ضجة بدت مفتعلة وغضب مبالغ فيه.. هكذا جاءت ردود الفعل الإسرائيلية علي إعلان روسيا عزمها إتمام صفقة الصواريخ ياخونت المبرمة مع سوريا عام 2007. لم تدخر تل أبيب وسعا طوال السنوات الثلاث الماضية لوقف الصفقة بحجة أنها تمثل مشكلة كبيرة تهدد أمنها في ظل احتمالية وصول هذه الصواريخ إلي حزب الله.. فضلا عن أنها تخل بميزان القوي في المنطقة علي حد زعمها. إلا أن حجج إسرائيل ومزاعمها تلك لم تجد آذانا صاغية في موسكو التي بدت مصرة علي إتمام الصفقة.. هذا الإصرار الذي برره البعض بأنه رد فعل احتجاجي لعدم إشراكها في مفاوضات السلام الأخيرة في وقت تبذل فيه روسيا كل جهد لاستعادة مكانتها علي الساحة الدولية حتي وإن كان مدخلها من باب التسليح. لم تعبأ روسيا كثيرا بردود الفعل الإسرائيلية والتي وصلت لحد تهديدها باستئناف دعمها العسكري مع جورجيا في حال قيامها بتنفيذ صفقة بيع صواريخ ياخونت إلي سوريا. وكانت تل أبيب قد أوقفت مساعدتها لجورجيا بعدما لعبت دورا كبيرا في إشعال المواجهات في أوستيا الجنوبية بين جورجيا وروسيا قبل عامين. وجاء وقف المساعدات استجابة للطلب الروسي وقتئذ. ويبدو التهديد الإسرائيلي لن يثني عزم الدب الروسي عن اتمام الصفقة والتي أعلنت موسكو أنها ستتم هذا العام. لتقدم من خلالها روسيا صواريخ الياخونت وهي كلمة روسية تعني »الياقوت« والتي تعد واحدة من أهم الصواريخ الروسية المضادة للسفن. وتتميز الياخونت بسرعتها الفائقة التي تزيد علي سرعة الصوت، ويبلغ طولها 8 أمتار وقطرها 70 سنتيمترا أما عرض الجناح فيصل إلي 170 سنتيمترا. كما يمكنها التحليق علي ارتفاع 15 ألف متر من الهبوط إلي ستة أمتار لتنقض علي الهدف وتقوم بتفجيره، ولايحتاج تجهيز هذه الصواريخ أكثر من أربع دقائق وبالرغم من أن كفاءة هذه الصواريخ لاترقي لماتملكه إسرائيل من ترسانة عسكرية إلا أنها لم ترغب في أن تفوت الفرصة في الاحتجاج والدعوة بأن هذه الصواريخ تخل بميزان القوي في المنطقة متجاهلة أن الميزان مختل أساسا لصالحها منذ زمن بعيد. لكن يبدو أن جهود تل أبيب لن تنجح هذه المرة رغم صخب الاحتجاج الذي شاركتها فيه الولاياتالمتحدة بالطبع علي أمل أن ينجحا في وقف الصفقة الروسية لسوريا مثلما فعلتاها في صفقات أخري من بينها صفقة السلاح بين لبنان وفرنسا علي صواريخ هوت تم تركيبها علي مروحيات من طراز جازيل الفرنسية. واضطرت فرنسا تحت الضغط الأمريكي لإسرائيل إلي وقفها وبررت ذلك وقتها بالتخبط الذي يعاني منه لبنان. وتكرر نفس الشيء مع روسيا بعدما أعلنت عن صفقة صواريخ S. 300 إلي إيران وتحت الضغط أيضا تراجعت وكانت الحجة هذه المرة هي الالتزام بالعقوبات المفروضة علي إيران. لكن يبدو أن الموقف الروسي من صفقة صواريخ ياخونت يبتعد كثيرا عن تكرار السيناريوهات السابقة.. ربما لإدراكها حجم المبالغة التي تتعمدها إسرائيل، ولعلمها أن هذا الغضب المبالغ فيه وراءه نية تل أبيب في استغلال الصفقة للحصول علي مزيد من الدعم