شظايا سياسية .. "خفيفة" عبد الله عواد عصر الخلافات الداخلية العراقيون غرقوا في خلافاتهم.. أو أُغرقوا.. لم يعد من فرق.. ولا يوجد على الاقل حتى المدى المنظور.. ما يدل على ان (العراق) سيخرج من المستنقع الذي غرق فيه، بين الشيعة والسنة والاكراد، والقبائل والطوائف والبلدات.. وما شاء للتقسيمات ان تكون.. ولم يعد العراق الوطن الواحد، الشعب الواحد، السلاح الواحد.. صار لكل طائفة دولة وصار لكل زعيم دولة داخل الدولة.. كنا "نبكي على العراق" حتى وجدنا انفسنا نحن في فلسطين غارقين في خلافاتنا... بين دولة غزة.. ودولة الضفة، قسمنا المقسم جغرافياً بفعل الاحتلال (سياسياً).. وصارت حربنا داخلية.. والآن نبكي على انفسنا.. ولا نعرف ماذا نفعل.. لأن منا من أصر على ان نكون جزءاً من هذا الشرق الجديد.. والمطحون بنار القوى الخارجية.. وحسدنا لبنان على وحدته.. لم ينتظر لبنان - طويلاً- حتى لحق بالعراق وبنا.. وها هو يغرق في خلافاته.. وغير قادر على (ملء كرسي الرئيس) الفارغ، الكل يتدخل، العرب والعجم، الشرق والغرب.. واللبنانيون يقولون.. من غير المعقول ان نتفق، سنظل في المقدمة حتى في الخلافات، لهذا عاد عمرو موسى.. يجر أذيال الفشل.. حتى دون مؤتمر صحافي. السودانيون.. يغذون الخطى سريعاً نحو الغرق في الخلافات الداخلية ولكن بوتيرة هادئة كما يبدو.. حتى الآن.. ولكنهم لن يتأخروا طويلاً.. والسؤال: ماذا بعد السودان؟!.. وكم دولة عربية مرشحة لدخول هذا (العصر الذهبي من الخلافات)؟! يبدو أن "العرب يحتاجون لاستراحة" فالباكستان، الدولة الاسلامية الشقيقة، تصر على ان تكون هي الدولة التي تدخل هذا العصر قبل بعض الدول العربية - المرشحة- بالتأكيد.. والتي يغلي داخلها وبصمت، ولكن هادر.. ولكن، متى تنتهي هذه الخلافات الداخلية؟! لا توجد اجابة - فهي المرحلة- التي ستأخذ مداها حتى النهاية، فقط علينا الانتظار.. وممارسة لعبة التسلية على هذا الوطن.. وهذا الشعب "الضحية". المدرسة السياسية العرفاتية ليست تجربة عرفات السياسية، بعمرها الطويل، وبكل محطاتها ومنعرجاتها المختلفة، بدءاً من الانطلاقة وصولاً للسلطة، سوى التاريخ الذي دون التوقف عنده لا يمكن رؤية - ما يكون- ومواصلة المسيرة سواء على الصعيد الداخلي (فتح)، والداخلي فلسطين، والخارجي الاحتلال، والخارجي العالم من حولنا.. وهذا (القطع) من هذه المدرسة هو الذي يدفع ثمنه الفلسطينيون الآن. كان الرحيل المفاجئ لعرفات مرة واحدة.. بمثابة الصدمة التي خلفت وراءها هذا الفراغ الهائل الذي يتم ملؤه بالقوة العسكرية في العلاقة الداخلية في القطاع، وبالقوة المالية في الضفة، والاخطر بتحول الساحة الفلسطينية الى ساحة لمعركة مفتوحة بين مشروعين اقليميين دوليين.. يدفع ثمنها الفلسطينيون تاريخياً وأرضاً وقضية ومستقبلاً، وهم لا يعرفون إلى أين هم ماضون؟! ظهر عرفات في بيئة سياسية دولية واقليمية حادة جداً في انقساماتها، ودقيقة في توازناتها.. وهو يحمل (همّ) أرض وشعب وقضية ذهبت ضحية لصراع دولي.. لم يرحم.. ولم يكن بامكانه ان يتمرد على هذه المعادلة التي حكمت