حوادث إطلاق الصواريخ ليست مبررا لإطلاق حروب إقليمية جديدة, ولكنها في الوقت نفسه مصدر قلق وانتباه لكل الراغبين في الاستقرار الإقليمي. فالحروب عملية عبثية اختبر الشرق الأوسط كل أشكالها, وثبت لكل الأطراف المشتركة فيها أنها لا فائدة من ورائها ولذلك فكل الأصوات الزاعقة في البرية والمهددة بالحروب وعظيم الأمور يجب اعتبارها أصواتا خائفة من الحروب أكثر من غيرها, ولذلك تسارع بالتهديد واحتلال الشاشات لتثير الزوابع والمخاوف من الحروب قبل أن تقع. هؤلاء المهددون بالحروب أصوات تدعو للشفقة والرثاء, وليس لتعظيم الدور أو المكانة, سواء جاءت هذه الأهداف من إسرائيل أو إيران أو عملاء إيران الإقليميين( في حماس وحزب الله) فهي أصوات ضعيفة يجب تفنيد دعواها وليس استمرارها في إيجاد المشكلات وتبديد فرص الاستقرار, فهي تخلق مناخا لا يساعد علي الحلول, بل قد تمهد الأرض للمتطرفين أو للمنظمات الإرهابية بالعودة لممارسة أدوارها الرخيصة. إسرائيل أمامها حروبها الأخيرة في غزة2009 ومن قبل لبنان2006 فلقد خرجت منها بجرائم حرب كبري ودمار لا مثيل له, ولم تحل شيئا لها, بل أضاعت فرصا علي الإقليم ليخرج من أزماته ويضع حلولا لها يستفيد منها الجميع. وليس معني ذلك أن نطلق للمتطرفين الإرهابيين من الجانب العربي إثارة الحروب والاشتباكات, فالدمار والخراب في غزة ولبنان دفع ثمنه المواطن العادي, بينما المنظمات والتيارات التي صنعته حققت المكاسب السياسية والاقتصادية.. فهؤلاء تجار الحروب وصناعها في الوقت نفسه هم الميليشيات التي تتكسب من الحرب وتبعاتها. وعلي الأغلبية الصامتة المستفيدة من الاستقرار أن تخرج من صمتها لتقول لصناع الحروب والمتطرفين في كل مكان: قفوا مكانكم فقد انتهي زمانكم ولن تحققوا شيئا. وعلي أصحاب المصلحة في السلام الإقليمي ووقف الحروب والعمليات العسكرية العبثية أن يخرجوا عن صمتهم وسلوكهم اللامبالي أو الصامت أو الانتهازي, ليتحركوا ويشكلوا رأيا عاما يقف ضد صناع الحرب والتطرف. .......................................... فاللحظة الراهنة في الشرق الأوسط في مفترق طرق, فإما أن نسلم القيادة للذين عرفوا طريق النصر حربا وسلاما ونسير معهم لاستخلاص حقوق الشعب الفلسطيني, أو نسلم القيادة للمتطرفين اليمينيين سواء في إسرائيل أو مؤيديهم في المنطقة, وهي كل التنظيمات التي تدعي أنها دينية وتستخلص شعاراتها من الفلسفة الإيرانية بأنها قوة المقاومة, لكنها في حقيقة الأمر القوة التي تقف ضد تغيير المنطقة واستمرار محاصرة إسرائيل حتي تسلم بحقوق الفلسطينيين, فالوضع علي الأرض لا يسمح إلا بمقاومة خاصة جدا هي التي يمثلها فريق الحكم في الضفة الغربية بوضوح شديد.. مقاومة عبر بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية, ورفع مستوي معيشة الفلسطينيين وتدريبهم علي الخروج من الفقر والشتات وصناعة مجتمع صناعي ومتفوق في الضفة الغربية يقول للكافة: نحن الفلسطينيون علي الأرض ونستحق دولة, كما نستحق تكريم المجتمع الدولي ونستحق احترام العالم, فقد حافظنا علي الهوية الفلسطينية ونبني مؤسسات للدولة قادرة علي الصمود في وجه إسرائيل وضرب