أول مشاركة للفلاحين بندوة اتحاد القبائل الإثنين المقبل    الدولار يواصل الانخفاض متأثرًا ببيانات الوظائف الضعيفة    البصل يبدأ من 5 جنيهات.. ننشر أسعار الخضروات اليوم 10 مايو في سوق العبور    التنمية المحلية: تلقينا 9 آلاف طلب تصالح في مخالفات البناء خلال أول 48 ساعة    فصل متمرد.. تغير المناخ تكشف تأثير تقلبات الطقس على الزراعات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 10 مايو 2024.. الكومي ب38 ألف جنيه    «القابضة للمياه»: ندوة لتوعية السيدات بأهمية الترشيد وتأثيره على المجتمع    «القاهرة الإخبارية»: العدوان الإسرائيلي يتصاعد بعنف في غزة    الخارجية الفلسطينية: اعتداء المستوطنين على مقرات الأونروا في القدس المحتلة جريمة ممنهجة    «دعم منتظر».. الأمم المتحدة تصوت على عضوية فلسطين اليوم    رئيس الحكومة اللبنانية يبحث مع هنية جهود وقف إطلاق النار في غزة    إصابة شخصين وإحراق منازل في الهجوم الروسي على خاركيف أوكرانيا    "تخطى صلاح".. أيوب الكعبي يحقق رقما قياسيا في المسابقات الأوروبية    "اعتلاء منصات التتويج".. هاني العتال يوجه رسالة للزمالك قبل مباراة نهضة بركان    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة بلدية المحلة.. اليوم    أشرف عبد العزيز: ما فعله محامي الشيبي «جريمة»    نشوب حريق داخل ميناء الشركة القومية للأسمنت بالقاهرة    التعليم: 30% من أسئلة امتحانات الثانوية العامة للمستويات البسيطة    طعنها بالشارع.. حبس المتهم بالشروع في قتل زوجته بالعمرانية    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة بالقليوبية    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 11 مايو 2024 | إنفوجراف    بالتفاصيل، تشغيل قطارات جديدة بدءا من هذا الموعد    ضبط وتحرير 24 محضرًا تموينيًا في شمال سيناء    إلهام شاهين: مهرجان ايزيس فرصة للانفتاح على العالم والترويج الثقافي لبلدنا    تشييع جثمان والدة الفنانة يسرا اللوزي من مسجد عمر مكرم ظهر اليوم    لمواليد 10 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    حفل زفافها على البلوجر محمد فرج أشعل السوشيال ميديا.. من هي لينا الطهطاوي؟ (صور)    بكاء المنتج أحمد السبكي بسبب ابنه كريم.. ما السبب؟    صابر الرباعي يكشف حقيقة دخوله مجال التمثيل وتقديم مسلسل 30 حلقة    صلاة الجمعة.. عبادة مباركة ومناسبة للتلاحم الاجتماعي،    دعاء يوم الجمعة لسعة الرزق وفك الكرب.. «اللهم احفظ أبناءنا واعصمهم من الفتن»    الصحة: أضرار كارثية على الأسنان نتيجة التدخين    أسعار اللحوم الحمراء في منافذ «الزراعة» ومحلات الجزارة.. البلدي بكام    3 فيروسات خطيرة تهدد العالم.. «الصحة العالمية» تحذر    طبق الأسبوع| مطبخ الشيف رانيا الفار تقدم طريقة عمل «البريوش»    مايا مرسي تشارك في اجتماع لجنة التضامن الاجتماعي بمجلس النواب لمناقشة الموازنة    مصطفى بكري: مصر تكبدت 90 مليون جنيها للقضاء على الإرهاب    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    ملف رياضة مصراوي.. زيارة ممدوح عباس لعائلة زيزو.. وتعديل موعد مباراة مصر وبوركينا فاسو    عبد الرحمن مجدي: أطمح في الاحتراف.. وأطالب جماهير الإسماعيلي بهذا الأمر    أشرف صبحي يناقش استعدادات منتخب مصر لأولمبياد باريس 2024    نص خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة اليوم 10-5-2024.. جدول مواعيد الصلاة بمدن مصر    ما حكم كفارة اليمين الكذب.. الإفتاء تجيب    إصابة 5 أشخاص نتيجة تعرضهم لحالة اشتباه تسمم غذائي بأسوان    أعداء الأسرة والحياة l «الإرهابية» من تهديد الأوطان إلى السعى لتدمير الأسرة    إصابة شرطيين اثنين إثر إطلاق نار بقسم شرطة في باريس    نهائي الكونفدرالية.. تعرف على سلاح جوميز للفوز أمام نهضة بركان    البابا تواضروس يستقبل رئيسي الكنيستين السريانية والأرمينية    خالد الجندي: مفيش حاجة اسمها الأعمال بالنيات بين البشر (فيديو)    خالد الجندي: البعض يتوهم أن الإسلام بُني على خمس فقط (فيديو)    مسؤول أوروبي كبير يدين هجوم مستوطنين على "الأونروا" بالقدس الشرقية    فريدة سيف النصر تكشف عن الهجوم التي تعرضت له بعد خلعها الحجاب وهل تعرضت للسحر    اللواء هشام الحلبي يكشف تأثير الحروب على المجتمعات وحياة المواطنين    آية عاطف ترسم بصمتها في مجال الكيمياء الصيدلانية وتحصد إنجازات علمية وجوائز دولية    4 شهداء جراء قصف الاحتلال لمنزل في محيط مسجد التوبة بمخيم جباليا    مجلس جامعة مصر التكنولوجية يقترح إنشاء ثلاث برامج جديدة    «الكفتة الكدابة» وجبة اقتصادية خالية من اللحمة.. تعرف على أغرب أطباق أهل دمياط    «أنهى حياة عائلته وانتح ر».. أب يقتل 12 شخصًا في العراق (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
الحرب علي إيران ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 06 - 2010

لا يستطيع الشرق الأوسط الهدوء كثيرا‏,‏ وبشكل ما منذ انتهاء الحرب الباردة مع مطلع تسعينيات القرن الماضي‏,‏ وبالتأكيد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع مطلع القرن الجديد‏,‏ أصبحت منطقتنا‏. التي باتت ممتدة من الأطلنطي حتي تخوم الصين‏,‏ هي منطقة الصراع والعنف في العالم‏.‏ ويكفي أن ترصد عدد الحروب التي جرت‏,‏ بكل ما فيها من قتلي وجرحي وأشكال مختلفة من الضحايا‏,‏ حتي تجدهم في عالمنا القريب إما في شكل حروب أهلية‏,‏ أو حروب تاريخية مثل الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ أو أشكال عنف وإرهاب مختلفة‏,‏ أو غزوات أجنبية ترد فيها تحالفات دولية تبرر عنفها بقبعات متعددة الجنسية‏.‏ ومنذ نهاية حرب غزة الشهيرة في يناير من العام الماضي‏,‏ فإن الحروب الكبري أي تلك التي تشارك فيها الدول وتستخدم فيها أسلحة ثقيلة توقفت أو أخذت هدنة تركت فيها مسرح القتل للانفجارات التي تجري في العراق‏,‏ والحرب الصغيرة داخل أفغانستان بين طالبان وتحالف دولي‏,‏ وسالت دماء كثيرة في باكستان بين طالبان الباكستانية والسلطة الشرعية‏,‏ وجري ذلك كله بينما الحرب الأهلية في الصومال سارت علي حالها وأضافت لها نوعا جديدا من استخدام القوة تحت اسم القرصنة التي هددت مصالح كبري في المحيط الهندي والبحر الأحمر والطريق إلي قناة السويس‏.‏
