أسعار الدولار أمام الجنيه المصري.. اليوم الجمعة 9 مايو 2025    أسعار الدواجن اليوم الجمعة 9-5-2025 في محافظة الفيوم    الجيش الهندي: القوات الباكستانية انتهكت وقف إطلاق النار في جامو وكشمير    إضاءة مبنى "إمباير ستيت" باللونين الذهبي والأبيض احتفاء بأول بابا أمريكي للفاتيكان    المهمة الأولى ل الرمادي.. تشكيل الزمالك المتوقع أمام سيراميكا كليوباترا    جوميز: مواجهة الوحدة هي مباراة الموسم    خريطة الحركة المرورية اليوم بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    حفل أسطوري..عمرو دياب يشعل "الارينا" في أعلى حضور جماهيري بالكويت    «أوقاف شمال سيناء»: عقد مجالس الفقه والإفتاء في عدد من المساجد الكبرى غدًا    ارتفاع صادرات الصين بنسبة 8% في أبريل    زيلينسكى يعلن أنه ناقش خطوات إنهاء الصراع مع ترامب    زعيم كوريا الشمالية يشرف على تجارب لأنظمة صواريخ باليستية قصيرة المدى    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    تكريم حنان مطاوع في «دورة الأساتذة» بمهرجان المسرح العالمي    فرص تأهل منتخب مصر لربع نهائي كأس أمم أفريقيا للشباب قبل مباراة تنزانيا اليوم    حبس المتهمين بسرقة كابلات كهربائية بالطريق العام بمنشأة ناصر    أسرة «بوابة أخبار اليوم» تقدم العزاء في وفاة زوج الزميلة شيرين الكردي    في ظهور رومانسي على الهواء.. أحمد داش يُقبّل دبلة خطيبته    جدول مواعيد مباريات اليوم الجمعة والقنوات الناقلة    الهباش ينفي ما نشرته «صفحات صفراء» عن خلافات فلسطينية مع الأزهر الشريف    تبدأ 18 مايو.. جدول امتحانات الترم الثاني 2025 للصف الرابع الابتدائي بالدقهلية    حملات تفتيش مكثفة لضبط جودة اللحوم والأغذية بكفر البطيخ    في أجواء من الفرح والسعادة.. مستقبل وطن يحتفي بالأيتام في نجع حمادي    تويوتا كورولا كروس هايبرد 2026.. مُجددة بشبك أمامي جديد كليًا    مصر تنضم رسميًا إلى الاتحاد الدولي لجمعيات إلكترونيات السلامة الجوية IFATSEA    بعد بيان الزمالك.. شوبير يثير الجدل برسالة غامضة    طريقة عمل الآيس كوفي، الاحترافي وبأقل التكاليف    «إسكان النواب»: المستأجر سيتعرض لزيادة كبيرة في الإيجار حال اللجوء للمحاكم    إلى سان ماميس مجددا.. مانشستر يونايتد يكرر سحق بلباو ويواجه توتنام في النهائي    سالم: تأجيل قرار لجنة الاستئناف بالفصل في أزمة القمة غير مُبرر    خبر في الجول - أحمد سمير ينهي ارتباطه مع الأولمبي.. وموقفه من مباراة الزمالك وسيراميكا    مستأجرو "الإيجار القديم": دفعنا "خلو" عند شراء الوحدات وبعضنا تحمل تكلفة البناء    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يقترب من إعلان "صفقة شاملة" لإنهاء الحرب في غزة    زيلينسكي: هدنة ال30 يومًا ستكون مؤشرًا حقيقيًا على التحرك نحو السلام    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    بنك القاهرة بعد حريق عقار وسط البلد: ممتلكات الفرع وبيانات العملاء آمنة    في المقابر وصوروها.. ضبط 3 طلاب بالإعدادية هتكوا عرض زميلتهم بالقليوبية    جامعة المنصورة تمنح النائب العام الدكتوراه الفخرية لإسهاماته في دعم العدالة.. صور    موعد نهائى الدورى الأوروبى بين مانشستر يونايتد وتوتنهام    في عطلة البنوك .. آخر تحديث لسعر