المعتدي في كل مكان. ....................................................................... أما ما يحدث في غزة فهو الهزيمة بعينها, فلقد استأسدت جماعة حماس علي الفلسطينيين وقمعت حريتهم وحاصرتهم في قطاع غزة ولم ولن تسمح لهم حتي بالحج أو زيارة بيت الله الحرام. حماس لا تقاوم ولا تفاوض ولا تعمل.. بل تركت جماعات خاصة تنهب البلد وتستولي علي أموال التبرعات للفلسطينيين في غزة, وحماس تقف ضد إعادة تعميرها, بل تقف عمليا مع الحصار الإسرائيلي لأنه يحقق مصالح جماعتها المسيطرة علي الحكم. حماس تقف أيضا ضد الوحدة الوطنية الفلسطينية, لأنها تعرف أن الشارع الفلسطيني اكتشف خدعتها الكبري. وما لا تعرفه حماس ويجب أن تعرفه هو أنه ليست هناك دولة حتي الآن في فلسطين.. وأن كل ما هنالك هو سلطة فلسطينية تحت الاحتلال.. وهذه تفرض عليها لغة مختلفة وأساليب تعامل سياسي مختلف, وأبرزها التطهير السياسي والعمل بكل عقلانية لمواجهة المحتل, وأهم عنصر في تحقيق ذلك هو منع تدخل الغير في الشأن الفلسطيني إلا بما يحقق المصلحة, وينصر الدولة.. والتدخلات الإيرانية كلها معيبة وتصب في اتجاه رهن القضية الفلسطينية حتي ينتهي ملفها النووي مع الغرب وأمريكا..وأن تأخير المصالحة والوحدة الوطنية يقف ضد مصالح الفلسطينيين جميعا, بل يؤثر علي مستقبل دولتهم. ....................................................................... أما اللعبة الجديدة وهي السماح للجماعات الخارجة بإطلاق صواريخ من الأراضي المصرية علي إيلات والعقبة فلن تنطلي علي أحد وتشكل جريمة كبري ستجعل مصر بالتأكيد تغير طريقة تعاملها مع حماس في قطاع غزة. فمصر حتي الآن تتعامل مع حماس علي أنها فصيل فلسطيني يمثل حركة تحرر الشعب الفلسطيني كله, وأن من حقه أن يستخدم الدين لحشد الفلسطينيين وراء تكوين دولة, ولكنه ليس من حقه أن يورط مصر في صراع عسكري جديد مع إسرائيل, وليس من حقه أن يخون المباديء أو يخرج علي الخطوط الحمراء المتفق عليها والمعروفة سلفا. مصر ساعدت حماس علي الصمود وساعدتها علي المقاومة ووقف الحرب.. ومصر ساعدت الفلسطينيين وسلطة حماس علي أن يكون تأثير الحصار الإسرائيلي علي غزة في أضيق نطاق, وألا يؤثر علي حياة المواطن الفلسطيني العادي, وفتحت معبر رفح بالمخالفة للقواعد المنظمة لفتحه لمقاومة الحصار الإسرائيلي لغزة, ولإعلان أنها لن توافق علي تجويع الفلسطينيين. ولكن ما تلجأ إليه حماس الآن خطير, وتداعياته علي مستقبل العلاقات الشعبية بين مصر والفلسطينيين أشد خطورة, ويجب أن تعرف حماس والمنظمات الداخلة معها في تحالف أنها تجاوزت كل الأصول والأعراف وحان وقت الحساب, وسيكون عسيرا. ....................................................................... الوضع الإقليمي محزن فإيران تفقد أعصابها, والوضع الداخلي فيها ضاغط, ولا يمكن إنكار تأثير العقوبات الدولية عليها, والصورة الراهنة هي أن ما يحدث في إيران ينعكس علي الدول العربية التي تتعرض للأزمات, فإيران تعتبر فلسطين ولبنان والعراق خط الدفاع الأول لمعركتها مع الغرب وأمريكا. ....................................................................... والمؤشرات