كل ذلك مثل نوعا من الموسيقي الهادئة التي تنخفض فيها أصوات الطبول‏,‏ وتعلو فيها نغمات الرصاص والأسلحة الأقل شأنا‏,‏ ولا يخلو الأمر من بعض ترانيم السلام والبحث عن تسويات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‏.‏ ولكن تناقضات الشرق الأوسط الرئيسية تجعل مسألة غياب الحروب الكبري لا تناسب مقتضي الحال‏,‏ وطالما ظلت المنطقة مفارقة لما يجري في العالم من عولمة وتنمية‏,‏ ويغلب عليها حديث الدين والثورة والتمرد في مقابل رغبة وطموح غربي طاغ لمد نتائج الانتصار في الحرب الباردة إلي بقية العالم التي لا تزال تعيش في دنيا أخري‏,‏ وفي وسط ذلك توجد فيها عقدة المواصلات والاتصالات العالمية‏,‏ والنفط‏,‏ وقبل وبعد كل ذلك بؤرة فكرية وفلسفية ودينية تشع حالة التفكير فيها حتي تصل إلي ملايين من المسلمين عاشوا واستوطنوا في الغرب ويكفي قلة منهم يستقبلون الإلهام من أوطانهم القديمة حتي تجعل العالم الغربي كله لا يعرف نوما ولا يقظة‏.‏
وقد كان ممكنا لتلك التناقضات أن تأخذ مسيرتها التاريخية وتحل نفسها بالحوار أو بالتنمية أو بالعزل والنفور‏,‏ فلا يهم كثيرا أن تكون بوليفيا ماركسية‏,‏ ولا تهتز أحوال العالم إذا كانت فنزويلا شعبوية من نوع ما‏,‏ بل إن التهديد يظل إقليميا حتي إذا ما كانت كوريا الشمالية تمتلك القنبلة النووية‏;‏ ولكن أيا من هؤلاء لا توجد لديه ذكريات الوقوف علي أسوار فيينا‏,‏ ولا تسللت منه جماعات وجموع إلي عواصم غربية كبري‏,‏ ولا يوجد لدي ثوارها ومتمرديها ما يلهم أو يدعو إلي انقياد أعمي للانتحار أو الاستشهاد‏.‏ الكابوس الغربي هنا‏,‏ والشرقي أيضا إلي حد ما عندما تضيف روسيا والصين والهند إلي القائمة‏,‏ هو أن تمتلك إلي جانب تلك الطاقة من الرفض والغضب والتمرد والثورة أسلحة نووية لا تعطيها مكانة فقط‏,‏ وإنما تضيف إليها قدرات من نوع خاص تكفي لإبادة البشرية أو من يراد إبادته منها‏.‏ الحالة هنا ليست مثل الهند وباكستان حيث القدرة النووية مرتبطة بتوازنات إقليمية بينهما ومعهما الصين‏,‏ ولكنها‏,‏ أو هكذا يوجد الفهم الغربي‏,‏ مرتبطة بالتوازنات العالمية من ناحية‏,‏ وإذا ما حسبت اللغة جدا فإن فكرة تدمير العالم لا تبدو من الأمور التي يمكن البكاء عليها مادام هذا العالم لا يسير علي الرغبة والهوي‏.‏
هنا تأتي القضية الإيرانية‏,‏ وتأتي قضيتنا أيضا‏,‏ فوجودنا في قلب الشرق الأوسط لا يعني فقط دورا إقليميا من نوع أو آخر لمصر‏,‏ ولكنه يعني دورا للإقليم داخل مصر أيضا‏,‏ وعندما جرت الحرب أو الحروب علي العراق كان لهيبها في القاهرة‏,‏ وفي كل جولة من جولات الصراع العربي الإسرائيلي كانت النار شاملة لمصر كلها‏,‏ وعندما جرت الحرب العراقية الإيرانية‏,‏ أو تصاعد الصراع في أفغانستان بين الأفغان وبعضهم أو بين طرف منهم مع أطراف خارجية متحالفة مع أطراف داخلية‏,‏ كان هناك مصريون مع كل الأطراف‏.‏ وبينما كانت القرصنة تجري في القرن الأفريقي كانت تهاجم سفنا مصرية‏,‏ وتهدد الداخلين إلي قناة السويس‏,‏ وترسل أشكالا مختلفة من الهجرة غير الشرعية‏.‏ فإذا قامت الحرب مع إيران فإنها لن تظل بعيدة عنا‏,‏ والمرجح أننا سوف نواجه مواقف بالغة الحرج‏,‏ ونعاني من آثار لعبة دامية لم يكن لنا يوما يد فيها‏.‏
مصدر الانزعاج والتحذير هنا أن مجلس الأمن اتخذ قرارا في التاسع من يونيو الحالي بفرض عقوبات علي إيران‏;‏ ورغم اعتراض تركيا والبرازيل وامتناع لبنان عن التصويت فإن الدول الخمس الكبري التقت‏,‏ وهي التي تلتقي بصعوبة‏,‏ علي قرار عقوبات يجمع موسكو وواشنطن وبكين علي سياسة للضغط علي طهران تأخذ اتجاها متصاعدا علي فترات معلومة‏,‏ وكلها تجري في مناخ الفصل السابع من السلطات للأمم التي تخول في النهاية استخدام القوة العسكرية‏.