الدولار اليوم بالبنك المركزي المصري    دراسة: 58% يثقون في المعلومات عبر مواقع التواصل الاجتماعي    غزو القاهرة بالشعر.. الوثائقية تعرض رحلة أحمد عبد المعطي حجازي من الريف إلى العاصمة    تفاصيل لقاء الفنان العالمي مينا مسعود ورئيس مدينة الإنتاج الإعلامي    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    رئيس الطائفة الإنجيلية مهنئا بابا الفاتيكان: نشكر الله على استمرار الكنيسة في أداء دورها العظيم    أيمن عطاالله: الرسوم القضائية عبء على العدالة وتهدد الاستثمار    سهير رمزي تعلق على أزمة بوسي شلبي وورثة الفنان محمود عبد العزيز    عيسى إسكندر يمثل مصر في مؤتمر عالمي بروما لتعزيز التقارب بين الثقافات    حكم إخفاء الذهب عن الزوج والكذب؟ أمين الفتوى يوضح    مصطفى خليل: الشراكة المصرية الروسية تتجاوز الاقتصاد وتعزز المواقف السياسية المشتركة    محافظة الجيزة: غلق جزئى بكوبري 26 يوليو    «الصحة» تنظم مؤتمرًا علميًا لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    انطلاق المؤتمر الثالث لوحدة مناظير عائشة المرزوق في مستشفى قنا العام    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
الحرب علي إيران ؟‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 06 - 2010

لا يستطيع الشرق الأوسط الهدوء كثيرا‏,‏ وبشكل ما منذ انتهاء الحرب الباردة مع مطلع تسعينيات القرن الماضي‏,‏ وبالتأكيد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مع مطلع القرن الجديد‏,‏ أصبحت منطقتنا‏. التي باتت ممتدة من الأطلنطي حتي تخوم الصين‏,‏ هي منطقة الصراع والعنف في العالم‏.‏ ويكفي أن ترصد عدد الحروب التي جرت‏,‏ بكل ما فيها من قتلي وجرحي وأشكال مختلفة من الضحايا‏,‏ حتي تجدهم في عالمنا القريب إما في شكل حروب أهلية‏,‏ أو حروب تاريخية مثل الصراع العربي الإسرائيلي‏,‏ أو أشكال عنف وإرهاب مختلفة‏,‏ أو غزوات أجنبية ترد فيها تحالفات دولية تبرر عنفها بقبعات متعددة الجنسية‏.‏ ومنذ نهاية حرب غزة الشهيرة في يناير من العام الماضي‏,‏ فإن الحروب الكبري أي تلك التي تشارك فيها الدول وتستخدم فيها أسلحة ثقيلة توقفت أو أخذت هدنة تركت فيها مسرح القتل للانفجارات التي تجري في العراق‏,‏ والحرب الصغيرة داخل أفغانستان بين طالبان وتحالف دولي‏,‏ وسالت دماء كثيرة في باكستان بين طالبان الباكستانية والسلطة الشرعية‏,‏ وجري ذلك كله بينما الحرب الأهلية في الصومال سارت علي حالها وأضافت لها نوعا جديدا من استخدام القوة تحت اسم القرصنة التي هددت مصالح كبري في المحيط الهندي والبحر الأحمر والطريق إلي قناة السويس‏.‏
كل ذلك مثل نوعا من الموسيقي الهادئة التي تنخفض فيها أصوات الطبول‏,‏ وتعلو فيها نغمات الرصاص والأسلحة الأقل شأنا‏,‏ ولا يخلو الأمر من بعض ترانيم السلام والبحث عن تسويات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‏.‏ ولكن تناقضات الشرق الأوسط الرئيسية تجعل مسألة غياب الحروب الكبري لا تناسب مقتضي الحال‏,‏ وطالما ظلت المنطقة مفارقة لما يجري في العالم من عولمة وتنمية‏,‏ ويغلب عليها حديث الدين والثورة والتمرد في مقابل رغبة وطموح غربي طاغ لمد نتائج الانتصار في الحرب الباردة إلي بقية العالم التي لا تزال تعيش في دنيا أخري‏,‏ وفي وسط ذلك توجد فيها عقدة المواصلات والاتصالات العالمية‏,‏ والنفط‏,‏ وقبل وبعد كل ذلك بؤرة فكرية وفلسفية ودينية تشع حالة التفكير فيها حتي تصل إلي ملايين من المسلمين عاشوا واستوطنوا في الغرب ويكفي قلة منهم يستقبلون الإلهام من أوطانهم القديمة حتي تجعل العالم الغربي كله لا يعرف نوما ولا يقظة‏.‏
