كيف ستحكم حماس؟ وما هي تشكيلة الحكومة الفلسطينيةالجديدة المقبلة؟ هذان السؤالان يترددان بكثير من القلق هذه الايام ليس في الداخل الفلسطيني فحسب، وانما علي مختلف الاصعدة الاقليمية والدولية. وفي الوقت الذي تحتضن فيه العديد من الدول ومن بينها روسيا حركة حماس وتدعوها لزيارتها والتحاور معها، فان الحركة تواجه سيلا من محاولات التشكيك حول قدرتها علي الاحتفاظ بالسلطة ولا سيما في ظل التباعد الشديد في الآراء والمواقف بين حماس من جهة واسرائيل والولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي من جهة اخري. وقد بدأت حماس بالفعل اتصالات علي كل المستويات لتأمين الانتقال الي مقاعد السلطة وتجاوز اختبار بالغ الصعوبة لاول حركة اسلامية بالعالم العربي تجد نفسها فجأة وقد تحولت الي موقع المسئولية. لهذا يبدو الخيار الاول امام حماس هو اللجوء الي تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم مختلف الاطياف السياسية. وفي هذا الصدد يقول احد قياديي حماس ان الاولوية ستكون لتشكيل ائتلاف مع فتح، ثم اللجوء لباقي القوائم والفصائل الاخري، مشيرا الي ان حماس لا تريد التحول الي حكومة "الحزب الواحد". كما تحدث القيادي عن امكانية تشكيل الحكومة بشكل منفرد في ضوء الرفض المعلن من جانب فتح للانضمام لائتلاف تترأسه حماس، وفي ظل عمليات شد وجذب مع قوائم اخري ربما تسعي الي استحياء للدخول في السلطة. ومن جانبهم يري مسئولون بالسلطة الوطنية المنتهية ولايتها ان فتح قد تشارك في حكومة وحدة وطنية بشرط اتفاق البرامج، مشيرين الي ان برنامج حماس يختلف كثيرا عن باقي القوائم وعلي رأسها فتح. وشددوا علي ان مصلحة الشعب الفلسطيني فوق اي اعتبار، وقالوا في الوقت نفسه انه لابد من احترام الخيار الديمقراطي والقبول بقواعد اللعبة الانتخابية. واشاروا الي ان فتح خاضت الانتخابات علي اساس اتفاقيات اوسلو وخارطة الطريق التي لا تعترف بها حماس. وقال احد هؤلاء المسئولين ان فتح لا تمانع في الدخول باي ائتلاف من مصلحة الشعب الفلسطيني، لكنه اشار الي ان الوصول لبرامج مشتركة يبدو امرا صعبا للغاية علي حد تعبيره. وفي نفس الوقت تبدو القوائم الاخري التي حصلت علي عدد قليل من مقاعد المجلس التشريعي اكثر تخوفا من الدخول في شراكة مع حماس. وفي هذار الاطار تري ممثلة قائمة الطريق الثالث حنان عشراوي ان هناك تناقضات جوهرية لا تسمح بقيام هذا النوع من التحالف الذي قالت ان تحوله الي حقيقة يبدو صعبا في الوقت الحالي. واتفقت عشراوي مع ما ذهب اليه مسئولو السلطة المنتهية ولايتها بشأن ضرورة وجود برنامج موحد يحدد طريقة التعامل مع مختلف القضايا والاشكاليات المطروحة، وتساءلت كيف يمكن للمتناقضات ان تجتمع؟ ومن جانبه نفي ممثل قائمة فلسطين المستقلة مصطفي البرغوثي دعوته للمشاركة في ائتلاف حكومي برئاسة حماس، مشددا علي اهمية تكريس التجربة الديمقراطية لمصلحة الشعب الفلسطيني. كما اشار البرغوثي الي ضرورة الاستفادة من حقيقة مهمة هي ان "الانتخابات لم تجر حتي يتم الانتقال من حكومة حزب واحد الي حكومة حزب واحد آخر". كما دعا البرغوثي الي ايجاد آلية تجمع الفصائل بعمل جماعي موحد يأخذ في الاعتبار نتائج الانتخابات من خلال قيادة موحدة، وطالب حماس بضمان الحفاظ علي العملية الديمقراطية والانتخابات في المراحل المقبلة، قائلا ان هناك اطرافا خارجية تريد ان تدمر الشعب الفلسطيني. وشدد البرغوثي ايضا علي ضرورة الاخذ في الاعتبار عند تشكيل الحكومة المقبلة التغيير الذي حدث بالبنيان السياسي الداخلي وتحول