الاولوية لتهدئة الوضع الداخلي... طلال عوكل من يتابع الجهد المصري الحثيث، بحثاً عن التهدئة، يتولد لديه انطباع بأن مجرد اتفاق الفصائل والجماعات المسلحة وغير المسلحة على موقف معين، فان مصر ستكون قادرة على تسويقه عند الاسرائيليين. لا يتصل الأمر بأية شكوك ازاء النوايا والاهداف المصرية من وراء هذه الجهود التي لا تكل ولا تمل، لكن الشكوك تذهب إلى مدى حاجة الاسرائيليين ومصلحتهم في التوصل الى تهدئة، وما اذا كانت مصر قادرة على تجنيد ضغط كافٍ على الطرف الاسرائيلي لقبول ما يرفضه حتى الآن. فلقد اعلنت اسرائيل رفضها لما يمكن اعتباره اتفاقاً أولياً بلورته مصر مع حركة حماس، قبل وصول الفصائل والجماعات الفلسطينية والاحزاب إلى القاهرة ومع وصول نحو اثنين وعشرين فصيلاً وحزباً وجماعة إلى القاهرة، كانت اسرائىل قد أضفت على موقفها النظري مصداقية من خلال ارتكابها مجزرة في شمال قطاع غزة. عدا ذلك تتعالى أصوات الرسميين الاسرائيليين الرافضين للتهدئة من باراك الذي يرى بأن أمر التهدئة سابق لأوانه، وان اسرائيل تخوض حرباً ضد حركة حماس، إلى اولمرت الذي يعد بمواصلة العمليات ضد قطاع غزة وما بينهما يقف اغلبية الوزراء، موقفاً معانداً ورافضاً لمثل هذه التهدئة. البعض يعتبر ان الموقف الاسرائيلي يتسم بالغموض حتى الآن وطالما ان القاهرة لا تزال تواصل حواراتها ومشاوراتها مع الفصائل، وبأن اسرائيل تواصل الضغط من أجل الحصول على شروط افضل، أو على الأقل لضمان مسايرة جميع الفصائل للموقف المصري غير ان حساب المصالح يقول بأن اسرائىل مستفيدة من استمرار حالة الصراع وانها لو شاءت تستطيع وقف اطلاق الصواريخ. ان اسرائيل تحاول كل الوقت استخدام اطلاق الصواريخ كذريعة لمواصلة الضغط والعدوان والحصار، ومن اجل تعميق الانقسام الفلسطيني، وايضاً من أجل تحميل الفلسطينيين المسؤولية عن تعطيل العملية السياسية التي انطلقت من أنابوليس، رغم انها هي من لا تدخر وسعاً للعمل على خط إفشال هذه العملية. اسرائيل حددت منذ البداية خلافاً لكل ما كان يقال من اطراف كثيرة ان الممكن من المفاوضات هو فقط اتفاق اطار، أو اعلان نوايا، أو اعلان مبادئ ليس اكثر، وها هي تحصل من الادارة الاميركية على ما يمكن اعتباره استجابة لطلبها الثابت، حيث ان الرئيس بوش تحدث علناً عن امكانية تحديد ملامح الدولة الفلسطينية فقط خلال ما تبقى من هذا العام. أكثر من ذلك وبينما تتابع القاهرة مشاوراتها وحواراتها مع الفصائل شن الرئيس بوش هجوماً شديداً على حركة حماس الذي اعتبرها المسؤولة عن تعطيل عملية السلام، واستمرار العنف في المنطقة ومنع قيام دولة فلسطينية، وهو بذلك يكون قد بدأ اولاً باخلاء مسؤولية اسرائيل وتبرئتها، وثانياً، هي بداية لتصريف العجز الاميركي عن دفع العملية السياسية التي تحتاج الى ضغط على اسرائيل. الولاياتالمتحدة تدرك يقيناً ان سياسة الاستيطان والعدوان المستمر من قبل اسرائيل، والسياسات الاسرائيلية المقلقة ازاء قضايا الحل النهائي، هي المسؤولة وهي ايضاً تتحمل مسؤولية عن استمرار الانقسام الفلسطيني من واقع انها أي اسرائيل تعمل لفرض مخططات أخرى لا تتصل بعملية سلام قابلة