وقد كان ممكنا لتلك التناقضات أن تأخذ مسيرتها التاريخية وتحل نفسها بالحوار أو بالتنمية أو بالعزل والنفور‏,‏ فلا يهم كثيرا أن تكون بوليفيا ماركسية‏,‏ ولا تهتز أحوال العالم إذا كانت فنزويلا شعبوية من نوع ما‏,‏ بل إن التهديد يظل إقليميا حتي إذا ما كانت كوريا الشمالية تمتلك القنبلة النووية‏;‏ ولكن أيا من هؤلاء لا توجد لديه ذكريات الوقوف علي أسوار فيينا‏,‏ ولا تسللت منه جماعات وجموع إلي عواصم غربية كبري‏,‏ ولا يوجد لدي ثوارها ومتمرديها ما يلهم أو يدعو إلي انقياد أعمي للانتحار أو الاستشهاد‏.‏ الكابوس الغربي هنا‏,‏ والشرقي أيضا إلي حد ما عندما تضيف روسيا والصين والهند إلي القائمة‏,‏ هو أن تمتلك إلي جانب تلك الطاقة من الرفض والغضب والتمرد والثورة أسلحة نووية لا تعطيها مكانة فقط‏,‏ وإنما تضيف إليها قدرات من نوع خاص تكفي لإبادة البشرية أو من يراد إبادته منها‏.‏ الحالة هنا ليست مثل الهند وباكستان حيث القدرة النووية مرتبطة بتوازنات إقليمية بينهما ومعهما الصين‏,‏ ولكنها‏,‏ أو هكذا يوجد الفهم الغربي‏,‏ مرتبطة بالتوازنات العالمية من ناحية‏,‏ وإذا ما حسبت اللغة جدا فإن فكرة تدمير العالم لا تبدو من الأمور التي يمكن البكاء عليها مادام هذا العالم لا يسير علي الرغبة والهوي‏.‏
هنا تأتي القضية الإيرانية‏,‏ وتأتي قضيتنا أيضا‏,‏ فوجودنا في قلب الشرق الأوسط لا يعني فقط دورا إقليميا من نوع أو آخر لمصر‏,‏ ولكنه يعني دورا للإقليم داخل مصر أيضا‏,‏ وعندما جرت الحرب أو الحروب علي العراق كان لهيبها في القاهرة‏,‏ وفي كل جولة من جولات الصراع العربي الإسرائيلي كانت النار شاملة لمصر كلها‏,‏ وعندما جرت الحرب العراقية الإيرانية‏,‏ أو تصاعد الصراع في أفغانستان بين الأفغان وبعضهم أو بين طرف منهم مع أطراف خارجية متحالفة مع أطراف داخلية‏,‏ كان هناك مصريون مع كل الأطراف‏.‏ وبينما كانت القرصنة تجري في القرن الأفريقي كانت تهاجم سفنا مصرية‏,‏ وتهدد الداخلين إلي قناة السويس‏,‏ وترسل أشكالا مختلفة من الهجرة غير الشرعية‏.‏ فإذا قامت الحرب مع إيران فإنها لن تظل بعيدة عنا‏,‏ والمرجح أننا سوف نواجه مواقف بالغة الحرج‏,‏ ونعاني من آثار لعبة دامية لم يكن لنا يوما يد فيها‏.‏
مصدر الانزعاج والتحذير هنا أن مجلس الأمن اتخذ قرارا في التاسع من يونيو الحالي بفرض عقوبات علي إيران‏;‏ ورغم اعتراض تركيا والبرازيل وامتناع لبنان عن التصويت فإن الدول الخمس الكبري التقت‏,‏ وهي التي تلتقي بصعوبة‏,‏ علي قرار عقوبات يجمع موسكو وواشنطن وبكين علي سياسة للضغط علي طهران تأخذ اتجاها متصاعدا علي فترات معلومة‏,‏ وكلها تجري في مناخ الفصل السابع من السلطات للأمم التي تخول في النهاية استخدام القوة العسكرية‏.‏ وبعد ذلك فإن هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن سيناريو الحرب علي إيران لم يعد سيناريو بعيد الاحتمال‏,‏ أو آخر الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للتعامل مع أزمة الملف النووي الإيراني الذي وصل إلي مرحلة حرجة‏.‏ أول هذه المؤشرات يرتبط بالعامل الزمني‏,‏ فالوقت يمضي والأزمة مستمرة دون استجابة إيران لمطالب المجتمع الدولي‏.‏ ومنذ وصولها إلي البيت الأبيض‏,‏ تبنت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما دعوة الحوار مع إيران ووضعت جداول زمنية متعددة في هذا السياق دون أن ينتهي أي منها بوصول الأزمة إلي تسوية سلمية‏.‏
