التهدئة بين الحقيقة والوهم طلال عوكل مفاجئ هذا الاهتمام الملحوظ من قبل الادارة الاميركية عبر وزيرة خارجيتها بشأن التوصل الى تهدئة لدورة العنف القوية الدائرة منذ فترة على جبهة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وعجيب ان يصدر عن كوندوليزا رايس حماستها لدعم الجهد المصري الذي يبذل منذ بعض الوقت من اجل التوصل الى تهدئة لم تبد اسرائيل أي اهتمام بها، والى الحد الذي تقرر فيه ارسال مساعدها ديفيد وولش الى القاهرة، بينما كانت اللقاءات جارية، بين وفد أمني مصري وآخر من حركتي حماس والجهاد الاسلامي. والأغرب ان يأتي الجهد الاميركي، متزامناً مع عملية كتائب أحرار الجليل في المعهد التلمودي بالقدس الغربية، واوقعت ثمانية قتلى وأكثر من خمسة وثلاثين جريحا، وبعد فشل اميركي في مجلس الأمن الدولي باستصدار قرار يدينها بعد ان كان المندوب الاميركي أفشل أكثر من محاولة في المجلس لاستصدار قرار بادانة المحرقة الاسرائيلية في غزة. التأييد الاميركي الايجابي لجهود التهدئة، يشكل في احد جوانبه انجازاً لحركة حماس، من حيث كونه يشكل اعترافاً ضمنياً بفعالية دورها في التأثير على مجريات الاحداث بما في ذلك تعطيل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الجارية والمتعثرة أصلاً. وبالرغم من تعالي الأصوات وتزايد الجهود الباحثة عن التهدئة في الضفة الغربيةوغزة، بما في ذلك تزايد الاصوات في اسرائيل الداعية للتحدث مع حركة حماس، الا ان اسرائيل الرسمية تلوذ بالصمت وتنفي ان تكون تلقت اتصالات او مبادرات بهذا الخصوص. المفاجأة الاميركية بالانتقال جهة البحث عن التهدئة، والتعاطي غير المباشر مع حركة "حماس" يشبه الى حد كبير الهدوء النسبي الذي وقع بعد عملية المعهد التلمودي، اذ عودتنا اسرائيل على شن اعتداءات صعبة، توقعنا ان تكون اصعب من المعتاد، بالنظر لخطورة العملية من حيث مكان وقوعها، وطبيعة الموقع المستهدف، وعدد الضحايا، فضلاً عما يعنيه ذلك من فشل أمني. قبل يوم من وقوع العملية الخميس الماضي، كان المجلس الأمني الاسرائيلي المصغر قد اجتمع يوم الاربعاء، واتخذ فيما اعلن عنه، قرارات بمواصلة العدوان على قطاع غزة، وقيل ان الاوامر قد صدرت للجيش للقيام بما يتوجب عليه القيام به. من الواضح ان مصالح العديد من الاطراف باتت تتقاطع عند الحاجة للتهدئة، فالولاياتالمتحدة ومصر وربما اسرائيل ايضاً كلها تحتاج الى ابعاد القضية الفلسطينية من صدارة اجتماعات القمة العربية المنتظر انعقادها في دمشق، وحتى لا تضطر القمة لاتخاذ قرارات صعبة على خلفية الاعتداءات الاسرائيلية الصعبة، وبعد ان لوح وزراء الخارجية العرب بامكانية سحب المبادرة العربية. الولاياتالمتحدة محرجة امام العرب الذين ما عادوا يحتملون تباطؤ وتعثر المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وتباطؤ السياسة الاميركية الراعية للمفاوضات، وامام السلوك الاسرائيلي الذي يقفل كل بوابة أمل في امكانية تحقيق ما وعد الاميركيون بتحقيقه خلال العام 8002. ان تهديد وزراء الخارجية العرب بسحب المبادرة يعني ان العرب يقتربون من نسف صيغة التفاهمات التي حققتها معهم الادارة الاميركية قبل واثناء انابوليس، حيث ينبغي على واشنطن ان