تقول إن إسرائيل تدفع إلي تأزيم الموقف العربي علي كل الجبهات لتهرب من دفع استحقاقات السلام للفلسطينيين بش حرب إقليمية واسعة أو حرب ضد إيران وتدفع الأمور انتظارا إلي خريف صعب يواجه القضية الفلسطينية, فالأشهر العشرة لانتهاء المهلة الماضية بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلةالفلسطينية تنتهي في9/26 القادم. واليمين الإسرائيلي والمتطرفون يستعدون لإعادة الزخم بقوة إلي عملية الاستيطان وتعويض فترة التجميد, ويجب أن نشير إلي أن العمليات العسكرية الأخيرة ما هي إلا عمليات جس نبض من كل الأطراف, فصواريخ جراد التي أطلقت تمت بواسطة التنظيمات الصغيرة التي تحتضنها حماس وردت إسرائيل باغتيال أحد قيادات القسام المهمين فظهر لحماس أن هناك رغبة إسرائيلية جامحة باستمرار الرد والعمل وفقا لقواعد اللعبة الدائرة بين الطرفين منذ الحرب وحتي الآن. حماس كانت لديها رغبة لتقول نحن مازلنا هنا ونحتاج لنشترك في حركة المفاوضات الدائرة ويجب الانتباه لها, وإسرائيل مصممة علي أن تستمر حماس في سياستها, بل إنها تعلن انها لم تعد حركة مقاومة بل حركة ضبط للأمن الإسرائيلي في قطاع غزة, ولذلك لجأت حماس إلي لعبة رخيصة.. هي لعبة المقاولات من الباطن بالتعاون مع تنظيمات جيش الإسلام وجيش الأمة أو جند الله, وهي التنظيمات التي قتلت في العام الماضي زعيمها في مسجد ابن تيمية ثم عادت واحتوتها, هذه التنظيمات هي التي أطلقت الصواريخ لتحقيق هدف حماس دون أن تحملها إسرائيل ثمن هذه العملية, ومن المعروف أن هذه المنطقة تشهد تشكيل لوبي من المهربين علي جوانب الحدود المصرية والفلسطينية والإسرائيلية, استغل الأموال الإيرانية والعلاقات القبلية والمثلث البدوي بين رفح الفلسطينية وبعض البدو علي الجانبين من الذين ارتزقوا من تشكيلات التهريب, وهؤلاء جميعا كانوا وراء عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة لإثبات الوجود والإفلات من أي رد فعل انتقامي من إسرائيل, خاصة أن كل الملابسات كشفت في الفترة الماضية أن حماس والفصائل المتعاونة معها لا تملك القدرة علي تحمل الانتهاكات الإسرائيلية ضد قيادتها, وهذه العمليات لا يمكن توصيفها بأي حال من الأحوال بأنها عمليات مقاومة بقدر ما أنها عمليات سياسية تهدف إلي توتير العلاقات بين مصر وإسرائيل وجرها إلي الصراع. واستمرار توجيه رسالة سياسية بمعارضة مسار المفاوضات وإثبات الذات, والسعي إلي الاعتراف أو المشاركة, خاصة أنها تواجه في الفترة الأخيرة تجاهلا من المجتمع الدولي تمثل عند زيارة وزراء الاتحاد الأوروبي لغزة حيث تجاهلوا حماس ولم يقابلوا أحدا من سلطتها. أما الحادث الآخر والذي شهدته الجبهة اللبنانية فهو يكشف بوضوح كامل وطنية الجيش اللبناني فلقد استطاع أن يكسر حاجز إدعاء حركة حزب الله أنها صاحب توكيل المقاومة في الجنوب اللبناني. ويجب هنا أن نرسل تحية احترام وتقدير للجيش اللبناني علي تصديه للعدوانية الإسرائيلية, ودلالات الحادث والعملية تكشف عن قدرة الجيش ووطنيته, بل إنها تشير إلي أن حزب الله نفسه هو الذي منع الجيش طوال سنوات من1983 