‏ وبعد ذلك فإن هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن سيناريو الحرب علي إيران لم يعد سيناريو بعيد الاحتمال‏,‏ أو آخر الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للتعامل مع أزمة الملف النووي الإيراني الذي وصل إلي مرحلة حرجة‏.‏ أول هذه المؤشرات يرتبط بالعامل الزمني‏,‏ فالوقت يمضي والأزمة مستمرة دون استجابة إيران لمطالب المجتمع الدولي‏.‏ ومنذ وصولها إلي البيت الأبيض‏,‏ تبنت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما دعوة الحوار مع إيران ووضعت جداول زمنية متعددة في هذا السياق دون أن ينتهي أي منها بوصول الأزمة إلي تسوية سلمية‏.‏
وكان اتجاه واشنطن إلي الحوار مع إيران قد جاء ضمن السياسة التصالحية التي انتهجتها بهدف تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الجمهورية السابقة‏,‏ وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم‏,‏ والتخلص من أعباء حربي أفغانستان والعراق‏.‏ ويبدو أن الإدارة انطلقت في هذا السياق من أن سياسة رفع العصا في وجه إيران لم تؤد إلي حدوث نجاح يذكر في تسوية الأزمة الإيرانية‏,‏ ومن ثم قررت ولوج الطريق المقابل من خلال فتح حوار مع إيران علي أمل أن يؤدي ذلك إلي الوصول إلي صفقة مرضية للجميع‏,‏ تقلص المخاوف الدولية من برنامج إيران النووي‏,‏ وتساعد علي تحقيق توافق إيراني أمريكي في العديد من الملفات الإقليمية الخلافية في منطقة الشرق الأوسط‏.‏ ومن هذا المنطلق‏,‏ توجه أوباما برسالة إلي شعب وقيادة إيران بمناسبة عيد النوروز في‏20‏ مارس‏2009,‏ دعا فيها القادة الإيرانيين إلي الحوار بهدف تجاوز ما بين واشنطن وطهران من نزاع‏.‏ وفي إطار السياسة نفسها حرصت الولايات المتحدة علي دعوة إيران لحضور المؤتمر الدولي الخاص بأفغانستان الذي عقد بمدينة لاهاي في‏31‏ مارس‏2009‏ لكن إيران تجاهلت دعوة أوباما وأعلن المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي بعد ذلك أن إيران ترفض أي مفاوضات تقوم الولايات المتحدة بفرض نتائجها سلفا‏,‏ وشبهها ب علاقة بين الذئب والحمل‏.‏ وقد جاءت أزمة الانتخابات الإيرانية في يونيو‏2009‏ لتربك حسابات واشنطن فيما يتعلق بالأسلوب الأمثل للتعامل مع إيران‏,‏ ومدي إمكانية الرهان علي إمكانية أن تؤثر الأزمة في السياسة النووية لطهران‏.‏
وعلي خلفية تجاهل إيران لعروض الحوار‏,‏ منح الرئيس أوباما‏,‏ خلال حضوره قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري في إيطاليا في‏10‏ يوليو‏2009,‏ طهران مهلة حتي سبتمبر‏2009‏ للرد علي دعوة الحوار محذرا إياها من أن العالم لن ينتظرها بلا حدود حتي تنهي تحديها النووي‏.‏ لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من المشاركة في الاجتماع الذي عقد بين إيران ومجموعة‏5+1‏ في جنيف أول أكتوبر‏2009,‏ والذي شهد أول لقاء أمريكي إيراني بين الوكيل في وزارة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية ويليام بيرنز وأمين المجلس الأعلي للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي‏,‏ وقد طرح خلال الاجتماع اتفاق تبادل اليورانيوم‏,‏ الذي نص علي أن تقوم إيران بنقل‏75%‏ من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تمتلكه‏(‏ بنسبة‏3.5%)‏ إلي روسيا لرفع نسبة تخصيبه إلي‏19.75%‏ ثم إلي فرنسا لتحويله إلي وقود نووي علي أن يعود مرة أخري إلي إيران لاستخدامه في مفاعلها للأغراض الطبية‏.‏ لكن إيران ماطلت في الرد علي الاتفاق‏,‏ ثم وضعت شروطا عديدة للموافقة عليه‏,‏ منها أن يتم بالتدريج‏,‏ وبالتزامن‏,‏ وأن يجري علي الأراضي الإيرانية‏.‏
