923 قد اعترف بان الشعب العربى الفلسطينى شأنه شأن الشعوب العربية الأخرى التى انسلخت عن الدولة العثمانية هو شعب حر مستقل ومع الظلم التاريخى الذى لحق بالشعب العربى الفلسطينى بتشريده وبحرمانه من حق تقرير مصيره إثر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 للعام 1948 الذى قسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية ضمن حق الشعب العربى الفلسطينى فى السيادة والاستقلال الوطنى.. ومضى الميثاق ليعلن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بقوله" استنادا إلى الحق الطبيعى والتاريخى القانونى للشعب العربى الفلسطينى فى وطنه فلسطين وطفحيات أجياله المتعاقبة دفاعا عن حرية وطنهم واستقلاله وانطلاقا من قرارات القمم العربية ومن قوة الشرعية الدولية التى تجسدها قرارات الأممالمتحدة منذ عام 1947 وممارسة من الشعب الفلسطينى لحقه فى تقرير المصير والاستقلال السياسى والسيادة فوق ارضه فإن المجلس الوطنى يعلن باسم الله وباسم الشعب العربى الفلسطينى قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف" . ثم كانت الانتكاسة التى ضربت القضية الفلسطينية فى مقتل بعد توقيع إتفاقية أوسلو عام 1993 والتى ربطت قيام الدولة الفلسطينية بضرورة الاتفاق مع إسرائيل وهكذا ظلت القضية حائرة طيلة 18 عاما مضت إلى ان جاء الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن وأعلن فى سبتمبر عن توجهه للأم المتحدة لكى يحصل الفلسطينيون على عضوية الأممالمتحدة الكاملة ولكن ذلك يحتاج لموافقة مجلس الأمن فى حين أعلنت الإدارة الأمريكية أنها سوف تستخدم حق النقض أو الفيتو ضد قرار التصويت وإذا ما خسرت القضية الفسطينية امام الحملة التى تقودها أمريكا فإنها ستتجه للجمعية العامة للأمم المتحدة حتى يضمن الفلسطينيون تحويل صفة وجودهم فى هذه المنظمة الدولية من صفة "منظمة عضو" إلى صفة " دولة غير عضو" ويستنى لها وفق ذلك أن تدخل فى عضوية العديد من المنظمات التابعة مثل المحكمة الجنائية الدولية. ولا تزال الولاياتالمتحدة تخوض حربا دبلوماسية لإقناع أعضاء مجلس الأمن للامتناع عن التصويت او رفض الطلب المقترح قبل أن تستخدم حق الفيتو وحتى الآن ضمن الفلسطينيون 7 أصوات من عدد الأصوات البالغة 15 صوتا بمجلس الأمن. ومما يجدر ذكره أن إعلان دولة فلسطين على حدود ما قبل عام 1967 سوف يترتب عليه عدة نتائج أهمها: - الاعتراف بدولة فلسطين كاملة العضوية فى الأممالمتحدة سيجبر إسرائيل على على الاعتراف بحدود الدولة الوليدة على ارض ما قبل 1967 - ضمان حق اللاجئين فى العودة لديارهم. - مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية - الاعتراف بوضع المقاتلين الفلسطينيين واعتبارهم جنود. - توفير الحصانة الدبلوماسية لممثلى الدولة. - القضاء على مخططات إسرائيل التى تستهدف تصفية القضية الفلسطينية. الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية استعانت ب "جوديون جيل" أستاذ القانون الدولى بجامعة أكسفورد لطلب المشورة فى حال رفض قيام الدولة الفلسطينية فأكد جيل فى تقرير نقلته وكالات الأنباء أن الاعتراف بدولة فلسطين سوف تكون له عواقب وخيمة خاصة فى ظل عناد الجانب الإسرائيلى الذى ربما يقوم بتحدى القرار باحتلال أراضى جديدة وتوسيع مساحة المستوطنات..