وكان اتجاه واشنطن إلي الحوار مع إيران قد جاء ضمن السياسة التصالحية التي انتهجتها بهدف تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الجمهورية السابقة‏,‏ وتحسين صورة الولايات المتحدة في العالم‏,‏ والتخلص من أعباء حربي أفغانستان والعراق‏.‏ ويبدو أن الإدارة انطلقت في هذا السياق من أن سياسة رفع العصا في وجه إيران لم تؤد إلي حدوث نجاح يذكر في تسوية الأزمة الإيرانية‏,‏ ومن ثم قررت ولوج الطريق المقابل من خلال فتح حوار مع إيران علي أمل أن يؤدي ذلك إلي الوصول إلي صفقة مرضية للجميع‏,‏ تقلص المخاوف الدولية من برنامج إيران النووي‏,‏ وتساعد علي تحقيق توافق إيراني أمريكي في العديد من الملفات الإقليمية الخلافية في منطقة الشرق الأوسط‏.‏ ومن هذا المنطلق‏,‏ توجه أوباما برسالة إلي شعب وقيادة إيران بمناسبة عيد النوروز في‏20‏ مارس‏2009,‏ دعا فيها القادة الإيرانيين إلي الحوار بهدف تجاوز ما بين واشنطن وطهران من نزاع‏.‏ وفي إطار السياسة نفسها حرصت الولايات المتحدة علي دعوة إيران لحضور المؤتمر الدولي الخاص بأفغانستان الذي عقد بمدينة لاهاي في‏31‏ مارس‏2009‏ لكن إيران تجاهلت دعوة أوباما وأعلن المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي بعد ذلك أن إيران ترفض أي مفاوضات تقوم الولايات المتحدة بفرض نتائجها سلفا‏,‏ وشبهها ب علاقة بين الذئب والحمل‏.‏ وقد جاءت أزمة الانتخابات الإيرانية في يونيو‏2009‏ لتربك حسابات واشنطن فيما يتعلق بالأسلوب الأمثل للتعامل مع إيران‏,‏ ومدي إمكانية الرهان علي إمكانية أن تؤثر الأزمة في السياسة النووية لطهران‏.‏
وعلي خلفية تجاهل إيران لعروض الحوار‏,‏ منح الرئيس أوباما‏,‏ خلال حضوره قمة مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبري في إيطاليا في‏10‏ يوليو‏2009,‏ طهران مهلة حتي سبتمبر‏2009‏ للرد علي دعوة الحوار محذرا إياها من أن العالم لن ينتظرها بلا حدود حتي تنهي تحديها النووي‏.‏ لكن ذلك لم يمنع الولايات المتحدة من المشاركة في الاجتماع الذي عقد بين إيران ومجموعة‏5+1‏ في جنيف أول أكتوبر‏2009,‏ والذي شهد أول لقاء أمريكي إيراني بين الوكيل في وزارة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية ويليام بيرنز وأمين المجلس الأعلي للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي‏,‏ وقد طرح خلال الاجتماع اتفاق تبادل اليورانيوم‏,‏ الذي نص علي أن تقوم إيران بنقل‏75%‏ من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تمتلكه‏(‏ بنسبة‏3.5%)‏ إلي روسيا لرفع نسبة تخصيبه إلي‏19.75%‏ ثم إلي فرنسا لتحويله إلي وقود نووي علي أن يعود مرة أخري إلي إيران لاستخدامه في مفاعلها للأغراض الطبية‏.‏ لكن إيران ماطلت في الرد علي الاتفاق‏,‏ ثم وضعت شروطا عديدة للموافقة عليه‏,‏ منها أن يتم بالتدريج‏,‏ وبالتزامن‏,‏ وأن يجري علي الأراضي الإيرانية‏.‏
