عندما تم توقيع اتفاق أوسلو في13 سبتمبر1993, بادرت حركة حماس برفضه واتهمت القائمين عليه بالتفريط, ومن ثم رفضت السلطة الوطنية الفلسطينية, وعملت باستمرار علي تحديها وإفشال جهودها من أجل إسقاط عملية التسوية السياسية برمتها. وبدأت الحركة في القيام بعمليات تفجيرية في إسرائيل, وتعمدت القيام بمثل هذه العمليات كلما لاح في الأفق ما يفيد بقرب استئناف مفاوضات او بدء عملية انسحاب إسرائيلي من أجزاء من الأراضي المحتلة, كما حرصت حماس علي إظهار التحدي العلني للسلطة الوطنية حتي في ظل قيادة عرفات, فقد حرصت علي ان تتم تسوية بعض الخلافات اوالنزاعات مع السلطة الوطنية أو عناصر الأمن الفلسطيني من خلال مفاوضات ثنائية تؤشر إلي توازن قوي واضح بين الطرفين, وعندما أقدمت عناصر من الحركة علي اختطاف جندي إسرائيل رفضت الحركة تقديم اي معلومات للسلطة الوطنية, بينما قدمت هذه المعلومات للحركة الإسلامية داخل إسرائيل. وطوال الوقت كانت حركة حماس تري في التفاوض مع إسرائيل خيانة لقضية فلسطين, وتري في التفاعلات الإقليمية والدولية التي نسجتها السلطة الوطنية بقيادة فتح, تسليما وانهزاما. وعندما بدأ الترتيب لأول انتخابات تشريعية فلسطينية عام1996, قاطعت حماس هذه الانتخابات لأنها تجري وفق اتفاق أوسلو الذي ترفضه الحركة وتعمل علي إسقاطه, وعندما قرر فصيل صغير من الحركة بقيادة عماد الفالوجي خوض هذه الانتخابات تم فصله من الحركة, وخلال الفترة من1996 وحتي2005 واصلت حماس عمليات المقاومة المسلحة بهدف تحرير فلسطين من البحر إلي النهر, وواصلت القيام بعمليات تفجيرية مبرمجة لوأد أي جهد لمواصلة التسوية السياسية, ووجدت إسرائيل في الكثير من عمليات الحركة ما يبرر لها تجميد اي جهد, ويخفف عنها اي ضغط دولي. وبعد وفاة الرئيس عرفات رفضت حماس خوض الانتخابات الرئاسية, وأعلنت خوض الانتخابات البلدية فقد لخدمة الشعب اما التشريعية فلا لأنها تتم علي اساس أوسلو, وبعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع بدأت الحركة تتحرك للسيطرة عليه, وهي بالفعل تسيطر عليه لانه معقل النفوذ ومكان انطلاق النشاط, ومع بدء التحديث عن إجراء الانتخابات التشريعية الثانية, بدأت الحركة تتحدث عن خوضها لهذه الانتخابات دون التفريط في اي من الثوابت, وخاضت حماس الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية في الخامس والعشرين من يناير2006 بقائمة الإصلاح والتغيير وحصدت الأغلبية الساحقة,76 مقعدا من132 مقعدا, وهو عدد يعطي الحركة الحق في تشكيل الحكومة منفردة. ومثلما كان الفوز ساحقا, كان المأزق كبيرا, فالحركة لا تستطيع سياسيا تشكيل حكومة بمفردها لأن جوها الحكم يتناقض مع أساس ميثاق الحركة, فحكومة السلطة الوطنية تستند في وجودها علي اتفاق أوسلو, وقرارات الشرعية الدولية التي تنهض علي دولة فلسطينية علي الأراضي المحتلة في يونيو1967, وأيضا التعامل مع واقع فلسطيني, وإقليمي ودولي معقد للغاية أبسطة التواصل مع الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة للحصول علي المساعدات اللازمة للنفقات الجارية بما فيها رواتب الموظفين والانفاق علي المشروعات في مختلف المجالات. ويعني ذلك أن حماس حتي تشكل الحكومة وتواصل العمل عليها ان تعترف باسرائيل او تتعامل معها واقعيا ومن ثم تسقط البند الذي يدعو إلي تدمير إسرائيل, ومعه بند فلسطين من البحر إلي النهر, وتقر بالتفاوض وتسقط الخيار العسكري وتتوقف عن العمليات التفجيرية, وهي حزمة من التغييرات يصعب ان تقدم عليها حماس علي الأقل في مدي زمني قصير, فثمن ذلك سيكون فقدان المصداقية وتفكك الحركة وانشقاق كوادر وقيادات. في نفس الوقت حرصت حماس علي تأكيد انها ليست منظمة جامدة, بل تتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية, وإن حرصت أيضا علي ان تقول بإن التكيف لا يعني الإطاحة بالثوابت, ولذلك حرصت علي اصدار اشارات متتالية تفيد بالقدرة علي التكيف, ومن بين أبرز هذه الإشارات إسقاط البند الداعي إلي تدمير اسرائيل من البرنامج الانتخابي للحركة, القول بان المفاوضات مع إسرائيل ليست حراما, الاستعداد لتوقيع هدنة طويلة المدي تتجاوز عشرين عاما مع اسرائيل, الاستعداد للتوصل إلي اتفاق علي إقامة دولة فلسطينية علي حدود ما قبل الخامس من يونيو1967, إعلان رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل استعداد الحركة لتوحيد جميع الأجنحة العسكرية في جيش فلسطيني واحد مبدأ وحدة السلاح الذي نادت به حكومة فتح ثم تصريح أحد قادة الحركة بان الولاياتالمتحدة ليست عدوا للحركة, وارسال رسائل للإدارة الأمريكية تدعوها إلي فتح حوار مع الحركة والسير في جهود الوساطة للتوصل إلي تسوية سياسية. إن حماس في جوهرها حركة سياسية تستند إلي اساس ديني, تريد الوصول إلي السلطة, وفي طريقها إلي ذلك تبنت برنامجا ايديولوجيا, وما أن حازت علي الأغلبية البرلمانية حتي وجدت برنامجها عقبة في طريق استلام السلطة, ومأزقها الحقيقي يتمثل في رغبتها في التكيف التدريجي مع الحقائق الإقليمية والدولية والذي يتطلب تعديلات جوهرية في ميثاقها, بينما الوقت ضاغط بقوة, سعت للخروج من هذا المأزق عبر دفع فتح للائتلاف معها والقيام بما يحرمه ميثاقها حاليا عليها مثل التفاوض مع إسرائيل ومواصلة التسوية وفق أوسلو, وفتح أدركت ذلك جيدا, ومن ثم وقع الطلاق سريعا, في نفس الوقت لا يمكن للحركة ان تحدث التغيير المطلوب دفعة واحدة, واحدة والا تهاوت الشعارات وانكشفت برجماتية الحركة وتعرضت للتمزق, لذلك تسعي حماس إلي ارسال رسائل طمأنة للغرب والقوي الدولية مفادها واقعية الحركة وقدرتها علي التكيف والمقابل منح الحركة فسحة من الوقت لتجري التحولات والتغييرات المطلوبة بالحد الأدني من الخسائر, وأغلب الظن ان المصالح ستلتقي من جهة حول طرح حماس, ومن جهة ثانية حول إفشال هذا النموذج لما يمكن ان يترتب عليه من دفع باتجاه تغيير مشابه في دول مجاورة.