العسكري وأسلحة أكثر تطورا منها القنابل القادرة علي اختراق الأهداف تحت الأرض وكذلك صواريخ كروز المتطورة والتي سبق أن رفضت الولاياتالمتحدة تقديمها لها. وإن كان هذا التبرير غير مقنع لحد كبير نظرا لحجم التدليل الذي تتمتع به تل أبيب من قبل واشنطن والتي لاتحتاج معه لأي مبرر للمطالبة بمزيد من الدعم للاحتفاظ بالخلل في ميزان القوي المائل دائما لصالحها. ومن ثم يصبح المبرر الأقرب للقبول هو أن روسيا تريد استعادة مكانتها علي الساحة الدولية حتي وإن كان مدخلها التسليح لتعلن به احتجاجها علي عدم إشراكها في مباحثات السلام الأخيرة. وهو التبرير الذي يميل إليه الخبير الاستراتيجي العميد صفوت الزيات والذي يري أن روسيا تشعر بالحنين في عدم مشاركتها في عملية السلام وتشعر بالدور الذي تلعبه كل من واشنطن وتل أبيب لتحجيم مكانتها علي الساحة الدولية. ومع ذلك يري أيضا أن روسيا تعد من أسوأ دول العالم في تصدير السلاح لأنها توظف هذه الصفقات لصالح سياستها الخارجية ومصالحها القومية عكس الدول الأوروبية التي تحركها المنفعة الاقتصادية والمادية وتتخذ من شعار »ادفع تحصل علي ماتريد من السلاح« مبدأ لها وهي تعد بذلك أقل تسخيرا لصفقات السلاح لخدمة سياستها الخارجية. وعليه لايتوقع أن تتم صفقة السلاح الروسي لسوريا بسهولة خاصة أن موسكو لم تعلن عن وقت معين لإتمام تسليم هذه الصواريخ وهي بلاشك تسعي من وراء ذلك للحصول علي أكبر مكاسب ممكنة من خلال مقايضة الولاياتالمتحدة علي هذه الصفقات. ومن ثم تعد روسيا موردا للسلاح غير أمين من وجهة نظر الزيات والدليل علي ذلك أنه علي مدي العقدين الماضيين لم تقدم روسيا لسوريا كل ما طلبته من أنظمة متقدمة منها طائرة SU - 30 و SU - 35 ورفضت كذلك تحت ضغط إسرائيل طلب وسوريا في الحصول علي نماذج متطورة من الميج 29 . وكل ما نجحت في الحصول عليه هي أنظمة دفاع جوي قصيرة المدي لم تثبت فاعليتها في التصدي للغارة الإسرائيلية التي شنتها عليها في سبتمبر 2007 مستهدفة مازعمت أنه مفاعل نووي سوري بمنطقة دير الزور. وبالرغم من المميزات التي تتمتع بها صواريخ ياخونت إلا أنه لايعتبرها أيضا تمثل نقلة مثيرة في الميزان الاستراتيجي السوري، ومن ثم تتزايد الشكوك حول توقيتات الإعلان عن هذه الصفقة والتي تبدو أن وراءها العديد من الأهداف أهمها مقايضة الولاياتالمتحدة والحصول علي أكبر مكاسب ممكنة فيما يتعلق بأزمتها مع جورجيا، والتي تلوح الولاياتالمتحدة لإدراجها في حلف الناتو وكذلك تفعل مع أوكرانيا وهو مايتعارض مع المصلحة الروسية. علي جانب آخر هناك أزمات ومشكلات وتوتر في آسيا الوسطي تحاول روسيا أن تفرض حلولا لها تتناسب مع مصالحها الأمر الذي يتطلب دعما أو بمعني أدق عدم عرقلة من قبل الولاياتالمتحدة. هذا عن الموقف الروسي أما عن الموقف الإسرائيلي فلا يقل عنه استغلالا لصفقة السلاح التي أعلنت روسيا عن تقديمها لسوريا، وتأتي ردود فعل تل أبيب مبالغا فيها في محاولة لتضخيم