ورغم ذلك‏,‏ جددت الإدارة الأمريكية عرضها للحوار مع إيران مرة أخري‏,‏ فبعد عام علي الرسالة الأولي‏,‏ وجه أوباما رسالة ثانية إلي إيران في المناسبة نفسها‏(‏ عيد النوروز‏)‏ في‏20‏ مارس‏2010,‏ جدد فيها عرض إدارته بإجراء حوار مع طهران‏,‏ لكنه توجه إلي الشعب الإيراني أكثر من القادة في طهران‏,‏ مشيرا إلي أنه سيعمل علي توفير شبكة الإنترنت للإيرانيين‏,‏ منتقدا حكام إيران لأنهم عزلوا أنفسهم‏,‏ ومع ذلك تعمدت إيران تجاهل العرض من جديد‏,‏ بل إنها قدمت شكوي رسمية إلي الأمم المتحدة في‏14‏ أبريل‏2010‏ ضد أوباما الذي اتهمته ب ابتزازها نوويا‏.‏
وثاني هذه المؤشرات‏,‏ أن ثمة ضغوطا عديدة تتعرض لها إدارة الرئيس أوباما من جانب إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة فضلا عن بعض التيارات الأمريكية‏,‏ لاتخاذ موقف جدي تجاه إيران‏.‏ فقد استجابت إسرائيل علي مضض لفكرة الحوار مع إيران‏,‏ لكنها طالبت بوضع جدول زمني لها‏,‏ وأكدت أنها لن تؤتي ثمارا إيجابية لجهة تسوية أزمة الملف النووي الإيراني‏,‏ وأن صبرها بدأ ينفد من الحوار مع إيران‏,‏ الذي من شأنه‏,‏ في رؤيتها منح إيران مزيدا من الوقت لتطوير برنامجها النووي‏,‏ كما رفضت في الوقت نفسه استبعاد أي خيار للتعامل مع إيران‏,‏ حتي مع مواصلة واشنطن لسياسة المزاوجة بين الحوار والعقوبات‏,‏ وطلبت إيضاحات من واشنطن عن البدائل التي ستتطرق إليها في حالة فشل هذه السياسة مع إيران‏,‏ معربة عن إحباطها تجاه عدم مبالاة إيران بالضغوط الدولية ومطالب المجتمع الدولي‏.‏ فضلا عن ذلك‏,‏ مارست المنظمات الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة ضغوطا علي الإدارة الأمريكية لاتخاذ سياسة أكثر حزما تجاه إيران‏,‏ حيث وجهت مؤسسة إيباك رسالة إلي الكونجرس الأمريكي في مارس‏2010,‏ طالبت فيها بفرضعقوبات قاسية علي إيران بسبب نشاطاتها النووية‏.‏ كما بذل التيار المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة جهودا حثيثة للضغط علي الإدارة الأمريكية لدفعها إلي التخلي عن فكرة الحوار مع إيران‏,‏ والاتجاه إلي تبني خيارات أخري أكثر صرامة للتعامل معها بما فيها فرض حصار بحري يمنع وصول البنزين إلي إيران‏,‏ كما انتقد عزوف الإدارة الأمريكية عن استثمار الأزمة السياسية التي تواجهها إيران بسبب الانتخابات الرئاسية للضغط علي النظام الإيراني كما فعلت فرنسا وإجباره علي الاستجابة لمطالب المجتمع الدولي‏.‏ ويستند هذا التيار لتدعيم رؤيته إلي أن إيران تتصور أن الدعوة الأمريكية للحوار معها دليل ضعف ينتاب واشنطن بما يجعلها تتمادي في تحديها للمجتمع الدولي وعدم الاكتراث بالضغوط الدولية‏.‏
المؤشر الثالث‏,‏ يتمثل في أن إيران هي الرابح الوحيد من مرور الوقت دون الوصول إلي تسوية لأزمة ملفها النووي‏,‏ حيث حرصت علي زيادة كميات اليورانيوم منخفض التخصيب التي تمتلكها‏,‏ حتي وصلت إلي‏2043‏ كجم حسب تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفعه أمينها العام يوكيا أمانو إلي مجلس الأمناء في‏31‏ مايو‏2010,‏ الذي قال أيضا إن إيران أنتجت ما لا يقل عن‏5.7‏ كجم من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة‏20%‏ حتي بداية أبريل‏2010,‏ ولم يفلح