ورغم ذلك‏,‏ جددت الإدارة الأمريكية عرضها للحوار مع إيران مرة أخري‏,‏ فبعد عام علي الرسالة الأولي‏,‏ وجه أوباما رسالة ثانية إلي إيران في المناسبة نفسها‏(‏ عيد النوروز‏)‏ في‏20‏ مارس‏2010,‏ جدد فيها عرض إدارته بإجراء حوار مع طهران‏,‏ لكنه توجه إلي الشعب الإيراني أكثر من القادة في طهران‏,‏ مشيرا إلي أنه سيعمل علي توفير شبكة الإنترنت للإيرانيين‏,‏ منتقدا حكام إيران لأنهم عزلوا أنفسهم‏,‏ ومع ذلك تعمدت إيران تجاهل العرض من جديد‏,‏ بل إنها قدمت شكوي رسمية إلي الأمم المتحدة في‏14‏ أبريل‏2010‏ ضد أوباما الذي اتهمته ب ابتزازها نوويا‏.‏
وثاني هذه المؤشرات‏,‏ أن ثمة ضغوطا عديدة تتعرض لها إدارة الرئيس أوباما من جانب إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة فضلا عن بعض التيارات الأمريكية‏,‏ لاتخاذ موقف جدي تجاه إيران‏.‏ فقد استجابت إسرائيل علي مضض لفكرة الحوار مع إيران‏,‏ لكنها طالبت بوضع جدول زمني لها‏,‏ وأكدت أنها لن تؤتي ثمارا إيجابية لجهة تسوية أزمة الملف النووي الإيراني‏,‏ وأن صبرها بدأ ينفد من الحوار مع إيران‏,‏ الذي من شأنه‏,‏ في رؤيتها منح إيران مزيدا من الوقت لتطوير برنامجها النووي‏,‏ كما رفضت في الوقت نفسه استبعاد أي خيار للتعامل مع إيران‏,‏ حتي مع مواصلة واشنطن لسياسة المزاوجة بين الحوار والعقوبات‏,‏ وطلبت إيضاحات من واشنطن عن البدائل التي ستتطرق إليها في حالة فشل هذه السياسة مع إيران‏,‏ معربة عن إحباطها تجاه عدم مبالاة إيران بالضغوط الدولية ومطالب المجتمع الدولي‏.‏ فضلا عن ذلك‏,‏ مارست المنظمات الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة ضغوطا علي الإدارة الأمريكية لاتخاذ سياسة أكثر حزما تجاه إيران‏,‏ حيث وجهت مؤسسة إيباك رسالة إلي الكونجرس الأمريكي في مارس‏2010,‏ طالبت فيها بفرضعقوبات قاسية علي إيران بسبب نشاطاتها النووية‏.‏ كما بذل التيار المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة جهودا حثيثة للضغط علي الإدارة الأمريكية لدفعها إلي التخلي عن فكرة الحوار مع إيران‏,‏ والاتجاه إلي تبني خيارات أخري أكثر صرامة للتعامل معها بما فيها فرض حصار بحري يمنع وصول البنزين إلي إيران‏,‏ كما انتقد عزوف الإدارة الأمريكية عن استثمار الأزمة السياسية التي تواجهها إيران بسبب الانتخابات الرئاسية للضغط علي النظام الإيراني كما فعلت فرنسا وإجباره علي الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي‏.‏ ويستند هذا التيار لتدعيم رؤيته إلي أن إيران تتصور أن الدعوة الأمريكية للحوار معها دليل ضعف ينتاب واشنطن بما يجعلها تتمادي في تحديها للمجتمع الدولي وعدم الاكتراث بالضغوط الدولية‏.‏