تدفع العملية السلمية مقابل الدعم العربي لسياستها في العراق والمنطقة. مصر، التي تتحمل الكثير من الاشكاليات والاحراجات والمسؤولية ازاء ما يجري في جوارها وعلى حدودها مع قطاع غزة واسرائيل، هي ايضاً لا ترغب في ان تندفع الامور نحو مواقف عربية ارغامية قد تحرج علاقاتها باسرائيل، وبالولاياتالمتحدة، او تخلق لها ازمات جديدة هي في غنى عنها. السلطة الفلسطينية بحاجة الى التهدئة من موقع مسؤوليتها الوطنية، ولأن الاعتداءات الاسرائيلية تستهدف افشالها، وافشال المفاوضات الجارية، واستهلاك الوقت دون طائل، فضلاً عن انها تسلح اسرائيل بذرائع لارتكاب المزيد من الاعتداءات، ولتعميق الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وايضاً تدرك السلطة ان الاعتداءات الاسرائيلية في الضفة تسعى لاضعافها، وافشال مخططاتها لفرض الأمن، والتطوير الاقتصادي بينما تؤدي هذه الاعتداءات على قطاع غزة، لتقوية "حماس" وتمكينها من توظيف غطاء المقاومة لتكريس هيمنتها على القطاع ويقطع الطريق أمام التحولات الديمقراطية والشعبية التي تقع في ظروف مختلفة. وفي المقابل، فان حركة حماس أبدت منذ وقت طويل رغبتها بالتهدئة، وسبق لها ان التزمت بها قبل الانقلاب، واصبحت اكثر حاجة لها بعده، وهي اليوم في وضع افضل، حيث لم تستطع القوى الأخرى التي تناصبها العداء، من تجاوزها وتجاهل تأثيرها ودورها بما يتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية لقطاع غزة. هذه الافضلية التي تقرؤها حماس جيداً تجعلها أقدر على طرح شروط تجاوز محاولات التهدئة في المرات السابقة. حيث كان المطلب الفلسطيني بحدود قبول اسرائيل بالندية، والتزامن والشمول، بمعنى وقف العدوان في الضفة وغزة. هذه المرة تطرح "حماس" موضوع فك الحصار، وقضية فتح المعابر، وهي تعرف انها لن تحقق كل ما تريد، ولكن بامكانها ان تحسن موقعها في هذه المساومة التي يحتاجها الآخرون. اسرائىل هي الطرف الوحيد التي لا مصلحة لها في التهدئة، رغم انها تعرف منذ زمن طويل ان مثل هذه التهدئة هي الخيار الممكن لوقف اطلاق الصواريخ على بلداتها، ولكنها تستفيد من اطلاق الصواريخ لتبرير اعتداءاتها التي تحتاجها، ولتبرير سلوكها ازاء المفاوضات وللتغطية على عجزها وضعفها الداخلي وعلى مخططاتها الاستيطانية في الضفة. هذا الموقف الاسرائيلي الذي يتأسس على رؤية لحكومة اولمرت تسعى وراء هدف مركزي، وهو سلخ قطاع غزة تماماً عن الضفة والقدس، وافشال المفاوضات، وقطع الطريق على امكانية قيام دولة فلسطينية، فضلاً عن اهداف أخرى، يجعلنا نشك في امكانية توصل الاطراف الى تسوية. أما ان كانت حكومة اسرائيل مستعدة لتفهم الدوافع الاميركية، الى حد القبول بتهدئة وفق شروط لا تناسبها ولم يسبق لها ان وافقت عليها، فانها ستوافق من موقع تكتيكي فقط. واراهن ان اية تهدئة يتم التوصل اليها في هذه الايام ستنهار تماماً وتفتح على عدوان اسرائيلي واسع وشرس، بمجرد ان تنتهي القمة العربية، لتتحول الرهانات الى تحولات ايجابية في مواقف الولاياتالمتحدة او اسرائيل، وغيرها الى مجرد وهم خالص. طالما ان الأسس التي تقوم عليها مثل هذه المواقف لم تتغير ومن غير المرجح ان تتغير قريباً. عن صحيفة الايام الفلسطينية 10/3/2008