شغل تعبير"الوحدة الوطنية الفلسينية" حيزا واسعا فى الفكرالسياسى الفلسطينى، وواقع الحركة النضالية الفلسطينية، منذ ثلاثينيات القرن العشرين..أى فيما قبل نكبة 1948، مما يعنى أن المكانة التى حاز عليها التعبير لم تكن مجرد رد فعل على واقعة بعينها، وإنما ظل أكثر إرتباطا بوحدة "القوى السياسية" العاملة فى الميدان الفلسطينى منه بوحدة الشعب الفلسطينى، التى لم تجدى معها محاولات العدو الصهيونى نحو تفكيكها، ذلك من خلال دفع القوى المختلفة إلى الإقتتال الأهلى، خاصة منذ توقيع إتفاق أوسلو، لكن هذا لم يتحقق نتيجة الوعى الشعبى الفلسطينى، وإدراكه لأهمية البقاء كتكلة واحدة فى مواجهة الإحتلال الصهيونى، وغياب أية فئة تجرؤ على لعب الدور المذكور، لتبقى كافة المحاولات من هذا النوع محدودة جدا، وعاجزة عن أى تأثير فعلى.
بالمقابل فقد عبر الوعى المشار إليه عن نفسه، من خلال سلسة من الإنتفاضات، التى حدثت فى ظل وجود أزمة الوحدة الوطنية، وبإجماع كافة التيارات على المواجهة الموحدة فى الميدان، على غرار ما حدث عامى 1996و1999، بل أيضا خلال الإنتفاضة الشعبية الفلسطينية على نطاق واسع فى سبتمبر2000، لتضع الأمور فى نصابها الصحيح، ولتخلق مجموعة من الوقائع الجديدة على الأرض، سرعان ما عكست جملة من الدلالات الهامة، لعل ابرزها:
- سقوط وهم المراهنة على التسوية مع العدو - تأكيد وحدة الشعب الفلسطينى فى المواجهة، على إمتداد الأرض الفلسطينية كلها، ذلك من خلال مشاركة الفلسطينيين فى الأراضى المحتلة عام48فى الإنتفاضة
- إعادة الإعتبار للقضية الفلسطينية، بوصفها القضية المركزية فى الصراع العربى- الإسرائيلى (الصهيونى) ويبدو أن تلك الدلالات الجديدة هى ما أفضت فى نهاية المطاف إلى صعود قادة حركة حماس إلى سدة الحكم، وهذا فيما بعد أن رجحت كفتها فى الإنتخابات العامة2006، بل أيضا فيما بعد الإنسحاب الإسرائيلى من غزة، ذلك على إعتباره نصرا مضاف لما حققته المقاومة.
صاحب ذلك وعلى الجانب الأخر رفض تام من حكومة أولمرت العودة مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، مع رفض حكومة حماس الإعتراف بإسرائيل، وهو ما أدى إلى إلتجاء الحكومة الإسرائيلية إلى سياسة الحصار، وتصعيد هجومها العسكرى عل الشعب الفلسطينى، مما أربك حسابات حماس، نتيجة لما أفضت إليه سياسة الحصار الإسرائيلى من تفجر الأوضاع الفلسطينية الداخلية، ومطالبة بعض الفصائل بتنحيها عن السلطة، وهو ما أستجاب إليه الرئيس الفلسطينى المنتخب محمود عباس من خلال دعوته إلى تشكيل"حكومة وحدة وطنية"، للخروج من المأزق الحالى، ولكن فشلت كافة الجهود حتى الأن فى تحقيق ذلك، ذلك رغم إنجاز إتفاق مكة، والذى وضح أن حماس أرادت منه فقط كسب المزيد من الوقت وليس تحقيق المصالحة الوطنية.
وفى ظل الأوضاع السيئة التى يعيشها الشعب الفلسطينى وعلى كافة الأصعدة، خاصة الوضع الأمنى المتردى.. يبدأ فى التاسع من نوفمبر - قبيل أيام معدودة من ذكرى رحيل الرئيس والقائد ياسر عرفات فى 11/11- الاجتماع الرسمي للحوار الفلسطيني – الفلسطيني، الذي سيعقد في القاهرة كحلقة جديدة فى مسلسل إعادة لم الشمل الفلسطينى، ومحاولة الإتفاق من جديد على أجندة معلنة الأهداف فى سبيل تحقيق حلم الوحدة الوطنية.
