بمجرد إذاعة أنباء صفقة الأسلحة الأكبر في تاريخ العلاقات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية والتي بموجبها سوف تشتري الثانية من الأولي طائرات حربية متطورة بما قيمته60 بليون دولار, حتي انهمرت الأسئلة عن مغزي هذه الصفقة, وقدرة السعودية علي استيعابها من جهة, وردود الفعل الإقليمية من دول مثل إسرائيل وإيران من جهة أخري. وقد عكست الأسئلة المطروحة حول الصفقة, نقصا واضحا في المعلومات, وقصورا في فهم الأوضاع الجيوبوليتيكية المحيطة بالمملكة, وتجاهلا لجهود الحكومة السعودية السابقة في إبرام صفقات مماثلة اتسمت بتنوع الأسلحة والمصادر, وسط ظروف عالمية متغيرة جعلت من منطقة الخليج مسرحا ساخنا للمواجهات الدولية والإقليمية لم يستقر منذ انتهاء الحرب الباردة حتي وقتنا الحالي. وكثيرا ما ينسي المحللون كنز النفط العالمي الموجود في السعودية, والذي يعتمد علي وجوده أمن كثير من الدول الصناعية الكبري واقتصادياتها, واحتمالات انهيارها لو وقع هذا الكنز تحت سيطرة قوي متطرفة أو معادية. وليست هي المرة الأولي التي تفاجئ فيها السعودية العالم بصفقات سلاح كبري كان بعضها مع دول غير غربية, ومثال ذلك مفاجأتها العالم في إبرام صفقة الصواريخ الباليستية متوسطة المدي مع الصين في مارس1988, ويصل مدي هذه الصواريخ إلي2000 كيلومتر, وتحمل رأسا تقليديا وزنها2000 كيلو جرام. وقد عقدت المملكة من قبل صفقات سلاح إستراتيجية مع المملكة المتحدة وغيرها من الدول الغربية كان من أهمها بناء شبكة دفاع جوي لحماية المملكة بمساحتها الشاسعة; حيث تمتلك السعودية شبكة رادار من أكثر الشبكات تقدما في العالم. وبرغم نفي السعودية ما قيل عن تعاونها مع باكستان في بناء القنبلة الذرية الباكستانية, إلا أنها علي الأقل كانت علي علم كاف بقدرات باكستان النووية والصاروخية الأمر الذي يعكس انتباه المملكة لما يجري حولها من قدرات إقليمية ودولية. نعود مرة أخري إلي صفقة الأسلحة الأمريكيةالجديدة والمتوقع أن تشتمل في المستقبل بجانب الطائرات المقاتلة الحديثة معدات بحرية متطورة ونظم دفاع صاروخية. وتنظر الولاياتالمتحدة لهذه الصفقة الضخمة غير المسبوقة في حجمها وتكلفتها ليس فقط من منظور تسليح دولة محورية مثل السعودية, ولكن أيضا من زاوية ايجاد مزيد من فرص العمل للأمريكيين بعد فترة الأزمة الاقتصادية العالمية, وانكماش الاقتصاد الأمريكي. ومن المتوقع أن تطرح الصفقة في سوق التوظيف نحو75000 فرصة عمل. وقد حان الوقت لدخول الصفقة إلي مراحلها التفصيلية حيث يتحمل مسئوليتها طرفا الصفقة; مثل وضع الخصائص الفنية والتكتيكية لنظم الدفاع المزمع شراؤها, وتأمين جوانب التمويل المالية والقانونية, والضمانات المتعلقة بأمان الصفقة واستقرارها, وتجنب أية مخاطر مستقبلية طبقا لبرامج زمنية متفق عليها. والإدارة الأمريكية في طريقها الآن إلي تقديم طلب إلي الكونجرس تطلب فيه الموافقة علي بيع84 طائرة مقاتلة من طراز إف-15 بعيدة المدي للمملكة العربية السعودية, وتطوير70 طائرة من نفس النوع تخدم بالفعل في السلاح الجوي السعودي, فضلا عن شراء178 طائرة هليكوبتر مقسمة