عن التعذيب الاسرائيلي ومثيله الفلسطيني.. دعوة للمقارنة!! محمد خرّوب اصيب نمر حماد المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس ب التلعثم ، عندما ذكّره مذيع ال BBC بأن معتقلين فلسطينيين يقضون موتاً وتعذيباً في السجون الفلسطينية.. وما ان استرد هدوءه أو هكذا بدا، حتى قال في تبرير غير مقنع ان ذلك مؤسف وأنه إن حدث لا يمكن مقارنته مع سياسة اسرائيل المنهجية في تعذيب الفلسطينيين جسدياً ونفسياً، وأن سنوات الاحتلال الطويلة للضفة الغربية وقطاع غزة سجلت قتل اكثر من 132 فلسطينياً في سجون الاحتلال.. الموضوع على اهميته وما يسببه للفلسطينيين من آلام، وما تحفل به حياتهم تحت الاحتلال من متاعب ومصاعب وتنكيل وعقاب جماعي، وجرائم ترتقي الى مستوى جرائم الحرب والابادة الجماعية، لا يخضع في هذه الحال الى المقارنة، بل إن المقارنة هنا لا تستقيم ويقع في الخطأ بل مربع الخطيئة كل من يحاول عقد مقارنة كهذه بين مقارفات الاحتلال الذي هو عدو في كل القراءات والتفسيرات والمقاربات، فيما تقع السلطة في مكان آخر عندما يتم تصنيفها كسلطة منتخبة وان ثمة عقدا اجتماعياً مكتوبا هو الدستور ، يربطها بشعبها، وان السلطة رموزها ومؤسساتها، ملتزمة احترام هذا العقد وتنفيذه تحت طائلة المسؤولية والعقاب، الذي لا يعني التمرد المسلح أو الاغتيال أو العصيان المدني، بل سحب الثقة والاحالة الى المحاكمة وتنفيذ القانون، الذي يفترض ان لا تكون السيادة الا له وليس للتنظيم (الحزب الحاكم) أو المؤسسات الامنية والاستخبارية والأمن الوقائي وادارة السجون، وباقي عشرات الاجهزة والاذرعة العسكرية المعلن منها وغير المعلن.. ما بالك اذا كانت السلطة الفلسطينية هي سلطة غير مكتملة العناصر والشروط القانونية، ولا تملك السيطرة على الارض والمعابر والاجواء والمياه الجوفية، ولا شأن لها بشق الطرق أو تحديد من يسير عليها، ولا في فرض حظر التجوال او السماح به، وقبل كل ذلك لا تملك من امرها شيئاً حيال منع الاجتياحات والاعتقالات والاغتيالات المستهدفة وتدمير المنازل وتجريف الاراضي والمزارع، وتحويل الاراضي والمدن والاحياء الى مناطق عسكرية مغلقة.. بقيت اذاً السجون، هي التي تغض سلطات الاحتلال نظرها عن ممارسة السلطة لِ (حقها) في ادارتها، واسرائيل غير معنية بالسجناء الجنائيين بقدر ما تولي اهتمامها للسجناء الامنيين الذين هم في نظرها ماركة مسجلة واحدة تندرج تحت راية الارهاب ، سواء كان المودعون في الزنازين والاقبية من كتائب شهداء الاقصى (ذراع فتح العسكري) أم من كتائب القسام أو الجهاد أو أي تنظيم آخر.. سجلت منظمات حقوق الانسان الفلسطينية والدولية، وخصوصاً الاسرائيلية انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان/ السجين، داخل السجون التي تشرف عليها السلطة، وقضى اكثر من سجين تحت التعذيب في سجون السلطة، في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات كما في عهد الرئيس الحالي كان آخرهم الشيخ مجد البرغوثي المحسوب على حركة حماس الذي خرج جثة بعد اسبوع من اعتقاله، واصابع الاتهامات وجهت بالطبع نحو الاجهزة الامنية ، التي لم تتخل عن الوظيفة التقليدية لكل الاجهزة الشبيهة في العالم الثالث، وبعض الموصوف بالعالم الحر (الاميركي تحديدا) ولم تحاول ان تجد لنفسها صورة ايجابية في الجهاز الوطني الذي يتكامل مع مؤسسات السلطة، لانجاز البرنامج الوطني الفلسطيني في تحرير الارض والانسان، وتشكيل نموذج حكم أو دولة فلسطينية مختلفة عن تلك الدول العربية القائمة التي ابتليت بالقمع ومصادرة الحريات والفساد والشمولية ونهب