فتح الي صفوف المعارضة والاقلية. ويري مراقبون ان معظم الدلائل تشير الي ان حماس ماضية في طريق تشكيل حكومة منفردة لكنها تبقي في الوقت نفسه اسيرة التعاون مع فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية من خلال الرئيس محمود عباس، فضلا عن الاجهزة الامنية بمختلف عناصرها. كما يتوقع ان تلجأ حماس الي وزراء من تيارات مختلفة، ممن يعرفون بوزراء "التكنوقراط" لادارة شئون الدولة وتسيير امورها اليومية، اما المناصب السيادية فتبقي الحركة ممسكة بخيوطها بشكل شديد الإحكام. ويبقي السيناريو البديل لكل ما سبق ان تواجه سلطة حماس صعوبات متزايدة، كما يتوقع مسئولون في فتح حيث تصبح الانتخابات المبكرة في هذه الحالة خيارا مطروحا ضمن عدة خيارات اقلها التعامل مع احتلال قد يصبح اكثر شراسة. وعلي الجانب الاسرائيلي اقرت إسرائيل بانها فشلت في تجنيد المجتمع الدولي ضد حركة حماس، وتسود حالة من القلق والتوتر لدي الحكومة الاسرائيلية بسبب احتضان العديد من الدول العالمية والعربية لحركة حماس ودعوتها للاجتماع بها مثل روسيا. وقالت مصادر اسرائيلية: ننظر ببالغ القلق للموقف الدولي المتصدع والمتغير تجاه حركة حماس لذلك قررت الحكومة الإسرائيلية التخفيف من موقفها الرافض لحركة حماس وعدم التدخل علنا في مواقف دول العالم تجاه الحركة، وذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية نقلا عن مصدر إسرائيلي رفيع المستوي ان المحاولات الإسرائيلية لتجنيد موقف عالمي ضد حماس قد فشلت وقالت الصحيفة نقلا عن مصدرها: لكل دولة مصالحها الخاصة وهي ليست متفقة بالضرورة مع مصالح إسرائيل فوجهة النظر الروسية التي تدعو الي الحوار مع حماس باتت تتبناه الكثير من الدول العالمية، والناس لا يعرفون كيف يواجهون حماس ويتخوفون من التوجه المتشدد الذي تقوده إسرائيل وامريكا. وبحسب مصادر اخري فان إسرائيل تسعي لكي تقوم الولاياتالمتحدة بدور التأثير علي المجتمع الدولي لمقاطعة حركة حماس بدلا منها وذلك بسبب التأثير الامريكي الكبير علي المجتمع الدولي والذي يزيد تأثيره عن إسرائيل. وذكرت مصادر إسرائيلية ان الولاياتالمتحدة وافقت علي لعب مثل هذا الدور وبدأت مباشرة التدخل لدي روسيا من اجل اقناعها بان تقوم خلال لقائها مع قادة حماس باقناعهم بالاعتراف بإسرائيل واهمية ذلك بالنسبة للحركة ، وقالت صحف إسرائيلية ان روسيا وعدت واشنطن بعدم تغيير موقفها من حركة حماس. وتقول الصحف ان هناك انقسامات في المجتمع الإسرائيلي حول تمكن إسرائيل في المستقبل القريب من تنفيذ انسحابات اخري، ويبدو ان ايهود اولمرت القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كان في السابق يؤيد الانسحاب من غالبية مناطق الضفة الغربية، ويبدي الآن حذرا مفرطا في هذه القضية، فكل منطقة سيتم اخلاؤها ستقع فورا في يد دولة حماس. ويري محللون ان وضع السلطة الفلسطينية هو وضع ملتبس بين الدولة المستقلة والدولة او المنطقة الواقعة تحت الاحتلال، والنتيجة انها حكم ذاتي تحت الاحتلال، ولكن ليس حكما ذاتيا يقبل وضعه ويتعاش معه، بل يصارع من اجل الخروج الي افق الدولة والاستقلال وتحرير ما تبقي من ارضه. واشار المحللون الي ان وضع السلطة الفلسطينية يزداد صعوبة، فالاحتلال الإسرائيلي يتحكم بمداخلها ومخارجها، ويتحكم بمائها وكهربائها وحركة افرادها.. ويتحكم ايضا وهذا الاخطر في نواحيها الامنية ويدخل مناطقها وقتما يشاء ويعتقل ويقتل علي النحو الذي يريده. فكيف ستواجه حماس وهي في السلطة هذه الاوضاع؟ وكيف ستتعامل معها؟ فهذا هو الاختبار الحقيقي امام السلطة الوطنية الجديدة المنتخبة. وستواجه حماس مشكلتين اساسيتين تتعلق اولاهما باصلاح اوضاع السلطة، اجهزة امنية ومؤسسات، وتتعلق الثانية بالمقاومة والتفاوض. فكيف ستتصرف حماس حيال هاتين المشكلتين؟ ويعتقد المحللون انه بالنسبة للمشكلة الاولي وهي شديدة التعقيد فيمكن القول ان ما سيزيدها تعقيدا هو سلوك حركة فتح التي لن تألو جهدا في السعي الي افشال التجربة بكل الوسائل الممكنة المشروعة وغير المشروعة. وسيكون عماد تحركها هو العمل علي استمرار السيطرة علي مفاصل السلطة، وعدم السماح لحماس باحداث تغيير جوهري فيها، مما يعني ان غنمها سيكون لفتح، اما غرمها امام الناس فعلي حماس. انها تلك المعادلة التي ستشتغل بها فتح مع الاسف، وتتمثل في منح حماس الحكومة مفرغة من مضمونها، ما يذكر بمقولة لعبدالوهاب الآنسي، احد قيادات التجمع اليمني للاصلاح الاسلامي في اليمن الذي شغل منصب رئيس الوزراء في حكومة التحالف مع حزب المؤتمر الحاكم خلال التسعينيات، حيث قال: شاركتنا في الحكومة ولم نشارك في السلطة. ومن المؤكد ان محاولة حماس احداث تغيير سريع في الوضع قد تواجه بردة فعل عنيفة من قبل فتح، وقد تفضي الي انقلاب علي شاكلة الانقلاب الجزائري، مباشرة او من خلال الاحتجاج بتضارب الصلاحيات مع الرئيس المنتخب، وهو قائد فتح عمليا. وهذا الامر قد يفضي الي حل البرلمان واعلان حالة الطوارئ استنادا الي حساسية الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. وهذا الامر قد يفضي الي حل البرلمان واعلان حالة الطوارئ استنادا الي حساسية الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني. ولمواجهة هذا الموقف المعقد، وفي ظل صعوبة المواجهة مع حركة فتح وكلفتها الباهظة علي الشعب الفلسطيني، فان علي حماس ان تفكر، وهي قد تفعل ذلك، بحكومة تكنوقراط يرأسها شخص مستقل مشهود له بالنزاهة تكون مهمتها معالجة الاوضاع الداخلية امنيا ومؤسسيا من اجل تخفيف اعباء الحياة علي الشعب الفلسطيني. واذا قيل ان الخارج الامريكي والاوروبي لن يقدم للفلسطينيين مساعدات، فان علي حماس ان تلجأ الي الدول العربية وإلي الشارع العربي والاسلامي برمته تحت شعار "ساعدوا الفلسطينيين في مواجهة من يريدون إذلالهم". وبوسع مثل هذه الحكومة ان تبادر الي اصلاحات تخفف اعباء الحياة علي الفلسطينيين، في ذات الوقت الذي تساعدهم فيه علي مواجهة الضغوط الاسرائيلية والدولية، ومن ثم اعباء المقاومة عندما يكون الخيار هو استمرارها بعد انتهاء التهدئة بتوافق وطني. وبالنسبة للمسألة الثانية التي ستواجه حماس وهي مسألة المفاوضات والمقاومة، فيمكن القول ان هذه المشكلة ليست بالغة التعقيد اذا ما نجحت الحركة في التعامل مع المشكلة الاولي، واذا ما احسنت ترتيب اوراقها علي النحو المطلوب. وما يجب ان يقال ابتداء هو ان ما سيسهل التعاطي مع هذا الملف هو ان ازمة التسوية لم تكن يوما ازمة الفلسطينيين، وانما ازمة الإسرائيليين الذين لا يريدون منح الفلسطينيين شيئا يذكر. ونتذكر مقولة ياسر عرفات انه لم يكن يطلب المستحيل وانما دولة علي الاراضي المحتلة عام 67 بما فيها القدس، في حين كان بوسعه التجاوز عن مسألة اللاجئين، ولكن الاسرائيليين لم يحتملوا مطالبه. وضمن هذه الرؤية يري هذا الفريق من المحللين ان علي حماس ان تتعامل مع هذا الملف، اذ يجب الحذر من استدراجها الي مقولات الاعتراف بالدولة العبرية التي يرددها قادة الغرب والشرق، اذ إن الاسرائيليين هم الذين يجب ان يعترفوا بالحقوق الفلسطينيية، وينفذوا قرارات ما