إلي ثلاثة طرازات مختلفة تشمل70 طائرة أباتشيApache, و72 طائرة بلاك هوكBlackHawks, و36 طائرة لتل بيردLittleBird. وبمجرد عرض الطلب علي الكونجرس يبدأ فحصه بواسطة لجان الكونجرس المتخصصة حيث تبدأ مراجعة الشروط, وقد تنتهي هذه المراجعة إلي الموافقة علي الطلب أو رفضه, وهو شئ غير متوقع إلا إذا تدخلت قوي أخري وعلي رأسها المؤيدون لإسرائيل من أجل فرض شروط علي مكونات الصفقة من ناحية العدد, أو تغيير بعض الخصائص الفنية والتكتيكية للأسلحة المطلوب شراؤها. وبالإضافة إلي صفقة الطائرات المقاتلة, والطائرات الهليكوبتر, تبحث الإدارة الأمريكية رغبة سعودية في تطوير أسلحتها البحرية في حدود30 بليون دولار, وقد يشمل ذلك أسلحة ساحلية, وسفنا حربية, وصواريخ دفاعية باليستية مضادة للصواريخ مثل نظام ثادTHAAD, وأيضا تجديد نظام الباتريوتPatriot المضاد للصواريخ والموجود حاليا في القوات المسلحة السعودية. وكل ذلك يمثل انعكاسا مباشرا للتهديد الصاروخي الإيراني القريب جدا من الأراضي السعودية. وقد تم تصميم نظام ثاد علي أساس اعتراض الصواريخ الهجومية علي مسافات قصيرة ومتوسطة وداخل وخارج الغلاف الجوي, علي العكس من النظام باتريوت الذي يعترض الصواريخ المهاجمة علي مسافة لا تزيد علي15 كيلومترا من موقع الإطلاق. وتعتبر شركات السلاح من العناصر الرئيسية في مثل هذه الصفقات التاريخية الكبري, وتتفوق الولاياتالمتحدة علي دول العالم في حجم وقدرة شركاتها علي المستويين التكنولوجي والتجاري, حيث يولد في حضن هذه المؤسسات العملاقة تكنولوجيات بازغة وأفكار تخرج لأول مرة لدعم مفاهيم عملياتية جديدة تطبق لأول مرة. ومثال ذلك شركات بوينج ونورثروب ولوكهيد وجنرال إلكتريك وغيرها من الشركات التي أسهمت عبر التاريخ في بناء نظم دفاع مبتكرة لم تكن معروفة من قبل, مثل الطائرات الخفية الطائرة الشبح التي لا يمكن كشفها بالرادار, وكذلك الصواريخ الكروزCruiseMissiles التي تطير قريبة من سطح الأرض, وغير ذلك من نظم التحكم والسيطرة الآلية القادرة علي إنتاج الفعل ورد الفعل في زمن قصير جدا بعد أن كان من قبل يتحقق في زمن طويل. وتنوي المملكة السعودية شراء السلاح وما استجد معه من تكنولوجيات جديدة وأساليب عملياتية حديثة. وتمتلك المملكة بالفعل طائرات مقاتلة طراز إف-15, لكن ما سوف تشتريه من خلال الصفقة الجديدة يتميز بقدرات متطورة, وإمكانيات فنية, تمكن العسكريين من تحقيق التفوق علي الآخرين. وفي الواقع يجب ألا ننظر إلي الصفقة السعودية بوصفها' سعودية', لأن خبرة الماضي من عمليات عسكرية في منطقة الخليج قد أثبتت أن دولة كبيرة مثل السعودية لن تعمل وحدها في أية مواجهة عسكرية في المستقبل. ولذلك أصبح واجبا علي المملكة أن تنسق وتتكامل مع الآخرين بما في ذلك جيرانها المباشرون في المنطقة, مثل دول الخليج, ومصر, والأردن; وكذلك حلفاؤها من خارج المنطقة مثل الولاياتالمتحدة, وبريطانيا, وفرنسا, وباقي الدول الأوروبية المهتمة بأمن واستقرار منطقة الخليج والشرق الأوسط. وحاليا نري أن هذه الحزمة من الدول تتدرب معا بشكل دوري مثل تدريبات النجم الساطع الشهيرة, وغير