لا شك إن إسرائيل التي رعت وهيأت المراحل الأولى لبلورة حركة حماس في غزة ومنحها التراخيص لإقامة الجمعيات والمنشآت وحرية الحركة والتنظير والتجنيد والنشاط....وحددت في حينه أهدافاً إستراتيجية لهذا الغرض وفي مقدمتها ضرب م.ت.ف وتقديم بديل لها...وفي هذه المحصلة النهائية نجد بأن إسرائيل قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من تحقيق إستراتجياتها بهذا الخصوص..لهذا لم يكن غريباً أن تتقاطع الجهتان في البحث عن كل ما يقوض ويدمر وجود م.ت.ف وتأثيرها و يشطب علاقاتها بالقضية الفلسطينية.... وقد تمكن الزعيم الراحل أبو عمار من السير في حقول الألغام الداخلية والإقليمية والدولية والحفاظ على البوصلة الوطنية حتى استشهاده لكن العقل الإسرائيلي ظل يراهن على تحقيق أهدافه المرسومة فكان الإنسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة والذي وفر بيئة مناسبة للبعض للإدعاء بأن إسرائيل انسحبت من هناك فقط تحت ضغط ضربات المقاومة بعد أن تيقنت إسرائيل من حرمان السلطة الوطنية من الفوز بهذا السبق علماً بأن الإنسحاب في كثير من مراحله تم بالتنسيق مع السلطة الوطنية وتم استغلاله بصورة انتهازية مكشوفة تحديداً من قبل حماس لتطوير قدراتها العسكرية تحت سمع ونظر السلطة وصولاً إلى الإنقلاب الدموي في حزيران 2007 الذي تم بشكل أو بآخر بمباركة إسرائيلية بغض النظر عن مواقف الجهات الأخرى الأقليمية والدولية التي رأت فيما حدث فرصة كبيرة لشطب القضية الفلسطينية أو في أفضل الحالات إهمالها ووضعها في الثلاجة وفي الوقت الذي كانت حماس تتهم السلطة وفتح بأنها مدعومة إسرائيلياُ وأمريكياً تم الإنقلاب الأسود ولو كان ذلك صحيحاً ... كان يكفي أن تحلق طائرة هيلوكبتر إسرائيلية واحدة في سماء قطاع غزة لمنع الإنقلاب ...ولكن كما أسلفنا فإن إنقلاب حماس على الشرعية الفلسطينية يمثل مصلحة إسرائيلية بحته فقد حصل ما حصل والآن إسرائيل تحللل من كل الالتزامات السابقة والموقعة مع م.ت.ف بصور أو بأخرى وتعزف سيمفونية مزدوجة أن لا شريك فلسطيني للسلام وأن حركة حماس إرهابية وأنه في ظل الإنقسام الفلسطيني لا يمكن إنجاز عملية السلام.. واستكمالا لهذا المسلسل والمخطط القديم الجديد تتعالى الأصوات الإسرائيلية المرحبة بسيطرة حماس على الضفة وتكرار النسخة الغزاوية للإنقلاب الدموي وإن كانت بأشكال وسيناريوهات أخرى على إعتبار أنها الضربة القاضية للمشروع الوطني الفلسطيني وتؤسس لإحياء الخيار الأردني في الضفة وضم غزة إلى مصر وكذلك سينهي العملية التفاوضية الزائفة والخطيرة على حد قولهم ويشبه الكاتب الإسرائيلي (غي باخور) دخول إسرائيل في إتفاقية أوسلو مثل شخص يفتقد للمسؤلية يدخل رأسه إلى فم الذئب..ويعيب على حركة فتح حرصها على عدم فرض إرادتها وسطوتها على باقي الفصائل ولكنه أيضاً يشير إلى قدرة فتح وإجادتها الإختفاء وراء الإبهام (أوسلو) ويؤكد على ضرورة الإنتهاء من هذا الوضع..وحينذاك سيذهب كل في طريقه /حماس لا تمتلك الشرعية / وهي مقاطعة من قبل العالم بما فيه العرب/ وتبقى المستوطنات/ وتعيش حماس وإسرائيل ظهر لظهر كما هو حاصل بعد الإنقلاب الأسود في غزة... وليس بعيداً عن هذا التفكير والتوجه تسعى عناصر وامتدادات حماس في الضفة الغربية لامتلاك أكبر كمية من السلاح والعتاد /وتجنيد الخلايا النائمة / واختراق الأجهزة الأمنية / وتأليب الرأي العام على السلطة / وتدفع من الأموال الغزيرة التي بحوزتها ما تعجز عنه موازنات كبيرة لتحقيق هذا الغرض / ولا شك أن الحملات الإعلامية والسياسية الموجهة وما يقوم به جهاز الدعوة المركزي لحماس من عملية تشكيك وسحب الشرعية عن مكونات السلطة بالتخوين والتكفير والتعهير ومحاولة ضرب الأساس القانوني والدستوري لوجودها يأتي في ذاك السياق ... لذلك فإن الأصوات الإتكالية والتي تقول بأن إسرائيل لن تسمح للإنقلابيين بالسيطرة على الضفة ليست أكثر من هراء ومن يراهن على عقل مسؤول وطنياً عند حركة الإنقلاب فهو مخطيء فالتجربة الغزاوية أكبر برهان ...ولكن الخيار الأوحد الذي يحمي الوطن المواطن والقضية هو العمل والاستعداد لمواجهة الخيار الأسوأ ليس هذا فحسب بل تجنيد كل جهد ممكن لمبادرات وقائية وإستباقية تحد من خطورة ما تخفيه الأيام القادمة...ولا يجوز التعويل على الحوار بأنه مفتاح الحل لكل القضايا ومن غير المعقول أن تكب القربه إذا رايت السحاب .