شهدت جمهورية انجوشيا الواقعة في منطقة القوقاز الإسلامية التي نشب فيها الدب الروسي أظافره والمجاورة للشيشان في الآونة الأخيرة صحوة جهادية ضد الوجود العسكري الروسي الأشبه بالجراد الذي أكل كل شئ حتى الحرث والنسل.
وكما تقول القاعدة السائدة في المجتمع الدولي "عدو عدوي..صديقي" لا نستبعد أن يكون الحراك العسكري وتصادم المصالح بين روسيا من جهة والناتو وأمريكا من جهة ثانية في الملعب الجورجي، قد أثر وألقى بظلاله الإيجابية على موقف المقاومة في القوقاز والشيشان على وجه الخصوص، التي ستتيح لها تقاطع المصالح متنفساً عملياتياً واسعاً ضد الاحتلال.
فعلى مسمع ومرأي من العالم بلغت تأوهات روسيا المكتومة كل ركن وحجر وزاوية في وسائل الإعلام، على إثر عملية نوعية هاجم فيها المجاهدون رتلاً من الآليات العسكرية بالأسلحة الخفيفة والقنابل المضادة للدروع هلك فيها حوالي 50 جنديا للاحتلال دفعة واحدة، على الرغم من إدعاء روسيا إخماد المقاومة رسميا في المنطقة الإسلامية.
وأثبت المجاهدون أنهم يمارسون القتال ضد الاحتلال يومياً –رغم التعتيم- بكفاءة لا تقل عن كفاءة فلاديمير بوتين في ممارسة التايكوندو الذي أتحفنا منذ أيام بمناسبة عيد ميلاده بشريط فيديو يستعرض فيه فحولته التايكوندية عرضه على العالم .
ولمن لم يكن يعلم فإن جمهورية انجوشيا قد عهدت بها روسيا إلي رجلها المخلص "مراد ضيازيكوف" الذي كان مسئولاً في جهاز الأمن الداخلي الروسي "الاستخبارات"، والرجل يديرها بقبضة من حديد، شهدت بذلك منظمات حقوق الإنسان التي تتهم نظامه بقتل وتعذيب الإسلاميين والمعارضين في سجون انجوشيا.
حيث أحصت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان "ميموريال" التي تتابع حالات القتل والاختفاء في القوقاز العام الماضي 83 عملية تصفية جسدية في انجوشيا وحدها ضحاياها مسلمون معارضون، و30 عملية خطف قامت بها سلطات الأمن لم يعثر على أربع من ضحاياها حتى هذه اللحظة.
وتأثرت انجوشيا لسنوات بالمقاومة في الشيشان ، وكالجسد الواحد إذا أشتكي منه عضو، شهدت الجمهورية الإسلامية الصغيرة نسبياً عمليات تفجير وهجمات واشتباكات نفذتها المقاومة ضد قوات الأمن الموالية لموسكو والتي تقدم الدعم للاحتلال في الشيشان.
وليس سراً القول أن الشعب الأنجوشي قد أستقبل النساء والأطفال الهاربين من آتون المجازر الروسية في الشيشان بعد بدء العملية العسكرية الثانية لقوات الاحتلال الروسية في الجمهورية في أكتوبر 1999.
ما زال هؤلاء يعيشون في مخيمات مزرية داخل انجوشيا رغم إعلان دولة الاحتلال انتهاء مجازرها رسمياً، إلا أن الأمهات اللاتي رأين جنازير الدبابات تفرم أجساد أزواجهن تخشي على أولادهن نفس المصير في حال العودة تحت سطوة الاحتلال.
وسبب استقبال الأنجوش لإخوانهم الشيشان هي أن هذا الشعب المسلم قد تعرض للترحيل عن أرضه مثلما حدث في الشيشان بأمر من سفاح الثورة البلشفية جوزيف ستالين عام 1944 بتهمة "التعاون" مع ألمانيا النازية، وهي تهمة تم تفصيلها خصيصاً للمسلمين الذين كانوا في رعاية الخلافة الإسلامية العثمانية قبل اختراقها وانفراط عقدها عام 1924.
وستشهد أنجوشيا في الأيام المقبلة هجمات للمقاومة تستهدف عسكريين وشرطة، ومواجهات بين قوات الأمن الموالية لروسيا والمقاومين الموالين للشيشان، كما ستشهد عمليات عسكرية روسية متسترة ضد مجموعات المقاومة التي يصعب رصدها في مكان واحد فهي ليست "فيلاً"ً ترصده الطائرات والأقمار الاصطناعية، وإنما مجموعات خفيفة التسليح تعتمد حرب العصابات منهجاً لتلقيم أظافر الدب المحتل.
وكان خبراء روس في مجموعة هلسنكي قد زاروا انجوشيا في سبتمبر الماضي ورأوا أن الجمهورية الإسلامية قد أصبحت جمرة ساخنة في قبضة الدب الروسي، محذرين من خطر "حرب" مقاومة ضد الاحتلال الروسي وعملاءه الحاكمين بالوكالة.
ولو صح حدثنا وتم تنشيط جبهة المقاومة في القوقاز سيكون ذلك في مصلحة الناتو وأمريكا جزئياً، على غرار ما حدث في أفغانستان إبان الاحتلال الروسي لها، وبالتالي سيقل الضغط على الجبهة الجورجية التي تعد رأس حربة غربية في خصر الدب الروسي.
وحينها لا بأس أن تضع أمريكا يدها مع "عدو عدوها" – المقاومة- ولو من وراء ستار، وأن نري في الأيام المقبلة صواريخ أمريكية الصنع تسبح الله فوق أكتاف المجاهدين الشيشان..ولكن كلُ بحسب نيته..ولسان حاله يقول :ولنا في الاتفاق مآرب أخري!!