الاتفاق النووي الثلاثي الذي أبرمته إيران مع كل من تركيا والبرازيل في‏17‏ مايو‏2010‏ في تقليص المخاوف الغربية من برنامجها النووي‏,‏ لأسباب عديدة منها أن إيران أكدت عقب التوقيع علي الاتفاق مباشرة مواصلتها لعمليات تخصيب اليورانيوم حتي مستوي‏20%,‏ فضلا عن أن زيادة كمية اليورانيوم منخفض التخصيب التي تمتلكها وتجاوزها حاجز ال‏2000‏ كجم معناها أن الكمية التي من المفترض أن تخضع للتبادل وهي‏1200‏ كجم لم تعد تمثل ثلاثة أرباع ما تمتلكه إيران كما كان ينص اتفاق تبادل اليورانيوم الذي طرح في أكتوبر‏2009,‏ ووافقت عليه الدول الغربية‏.‏
من هنا اقتنعت الولايات المتحدة بضرورة تغيير نهج التعامل مع إيران‏,‏ وهو ما انعكس في ردها علي الاتفاق الثلاثي الأخير‏,‏ حيث قدمت المشروع المشار إليه من قبل لعقاب إيران‏,‏ ويفرض حظرا علي امتلاك إيران حصة في أي نشاط تجاري في دولة أخري ينطوي علي استخراج اليورانيوم وإنتاج واستخدام المواد والتكنولوجيا النووية‏,‏ ويطالب جميع الدول بمنع تزويد إيران بأنواع متعددة من الأسلحة المتطورة‏,‏ كما قرر عدم السماح لإيران بالقيام بأي نشاط يتعلق بالصواريخ الباليستية القادرة علي حمل أسلحة نووية‏,‏ ودعا جميع الدول إلي إجراء عمليات تفتيش لجميع الشحنات المتجهة أو المنطلقة من إيران في المناطق التابعة لها إذا تلقت معلومات توفر أسسا معقولة للاعتقاد بأن الشحنات أو البضائع تحتوي علي مواد تحظرها قرارات مجلس الأمن‏.‏
خروج قرار العقوبات الجديد بهذه الصيغة معناه أن واشنطن نجحت إلي حد ما في تكوين إجماع دولي ضد طموحات إيران النووية‏,‏ وقد اتخذت في سبيل تحقيق ذلك بعض الإجراءات التكتيكية‏,‏ مثل عدم الوقوف كثيرا عند البيان الذي تبناه مؤتمر نيويورك لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي عقد في الفترة من‏3‏ إلي‏28‏ مايو‏2010,‏ ودعا إسرائيل إلي التوقيع علي معاهدة حظر الانتشار النووي وإخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي‏,‏ كما نادي بعقد مؤتمر دولي في عام‏2012‏ لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي‏,‏ وذلك بغرض التحضير لفكرة الحرب علي إيران‏,‏ وتمكين الولايات المتحدة من تشكيل إجماع دولي وإقليمي في حالة اتجاهها إلي هذا الخيار‏,‏ ولا أظن أن النشاط الأمريكي الزائد هذه الأيام بعملية تسوية القضية الفلسطينية ببعيد عن تحضير المنطقة لتطورات هامة‏.‏
المهم‏,‏ أن سيناريو الحرب ذاتها‏,‏ الذي يتم الحديث عنه‏,‏ يدعم تلك الاحتمالات‏,‏ فكل أشكال الحروب التي يمكن تصور تورط أمريكي واسع النطاق فيها غير قائم‏,‏ فما يثار في واشنطن هو حرب من نوعية حرب تحرير الكويت عام‏1991,‏ أو حرب كوزفو ضد صربيا عام‏1999‏ التي تستخدم فيها القوة الجوية في الأساس‏,‏ ليس في شكل ضربة تمهيدية لهجوم بري ما‏,‏ وإنما الاستمرار في شن حرب جوية‏,‏ في ظل أهداف تتعلق بتدمير البرنامج النووي الإيراني والقدرات الصناعية الإيرانية‏.‏ ولكن الحروب عادة لا تأخذ اتجاها واحدا‏,‏ وإيران ليست دولة صغيرة ولديها قدرات وخيارات متعددة في الخليج والبحر الأحمر‏,‏ وإذا كان هناك درس واحد نتعلمه من التاريخ فهو أننا قد نعلم شيئا عن بداية الحروب‏,‏ ولكننا لا نعلم أبدا شيئا عن نهايتها‏!.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.