هذه الصفقة في إطار مايمكن أن نطلق عليه »شيطنة الخصوم« أي المبالغة في إظهار قوتهم وخطرهم وهي عملية تمويه الهدف من ورائها خداع الرأي العام خاصة العربي عن إدراك حقيقة التوازنات في القوي والتي تعمل الولاياتالمتحدة بكل قوتها لإخلالها لصالح إسرائيل. وكثيرة هي الأدلة علي هذا التوجه الأمريكي فهل علي سبيل المثال ماحدث في سبتمبر 2008 عندما أصدر الكونجرس قرارا بإلزام وكالة الدفاع الأمريكية المشرفة علي صفقات السلاح علي تقديم شهادة علي كل صفقة تعقدها تفيد بأنها لاتخل بالتفوق النوعي الإسرائيلي. وقياسا علي ذلك أيضا يمكن فهم التحرك الأمريكي لعقد صفقات مع الدول العربية، وأهمها وأكبرها الصفقة التي تمت مع السعودية والتي بلغت قيمتها 60 مليار دولار، بينما بلغ حجم الصفقات الأمريكية للدول العربية 126 مليار دولار.. والهدف منها تهيئة الموقف ضد إيران، فضلا عن العائد المادي الذي ينعش اقتصاد الولاياتالمتحدة في فترة تمر فيها بأزمة مالية لايخفي علي الجميع أثرها وحدتها. ولايخفي علي أحد أيضا أن تركيز الولاياتالمتحدة علي عقد صفقاتها مع الدول العربية يتم بشكل كبير مع دول الخليج علي عكس الحال مع مصر وسوريا ولبنان فالأمر يختلف معها، فالولاياتالمتحدة تدرك جيدا أن هناك معوقات لاستيعاب دول الخليج للأنظمة الحديثة علي عكس الحال بالطبع في مصر وسوريا ولبنان، إضافة إلي ماسبق الإشارة إليه وهي تهيئة الموقف لمواجهة إيران. والحد قدر الإمكان من قوتها العسكرية. وباستخدام نفس الفزاعة تمارس تل أبيب سياستها للحصول علي أكبر دعم عسكري ممكن من واشنطن.. الأمر الذي بدأ يثير جدلا داخل الدولة العبرية، وبدأ خلاف حول مدي أهمية حصول إسرائيل علي طائرات F35 والتي اعتبرها البعض صفقة خاسرة تبدد الموارد الإسرائيلية في شراء أسلحة متقدمة لاتتوفر تهديدات مقنعة للحاجة إليها. من هنا يمكن فهم التحرك الإسرائيلي تجاه صفقة الصواريخ الروسية المزمع تسليمها لسوريا والتي يبدو فيها الصخب الإسرائيلي متعمدا ومبالغا فيه، فبالرغم من كفاءة الياخونت إلا أنه لايقارن بما تمتلكه إسرائيل من نظام دفاع صاروخي وترسانة نووية وطائرات قتالية حديثة تتهيأ بها لدخول الجيل الخامس، فضلا عن تقدمها في استيعاب الثورة العسكرية وتحتل المرتبة الثانية في هذا المجال بعد الولاياتالمتحدة، كما أن لديها مايطلق عليه الجيوش الرقمية، هذه التقنية العسكرية المتقدمة للغاية وهذا التقدم العسكري وهذه الترسانة النووية تجعل من الصعب علي أي عاقل قبول أن صواريخ الياخونت يمكن أن تشكل هذا التهديد لإسرائيل وأن كل ما تفعله إسرائيل يدخل في إطار ما يطلق عليه الحرب النفسية التي تهدف لشيطنة الخصم والمبالغة في إظهار قوته حتي يمكنها تبرير أي موقف تتخذه وتحتفظ في نفس الوقت بميزان القوي مختلا دائما لصالحها. وهو مايدركه جيدا السوريون ومن ثم لم نسمع عن ردود أفعال سورية تذكر إزاء هذا الصخب الإسرائيلي لأنها تدرك جيدا حقيقة العقلية الإسرائيلية.