القضية الضحية.. ولكنه كان عليه ان يدير أشرس معركة.. وفي أسوأ ظرف.. ولهدف واحد (القضية)، الارض، الشعب.. والمستقبل. ورغم الانقسام الحاد دولياً واقليمياً، فان عرفات، وبفرضية لعب هذه اللعبة الدولية - الاقليمية- لشطب القضية ومنذ البداية، وظلت قضية لاجئين.. ولكنه - كان يدرك بحسه (الفطري)، ورؤيته ان القضية الفلسطينية لا يمكن وضعها لا في سلة الشرق ولا الغرب، لا الراديكاليين ولا المعتدلين.. وقامت مدرسته السياسية على نظرية (التوازن)، الصعب والدقيق، والذي دفع ثمنه كثيراً في مسيرته الطويلة.. حتى وصل لما وصل اليه من وضع فلسطين كقضية ارض، وشعب، وحكم، وهدف، على الخريطة السياسية. لم يغلق الخطوط، في كل علاقاته الاقليمية، والدولية.. ولكن كانت هذه الخطوط "متذبذبة" وغير مستقرة وفقاً للخطة السياسية دون قطعها مع احد.. ولم يكن من خيار آخر.. وطريق آخر حتى - وهو يدخل الحل السياسي والمفاوضات ظل مؤمناً بنظرية التوازن.. مع المقاومة ومع الحل.. وهي نفس النظرية التي سار عليها حتى اغتيل.. وحتى أيضاً داخل حركة "فتح" ظل يأخذ بهذه النظرية.. ولكن ماذا بعده؟! الغرق في اللعبة الاقليمية الدولية من حيث كان عرفات - قلقاً- ومنذ البداية.. وجد الفلسطينيون انفسهم، وقبلهم العراقيون وبعدهم اللبنانيون، يغرقون في لعبة اقليمية دولية.. وهم يدفعون ثمنها.. لدرجة لم تعد هناك (الدولة العراقية) وأصبح لبنان - على كف عفريت- الخلافات الداخلية المفتوحة على ما شاء للخلافات ان تكون حتى لو تم ملء كرسي الرئاسة، ويجد الفلسطينيون انفسهم أسرى لهذه اللعبة. ان حركة حماس، باستخدامها للقوة في العلاقة الداخلية، لم تطعن النظام السياسي الفلسطيني الديمقراطي الوليد فقط.. في خاصرته.. ولم تقسم الجغرافية المقسمة أصلاً بالاحتلال.. ولكنها - طعنت المدرسة السياسية العرفاتية - ونظرية التوازن- التي وحدها انقذت الفلسطينيين من الضياع، واوصلتهم لهذه المرحلة المتقدمة، وبذلك كانت الخطوة الاخطر تاريخياً في مسيرة الشعب الفلسطيني.. بادخال القضية الفلسطينية في بورصة (الصراع الاقليمي الدولي)... ولعبة المحاور التي ظل عرفات وتاريخياً يحذر من خطورتها على القضية.. واقعها ومستقبلها، فهل القضية قضية سلطة في القطاع؟! ان حركة "فتح" التي أُصيبت (بصدمة) استيلاء حماس على السلطة في القطاع، وجدت نفسها في موقف (مرتبك)، عبر عن نفسه بابتعادها المباشر عن (السلطة)، الحكومة، ولم يبق عندها سوى مؤسسة الرئاسة، ورغم مضي شهور، فان "حركة فتح" ما زالت اسيرة الصدمة، محكومة بردات فعل.. اكثر من سياسة واضحة في التعاطي مع كافة المسائل. ان حركة "فتح" التي تعاطت عبر مؤسسة الرئاسة بمنطق رد الفعل على انقلاب حماس في القطاع.. تجد نفسها من حيث تدري أو لا تدري.. تلحق بحركة حماس في الزج بالقضية في اللعبة الاقليمية والدولية، وبذلك يكون الانقلاب على المدرسة السياسية العرفاتية.. وهذه مسألة خطيرة على القضية الفلسطينية. ان "القضية الفلسطينية" لا تحتمل أية لعبة اقليمية دولية.. فهل يتم تجاوز المأزق الراهن؟! عن صحيفة الايام الفلسطينية 13/1/2008