ذلك من التدريبات الثنائية والثلاثية. بمعني أن تحقيق التجانس والتكامل التسليحي في منطقة الخليج أصبح أمرا ضروريا, ولن يتحقق ذلك إلا إذا حرص الجميع علي فهم واحترام الخصائص الفنية والعملياتية لأسلحة الدول الأخري, عندما يقررون شراء نظم سلاح جديدة. ومنذ سنوات التسعينيات, وبالتحديد منذ حرب الخليج الثانية1991 وما جاء بعدها من حروب, نتج عن ذلك نشاط عسكري غربي توسع في المنطقة, تعاونه قوي إقليمية من أجل تحقيق الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام. وقد طرحت الولاياتالمتحدة أكثر من فكرة تعاونية بين دول المنطقة, من بينها بناء شبكة مضادة للصواريخ استجابة للتهديد الصاروخي المتكرر الذي برز في حروب الخليج المتتالية, واحتمالات تجدد هذا التهديد من دول أخري مثل إيران, أو من جماعات عسكرية أخري منتشرة في فلسطينالمحتلة وفي لبنان. ونتيجة للشكوك المتبادلة بين دول المنطقة نفسها, وبينها وبين الولاياتالمتحدة, لم يتحقق بشكل ملموس إقامة شبكة من الصواريخ الدفاعية التي اقتصرت حتي الآن علي الولاياتالمتحدة وإسرائيل, حيث تشترك الدولتان في مناورات عسكرية في مجال الصواريخ الدفاعية الصواريخ المضادة للصواريخوهي مناورات فريدة من نوعها حيث تعمل معا الصواريخ الإسرائيلية الأرو والأمريكية الباتريوت وقد يضاف إليها الثاد في المستقبل مع نظم التحكم والسيطرة في الدولتين بما في ذلك الأقمار الصناعية الأمريكية والإسرائيلية, ونظم الرادار الأمريكية العملاقة التي انتقلت بشكل دائم إلي إسرائيل بأطقمها العسكرية والفنية حتي إشعار آخر. وهناك مؤشرات كثيرة علي أن صفقة الأسلحة السعودية سوف تأخذ في الاعتبار هذه المؤشرات الإقليمية وتوجهاتها خاصة مع تزايد التهديدات الإيرانية العسكرية. وبرغم العلاقة الإستراتيجية بين السعودية والولاياتالمتحدة, إلا أن المملكة تحرص علي تنويع مصادر السلاح وشرائه من مصادر مختلفة. لذلك اتجهت إلي شراء نظم تسليح من دول الاتحاد الأوروبي وعلي وجه الخصوص من المملكة المتحدة وفرنسا. واتجهت إلي أبعد من ذلك في تنويع مصادر أسلحتها عندما عقدت صفقة مع الصين لشراء صواريخ باليستية بعيدة المدي بعد أن امتنعت الدول الغربية عن تزويدها بمثل هذه النوعية من الأسلحة المثيرة للقلق والجدل. وقد احتجت إسرائيل وقتها علي الصفقة الصينية, لكنها رضخت في النهاية إيمانا منها بأن السعودية لن تستخدم مثل هذه الأسلحة لأغراض هجومية, وأن امتلاكها لهذه الصواريخ هو لأغراض الردع ضد إسرائيل وغير إسرائيل. ولاشك أن إسرائيل سوف تكرر ضغطها لتقليص القدرات الفنية والعملياتية للصفقة الأمريكية مع السعودية, وخاصة الصواريخ المحمولة بواسطة الطائرات, وسوف تطالب بتقليل مدي هذه الصواريخ حتي لا تهدد أمن إسرائيل من وجهة نظرها. وسوف تنتهز إسرائيل الفرصة كما هو معتاد في كل مرة تحصل فيها دولة عربية علي أسلحة متقدمة من الولاياتالمتحدة للضغط عليها, والمطالبة بتزويدها بطائرات إف-35 المقاتلة, وهي أحدث ما أنتجته الولاياتالمتحدة من طائرات حتي الآن. وليس من المتوقع أن توافق إسرائيل علي بيع هذه الطائرة إلي أية دولة عربية أخري.