شكك محللون فلسطينيون في إمكانية تحقيق تهدئة فلسطينية إسرائيلية متبادلة في القريب العاجل علي أساس أن مثل هذه التهدئة تتعارض مع طبيعة الخطط والأهداف والنوايا الإسرائيلية وممارساتها الميدانية الرافضة للالتزام بأي تهدئة مقابل غياب أي ضغط عربي ودولي. إذ يعتقد المحلل السياسي طلال عوكل أن موافقة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) علي التهدئة دون إسرائيل غير كافية، لأن إسرائيل -حتي لو وافقت علي ذلك- تمتلك عناصر إفشالها مسبقا "كما أثبتت التجربة". وأوضح أن "التهدئة تكررت في غزة سابقا دون الضفة، وكانت إسرائيل تمارس عدوانا يفوق قدرة الفصائل علي الصبر والاحتمال، وبالتالي فإن أي تهدئة لا تكون شاملة تبقي عرضة للانهيار في أي وقت". وشدد علي أن المؤشرات تؤكد عدم رغبة إسرائيل في التهدئة لأن "لديها أهدافا ومخططات أخري، فما قد يحتاجه الفلسطيني أو المصري -الذي يتوسط من أجل التهدئة- لا يحتاجه الإسرائيلي، لأن إسرائيل تريد استمرار العدوان حتي الصيف لبدء مرحلة تصعيد كبيرة". ورأي عوكل أن إسرائيل تريد جعل قطاع غزة "خارج الحالة الفلسطينية" ولن تسمح بالعودة إلي الوراء، كما أنها لا تريد أن تدفع ثمن التهدئة حيث سبق وحصلت تهدئة واقعية لعدة أسابيع "بعد محرقة شمال غزة" لكن إسرائيل شددت من الحصار وبدأت أزمة الوقود. وبالنسبة لإمكانية أي من الأطراف قدرة للضغط علي إسرائيل لإلزامها بالتهدئة، رأي المحلل الفلسطيني أن الإدارة الأمريكية لا تملك الآن إمكانية التأثير علي إسرائيل، كما أن الدول العربية لا تملك وسائل للضغط عليها. تهدئة أحادية الجانب من جهته يري المحلل السياسي خالد العمايرة -وهو صاحب مبادرة سابقة للتهدئة- أن مصر وحماس جادتان في تحقيق التهدئة، موضحا أن "الكرة دائما في المعلب الإسرائيلي" لأن "جميع محاولات التهدئة السابقة خرقتها إسرائيل التي تريد تهدئة من جانب الفلسطينيين فيما تستمر هي بأعمال القتل والحصار والتجويع والتصفية وبناء المستوطنات". وساق العمايرة ثلاثة أسباب قال إنها ستدفع إسرائيل إلي عدم قبول التهدئة، أولها أن هذه الأخيرة ستشكل نصرا معنويا لحركة حماس، وثانيها أنها قد تقود لرفع الحصار عن قطاع غزة ما يعني فشل السياسة الإسرائيلية "المدعومة غربيا ومن بعض الدول العربية" والرامية لعزل حماس. أما السبب الثالث فهو أن "التهدئة ستضعف مكانة الحكومة الفلسطينية الموالية للغرب في رام الله، وستصعّب كثيرا من قدرة أو من احتمال فرض تسوية تصفوية عليها من قبل إسرائيل". وأوضح أن الهدف الأساسي للحرب التي تشنها إسرائيل علي حماس يتمثل بالتخلص من أية معارضة فلسطينية حقيقية لتصفية القضية الفلسطينية أو علي الأقل فرض تسوية لا تلبي الحدود الدنيا من المطالب الفلسطينية. من جهته يقدم الدكتور سميح حمودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، تفسيرا مختلفا لرفض إسرائيل للتهدئة وهو أنها "تريد في النهاية مزيدا من التنازلات". ويضيف حمودة أن إسرائيل- وإن كانت "معنية بالتوقف عن إطلاق الصواريخ ووقف عمليات المقاومة"- تسعي للخروج بأفضل النتائج في نهاية المطاف. ورأي أن إسرائيل في النهاية عقل براغماتي ولا تقاتل حماس لأنها حماس "وإنما لأنها حركة مقاومة، وإذا كانت تضمن توقفها عن المقاومة في أي اتفاق ما فإنها سترحب به". وانتقد حمودة استثناء الضفة الغربية من أي اتفاق للتهدئة "لأن ذلك سيخدم إسرائيل التي ستتفرغ لتصفية ما تبقي من جيوب المقاومة في الضفة الغربية". وكان رئيس المكتب السياسي في حركة المقاومة الاسلاية (حماس) خالد مشعل قال ان الحركة ما زالت تنتظر الرد الرسمي الاسرائيلي عبر الوسيط المصري علي عرض التهدئة، وذلك علي الرغم من اعلان اسرائيل رفضها العرض ووصفه بانه "غير جدي". واكد مشعل ان عرض التهدئة ليس نابعا من حركة حماس وانما من الجانب المصري، والحركة وافقت عليه شرط التزام اسرائيل بمطالب معينة. وقال مشعل في مؤتمر صحفي في الدوحة ان الحركة "طلبت من الوفد المصري ورقة مدونا عليها الالتزامات (...) بشان استحقاقات التهدئة مع الفصائل الفلسطينية". واضاف "علي ضوء هذه الورقة سوف تتخذ حركة حماس موقفها بقبول او رفض التهدئة التي تسعي القاهرة لخلقها بين الفلسطينيين والاسرائيليين". واوضح ان "الالتزامات التي تنتظرها حماس من اسرائيل سوف تتضمن فتح معبر رفح وغيره". ورفض مشعل بشدة اعتبار ان حماس هي صاحبة المبادرة الي التهدئة، وقال ان الحركة "لم تكن من بادر بعرض التهدئة حتي تقبلها اسرائيل او ترفضها". وكانت الحركة اعلنت من القاهرة قبولها بالتهدئة عقب مباحثات مع الوزير عمر سليمان. ولفت مشعل الي ان "الوفد المصري يقوم بجهود مكثفة في هذا السياق" وان "التحرك المصري يجري بعلم من الادارة الأمريكية وموافقتها الضمنية او الصريحة".