للحياة. الولاياتالمتحدة اكثر من غيرها تعلم ان اسرائيل لم تُزِل أي حاجز، ولم تُفكك أية مستوطنة، ولم تنفذ أياً من الالتزامات المترتبة عليها وفق خارطة الطريق، بل انها بالعكس من ذلك تراكم المزيد من الوقائع الصعبة التي تعطل العملية السياسية. وبالاضافة الى ما ورد فان في هجوم الرئيس بوش على حركة حماس ما يؤشر الى ان ادارته، قد اعطت اسرائيل الضوء الأخضر لاختيار الوقت المناسب، والارجح ان يكون قريباً، للقيام بعدوان واسع على قطاع غزة، ولكن دون ان يؤدي الى احتلاله، او العبث بواقع الانقسام الفلسطيني الذي تعمل اسرائىل من اجل تعميقه وتأبيده. صحيح ان واقع الانقسام، يشكل تهديداً حقيقياً لوحدة الارض والشعب والقضية والسياسة الفلسطينية ويُعرض لخطر حقيقي المشروع الوطني الفلسطيني وصحيح ان حركة حماس تؤثر سلبياً على مفاوضات التسوية، وهي لا تخفي سياستها الرافضة والمقاومة لههذه المفاوضات، لكن اسرائىل تظل السبب الرئيس المسؤول عن تعطيل هذه المفاوضات غير ان أحداً لا يتوقع من الرئيس بوش أو أياً من المسؤولين الاميركيين ان ينبس ببنت شفة ازاء ذلك. ازاء موضوع التهدئة الجاري بحثه في القاهرة، وتؤيده حركة فتح والرئيس محمود عباس، كما تؤيده حركة حماس، يعكس قراءة صحيحة للاحداث، لا تخلو من حسابات المصلحة الخاصة ببرامج كل طرف، لكن ما هو مطروح فعلياً لا يؤمن تهدئة مستقرة، ولا يزيل مخاطر تدق ابواب الوضع الفلسطيني. فكيف يمكن لهذا النوع من التهدئة الحصرية على جبهة قطاع غزة، والبعض يقول انها فقط تعني وقف اطلاق الصواريخ لا أكثر، كيف يمكن لها ان تصمد في حال واصلت اسرائيل وهي ستواصل اعتداءاتها الصعبة على الضفة الغربية؟ ومن ذا الذي يضمن ان لا تؤدي تهدئة من هذا النوع غير المستقر على جبهة قطاع غزة، الى تصاعد حالة الصراع الداخلي؟ وما هي الخيارات المطروحة من قبل الاطراف الفلسطينية الاساسية المتناحرة؟ وهل ستؤدي مثل هذه التهدئة الى فك الحصار عن قطاع غزة، دون ان يؤدي ذلك الى الاندفاع اكثر نحو الانسلاخ عن الحالة الفلسطينية؟ أسئلة كثيرة مطروحة، وأكثر منها يطرح من قبل الفصائل والجماعات والاحزاب التي استدعتها القيادة المصرية الى القاهرة فيما يبدو، لضمان موافقتها بهذه الطريقة او تلك على ما سبق وتم الاتفاق عليه مع حماس. الأغرب في الأمر، ان تبدي حركة حماس استعداداً للتخلي عن مطلب التهدئة الشاملة والندية، وتوافق على تهدئة حصرية في قطاع غزة، فيما يستمر العناد ازاء ما يحتاجه الحوار الداخلي من تنازلات وتسهيلات. ان الجميع بات يعرف ان كلمة السر لمعالجة كافة الملفات المأزومة في الوضع الفلسطيني من الانقسام إلى الحصار، إلى المعابر، إلى العدوان المستمر إلى الاستيطان، إلى تعطيل العملية التفاوضية، إلى المصير الفلسطيني الذي باتت اسرائيل تتحكم فيه أكثر فأكثر، ان كلمة السر لمعالجة هذه الأزمات هو انهاء الانقسام الفلسطيني وبأسرع وقت ممكن. هل تستطيع القاهرة ان تجمع كل هذا الحشد من القوى والفصائل والجماعات والاحزاب الفلسطينية المتواجدة هناك لبحث موضوع التهدئة من اجل انهاء الانقسام الفلسطيني؟ هذا هو معيار المصلحة الوطنية؟. عن صحيفة الايام الفلسطينية 1/5/2008