المال العام والاثراء غير المشروع والانتهاكات الفظة لحقوق الانسان.. فشلت السلطة في بلورة هذا النموذج الذي ظن كثيرون انه سيكون بمتناول الشعب الفلسطيني، بما يتوفر عليه من خبرات وتجارب وكفاءات وبارتفاع بارومتر التضحية لديه ووجود الاعداد الهائلة من حملة الشهادات والدرجات الجامعية العليا في القانون والادارة والتخصصات والكوادر اللازمة لبناء دولة عصرية تُبعث من الدمار والدماء والموت الذي زرعه الاسرائيليون في حياة الفلسطينيين وعلى ارضهم المنهوبة والمسلوبة. لكن شيئا من هذا لم يحدث بل هبط النموذج بعد اوسلو بمظلة آمنة، ووجد طريقه الى التنفيذ الفوري وتقدمت مصلحة النظام (هل هو نظام اصلا؟) على المصلحة الوطنية العليا، وارتفعت الهراوات لتهوي على رؤوس المعارضين من حماس الذين زجوا في السجون ومورست بحقهم اساليب سادية في التعذيب قال محمد دحلان انه نتف لحى بعضهم بيده عندما كان يتولى قيادة جهاز الامن الوقائي وعندما كان في ذروة مجده وسلطانه، الذي افتقده الان ولكن على نحو يدعو للشماتة والتشفي لدى البعض ولدى اخرين على انه شَرِبَ من الكأس المرة التي اراد اجبار خصومه على تجرعها. حماس التي تحاول الان الظهور بمظهر الضحية واستثمار قضية موت مجد البرغوثي والتنديد بممارسات السلطة وسادية اجهزتها وترفع عقيرتها مطالبة باجراء تحقيق، تبدو في وضع مزايد اقرب الى النفاق، وممارساتها في هذا الشأن تكاد ان تكون مطابقة ان لم تكن اكثر بشاعة في التنكيل بخصومها في طرق واساليب ليس من المبالغة القول انها تتطابق مع ما تمارسه قوات الاحتلال بحق المعتقلين الفلسطينيين مثل الضرب والشبح ومنع المظاهرات والتعذيب ومداهمة المنازل والاعتقال واغلاق الصحف والادعاء على رئيس تحرير صحيفة الايام لانها نشرت خبرا رأت فيه الحركة مسّاً بها وكأنها فوق النقد واضعة نفسها في مكانة الحركات التاريخية المحروسة برضى المولى عز وجل وبركاته والمالكة الحصرية للحقيقة والوطنية. الفلسطينيون هنا سلطة وحماس، يمارسون معايير مزدوجة ويتبنون خطابا يريدون ان يضعوا انفسهم في موقع الضحية، فيما يلقون باللائمة على الاحتلال وجرائمه، واذا ما اتفقنا على ان لا شيء مفاجئا او غريبا في مقارفات الاحتلال وارتكاباته كعدو وغاصب، فإنه من المستهجن والمستغرب والمستنكر ان يتشبه الضحية بجلاده ويتفق واياه على اخضاع شعبه لممارسات قمعية تارة باسم الوطنية وطورا تحت ذريعة مقاومة الاحتلال والارهاب من وجهة النظر الاسرائيلية. ثمة حقيقة يجدر بالفلسطينيين سلطة وحماس، ان يأخذوها في الاعتبار وهي ان لدى اسرائيل منظمات حقوق انسان ومجتمع مدني تفضح علنا ممارسات الجيش الاسرائيلي واجهزة مخابراته ويُخْضِعُها الكنيست للتحقيق كما حدث مؤخرا في تقرير اللجنة الشعبية الاسرائيلية ضد التعذيب. هذا التقرير الذي اثار ضجة واسعة في اسرائيل وداخلها (وما يزال)، حيث تتم ممارسة الضغوط على عائلات المعتقلين وما تزال تداعياته متواصلة وتخضع لملاحقات من الصحافة ووسائل الاعلام ولجان الكنيست، وان كان الامل مفقودا في شأن النتيجة التي ستسفر عنها هذه السجالات حتى لو تدخلت محكمة العدل العليا او المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز. اما في فلسطين، حيث لا سلطة ولا قانون ولا رقابة على عمل اجهزة التنكيل والقمع، فإن لجان التحقيق لا تنتهي الى نتيجة ويتم تبرئة الجناة وتذهب دماء الضحية هدرا وتسكن المرارات والاحزان قلوب اسرته ويفقد الشعب الفلسطيني المتعب والمرهق، امله في ان شيئا ملموساً سيتغير نحو الأحسن في مشهد حياته البائسة. عن صحيفة الرأي الاردنية 15/4/2008