يسمي الشرعية الدولية، وحين يفعلون ذلك يكون لكل حادث حديث. فينبغي ان تتردد هذه المقولة علي ألسنة المتحدثين باسم حماس، اذ لا رد علي مقولات الموقف السياسي غير المطالبة بتنفيذ الإسرائيليين لمطلب الانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس وعودة اللاجئين والافراج عن الاسري، وبعد ذلك لكل حادث حديث. فليس ثمة ما يمكن التفاوض عليه او الحديث بشأنه، ولا ينبغي ان تكرر حماس اخطاء فتح، اذ إن القرارات الدولية واضحة، فتتفضل اسرائيل بتنفيذها وبعد ذلك لكل حادث حديث، ولا اعتراف بخريطة الطريق ولا بأي شيء آخر ينتقص من حقوق الفلسطينيين التي يعترف بها العالم. ويمكن بالطبع حل هذه الاشكالية عبر جملة من الخطوات اذا كان لابد من عملية سياسية تتواصل، فمن جهة يمكن استعادة الحديث عن احالة مرجعية التفاوض لمنظمة التحرير، ولكن بعد تشكيلها علي اسس جديدة تأخذ في الاعتبار توزيع القوي في الساحة الفلسطينية خلال السنوات الاخيرة. ويمكن ايضا تشكيل لجنة وطنية من رموز فلسطينية من الداخل والخارج تأخذ علي عاتقها ادارة العملية السياسية ضمن مرجعية وطنية عنوانها دحر الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة واعادة اللاجئين والافراج عن المعتقلين. اما مسألة الاعتراف من عدمه فلا ينبغي الخوض فيها في الوقت الحاضر اذ انها ليست ضرورية في كل الاحوال، وطالما شاركت في الحكومات الإسرائيلية احزابا لا تعترف بشيء اسمه الشعب الفلسطيني، فلماذا يراد من حماس ان تعترف باحتلال اليهود لما نسبته 78% من ارض فلسطين التاريخية؟ ونتذكر ان حزب الله قد حقق الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني من دون قيد او شرط. ويتبع هذا الملف بالطبع ملف المقاومة، وهنا لابد من توفير اجماع وطني علي برنامج المقاومة بشعار مرحلي عنوانه دحر الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة من دون قيد او شرط، بصرف النظر عن السلوك الاسرائيلي المقابل، وعما اذا كان سيمضي في الاتجاه الذي احتطه شارون وتبناه خلفه اولمرت، اي الانسحاب احادي الجانب من الضفة الغربية وحشرله بقبة الفلسطينيين في تجمعاتهم السكانية شرق الجدار. وهنا لا ينبغي ان تكرر حماس خطأ السلطة بقبول تنسيق الانسحاب مع الإسرائيليين كما حدث في قطاع غزة، الامر الذي تركه رهينة بيد الإسرائيليين بل يجب ان ترفض ذلك وتعلن استمرار المقاومة بكل الوسائل المتاحة، سلميا وعسكريا. وتتخوف مصادر غربية من ان تقوم حركة حماس بعد توليها رسميا مقاليد السلطة بتطبيق الشريعة الاسلامية في الاراضي الفلسطينية بشكل قد يحولها الي طالبان اخري، وتتساءل مجلة تايم الامريكية الي اي مدي ستذهب حماس في تطبيق شعارتها الاسلامية علي ارض الواقع؟ وهل ستتجه الي وجهة اكثر اعتدالا في هذا الصدد وهي تحكم ما يقرب من اربعة ملايين فلسطيني؟ ام ستستخدم القوة والسلطة لفرض معتقداتها؟ وتقول التايم ان قادة حماس اعربوا عن رغبتهم في امتداد القوانين الاسلامية والمقصورة حتي الآن علي مسائل الاحوال الشخصية والنزاعات الاسرية لتشمل مجالات اخري مثل الجرائم والجنايات. ونقلت التايم عن محمود الخطيب - 34 عاما- وهو اصغر نائب ينتمي لحماس وفاز في الانتخابات التشريعية الاخيرة قوله بصفة عامة ينبغي ان يتم تطبيق الشريعة الاسلامية علي جميع جوانب الحياة وانشطتها المختلفة، ولكن هناك ظروفا وملابسات تحول دون تحقيق ذلك في وقت قصير، ولكننا سنبدأ في تنفيذ هذا الامر تدريجيا وفقا لاستعداد المواطنين لتقبله وسيستغرق ذلك وقتا ولن يتم بين يوم وليلة.