المؤشر الثالث‏,‏ يتمثل في أن إيران هي الرابح الوحيد من مرور الوقت دون الوصول إلي تسوية لأزمة ملفها النووي‏,‏ حيث حرصت علي زيادة كميات اليورانيوم منخفض التخصيب التي تمتلكها‏,‏ حتي وصلت إلي‏2043‏ كجم حسب تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفعه أمينها العام يوكيا أمانو إلي مجلس الأمناء في‏31‏ مايو‏2010,‏ الذي قال أيضا إن إيران أنتجت ما لا يقل عن‏5.7‏ كجم من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة‏20%‏ حتي بداية أبريل‏2010,‏ ولم يفلح الاتفاق النووي الثلاثي الذي أبرمته إيران مع كل من تركيا والبرازيل في‏17‏ مايو‏2010‏ في تقليص المخاوف الغربية من برنامجها النووي‏,‏ لأسباب عديدة منها أن إيران أكدت عقب التوقيع علي الاتفاق مباشرة مواصلتها لعمليات تخصيب اليورانيوم حتي مستوي‏20%,‏ فضلا عن أن زيادة كمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي تمتلكها وتجاوزها حاجز ال‏2000‏ كجم معناها أن الكمية التي من المفترض أن تخضع للتبادل وهي‏1200‏ كجم لم تعد تمثل ثلاثة أرباع ما تمتلكه إيران كما كان ينص اتفاق تبادل اليورانيوم الذي طرح في أكتوبر‏2009,‏ ووافقت عليه الدول الغربية‏.‏
من هنا اقتنعت الولايات المتحدة بضرورة تغيير نهج التعامل مع إيران‏,‏ وهو ما انعكس في ردها علي الاتفاق الثلاثي الأخير‏,‏ حيث قدمت المشروع المشار إليه من قبل لعقاب إيران‏,‏ ويفرض حظرا علي امتلاك إيران حصة في أي نشاط تجاري في دولة أخري ينطوي علي استخراج اليورانيوم وإنتاج واستخدام المواد والتكنولوجيا النووية‏,‏ ويطالب جميع الدول بمنع تزويد إيران بأنواع متعددة من الأسلحة المتطورة‏,‏ كما قرر عدم السماح لإيران بالقيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة علي حمل أسلحة نووية‏,‏ ودعا جميع الدول إلي إجراء عمليات تفتيش لجميع الشحنات المتجهة أو المنطلقة من إيران في المناطق التابعة لها إذا تلقت معلومات توفر أسسا معقولة للاعتقاد بأن الشحنات أو البضائع تحتوي علي مواد تحظرها قرارات مجلس الأمن‏.‏
خروج قرار العقوبات الجديد بهذه الصيغة معناه أن واشنطن نجحت إلي حد ما في تكوين إجماع دولي ضد طموحات إيران النووية‏,‏ وقد اتخذت في سبيل تحقيق ذلك بعض الإجراءات التكتيكية‏,‏ مثل عدم الوقوف كثيرا عند البيان الذي تبناه مؤتمر نيويورك لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي عقد في الفترة من‏3‏ إلي‏28‏ مايو‏2010,‏ ودعا إسرائيل إلي التوقيع علي معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي‏,‏ كما نادي بعقد مؤتمر دولي في عام‏2012‏ لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي‏,‏ وذلك بغرض التحضير لفكرة الحرب علي إيران‏,‏ وتمكين الولايات المتحدة من تشكيل إجماع دولي وإقليمي في حالة اتجاهها إلي هذا الخيار‏,‏ ولا أظن أن النشاط الأمريكي الزائد هذه الأيام بعملية تسوية القضية الفلسطينية ببعيد عن تحضير المنطقة لتطورات هامة‏.‏
المهم‏,‏ أن سيناريو الحرب ذاتها‏,‏ الذي يتم الحديث عنه‏,‏ يدعم تلك الاحتمالات‏,‏ فكل أشكال الحروب التي يمكن تصور تورط أمريكي واسع النطاق فيها غير قائم‏,‏ فما يثار في واشنطن هو حرب من نوعية حرب تحرير الكويت عام‏1991,‏ أو حرب كوزفو ضد صربيا عام‏1999‏ التي تستخدم فيها القوة الجوية في الأساس‏,‏ ليس في شكل ضربة تمهيدية لهجوم بري ما‏,‏ وإنما الاستمرار في شن حرب جوية‏,‏ في ظل أهداف تتعلق بتدمير البرنامج النووي الإيراني والقدرات الصناعية الإيرانية‏.‏ ولكن الحروب عادة لا تأخذ اتجاها واحدا‏,‏ وإيران ليست دولة صغيرة ولديها قدرات وخيارات متعددة في الخليج والبحر الأحمر‏,‏ وإذا كان هناك درس واحد نتعلمه من التاريخ فهو أننا قد نعلم شيئا عن بداية الحروب‏,‏ ولكننا لا نعلم أبدا شيئا عن نهايتها‏!.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.