إلي2006 من واجبه, في أن يلعب الدور الطبيعي والمسئول للدفاع عن حدود لبنان. فحزب الله هو الذي سعي لاحتكار المقاومة وتحويل لبنان إلي دولة ميليشيات يحكمها أمراء الحرب والمرتبطين بأجندات إقليمية ودولية, وجاءت حرب2006 لتكشف وتعري حزب الله ثم تدمير لبنان واختبأ الحزب لينجو بسلاحه, لكي يستخدمه داخليا لإخضاع الشعب اللبناني لتوجهات إقليمية معيبة وقد أثبت الحادث الأخير قدرة الجيش وكشف آلاعيب الميليشيات والأحزاب الدينية وحزب الله أمام الشعب اللبناني والشارع العربي. فحزب الله منذ الحرب لم يطلق رصاصة واحدة أو صاروخا بل سارع بنفي إطلاق الكاتيوشا في لبنان خلال حرب غزة في2009, لأنه لم يحصل علي الإذن بالقتال من إيران وترك غزة تواجه مصيرها وحدها بعد أن دفعها لهذه المغامرة الخاسرة. ....................................................................... ما نريد أن نقوله ببساطة إنه علي القوة المسنودة إيرانيا أن تعرف أنه عند المعركة لن تكون إيران معها وستتركها لمصيرها وحدها. وما نريده أن نشير إليه أيضا هو أن المفاوضات الجديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ليست لعبة مضمونة النتائج, فالفلسطينيون بالفعل يواجهون اختبارا. ولنا كلنا رغبة أكيدة أن تنجح المفاوضات المباشرة, وأن ينجح محمود عباس في تحاشي الضغوط الضخمة التي تقع علي كتفه وحده, وأن تكون هناك مساعدة عربية حقيقية, حتي لا نتركه إذا ذهب للمفاوضات أو ندينه إذا لم يذهب تحت ضغط المجتمع الدولي. المفاوضات لها أوجه عديدة, وهدفنا هو إقامة الدولة ويجب ألا نحيد عنه, ولكن لنا هدف آخر وهو سحب المبادأة من يد نيتانياهو وهو ليس سهلا أو هينا, وكذلك في وقف حركة الاستيطان هدف أساسي وكبير, ليبقي الأمل موجودا لدي الفلسطينيين. وعلينا أن نوقف زخم اليمين الإسرائيلي داخل الائتلاف الإسرائيلي في الحكومة الراهنة الذي اكتشف ضعف إدارة أوباما وقدرتها التأثيرية علي الموقف الإسرائيلي. واليمين يرفض تقديم التنازلات التي بدونها لن تنجح أي عملية تفاوض مباشر أو غير مباشر أو تحت أي مسمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين, ويجب ألا نترك الفلسطينيين وحدهم سواء في عملية التفاوض أو غيرها, ويجب أن ندعم الاتجاهات الراهنة التي يمثلها( عباس وفياض), حيث يمثلها الأول خارجيا, والثاني داخليا, فاستمرار الموقف السياسي القوي الذي يمثله عباس ومواجهته كل أشكال التطرف السياسي يعكس أن الرجل القوي هو الذي يصنع السلام, والثاني يمثله فياض في بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. والاستمرار علي هذا المنهج سيهزم أي يمين إسرائيلي أو ضعف أمريكي, ولكن تبقي نقطة الضعف الكبري في الموقف الفلسطيني وهي الانفصال بين فتح وحماس, وبين الضفة وغزة فهي وسيلة كبري لابتزاز الفلسطينيين وإهدار حقوقهم علي الصعيد الإسرائيلي لأنهم بهذا السلوك عالميا وإقليميا غير مؤهلين لدولة مستقلة. إن قوة الفلسطينيين في وحدتهم واستمراريتهم في تحدي السلام, كما أن بناء الدولة ومؤسساتها الداخلية يجعل الأمل باقيا ويهزم كل عناصر القوة والاستقواء الإسرائيلي والقهر العالمي.