وقد عقد وفد من حركة حماس محادثات مع المسئولين المصريين تمهيدا لإطلاق حوار شامل بين الفصائل الفلسطينية، ودعا القيادي بحركة فتح عزام الأحمد حركة حماس إلى الموافقة على الخطة المصرية, التي قال إنها تحظى بموافقة باقي الفصائل، والتى تقضي بتشكيل حكومة إنتقالية تكون مهمتها فك الحصار والإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة وإصلاح قوات الأمن في غزة تحت إشراف عربي. إلا وإنه وعلى الرغم من الحاجة الماسة إلى مثل هذا الإتفاق بين مجموع الفصائل الفلسطينية، إلا أن المخاوف من عدم التوصل إليه لازالت تطل برأسها، بل وهناك ما يطرح التساؤل: وإذا حدث ذلك فهل سيتم الإلتزام به أم يلقى مصير إتفاق مكة؟، وهل يمكن للفلسطينيين الاستمرار في الوضع الحالي؟.. وإلى متى؟.
وبعيدا عن التكهنات بما ستسفر عن مجريات الأحداث فى القريب، لابد من النظر إلى الواقع الفلسطينى الحالى والذى يشير إلى إنه من إحدى أسباب تفاقم الأوضاع هو إفتقاد التواصل بين الشعب والحكومة، حيث عملت حكومة حماس على أساس إنها لن تتترك يوما الحكم، بعدما وصلت إليه، ولم تعى إنها انتخبت لتنفيذ برنامج أجمع عليه المواطنون فى الشارع الفلسطينى، بل وزادت على ذلك بسيل من التنازلات فى سبيل إحتفاظها بالحكم، كان أكثرها غرابة عرض هدنة طويلة مع سلطات الإحتلال وهى التى جاءت بخيار المقاومة، رافعة شعار عدم الإعتراف بالوجود الإسرائيلى.
وهنا بالأخص نود التذكير إنه عند توقيع إتفاقية أوسلو جرى إعتراف متبادل من جانب منظمة التحرير وإسرائيل بوضعية الطرفين، ووقع الإتفاق بموافقة كافة الفصائل، وأود الإشارة هنا إلى أن حماس جاءت بعد ذلك، وقد نصت تلك الإتفاقية على إجراء إنتخابات رئاسية وبلدية، وتمت بالفعل فى 1996، ولم توافق حماس على المشاركة فيها بحجة إنها لم تكن من ضمن الفصائل الموافقة على توقيعها.
لكن وفى عام 2006 تمت المشاركة من جانبهم، وبالتالى فإن هذا يعد إعترافا ولو ضمنيا منها الأن بقبولها لها، ومن ثم إعترافها بإسرائيل، وهو ما يشكك فى صحة موقفها من عدم الإعتراف. وقد أفضت مجمل تراكمات حسابات السلطة تلك إلى توقف الحياة تماما فى الأراضى الفلسطينية، وعدم التقدم على أى المسارين سواء الداخلى أو الخارجى، فمن ناحية لم تقدم حماس أى علاج لألام المواطن الفلسطينى من جراء الحصار المفروض من جانب العدو الصهيونى، ومن ناحية أخرى لم تستطع التقدم على طريق المفاوضات.
واليوم فإن الشعب الفلطسينى أمام تهددين أساسين.. أولهما هوالحصار الإسرائيلى، وما نتج عنه من معاناة لكافة الفئات. أما ثانيهما فهو متعلق بحالة الإنفلات الأمنى التى تسود الشارع الأن، وبالتالى عدم شعور المواطن بالأمن، وهو ما يتطلب بالضرورة تضافر جهود كافة التيارات.
لذلك فإن المطلوب الأن وإلى جانب تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هو الإتفاق على برنامج واضح محدد الأهداف، فى سبيل الخروج من المأزق الحالى، على أن يكون من ضمن أهم أهداف هذا البرنامج، هو فك الحصار والعودة إلى مائدة المفاوضات للخروج من الوضع المتأزم الذى يعانى منه المواطن والقضية الفلطينية برمتها، وهى تقريبا أهم الملامح الرئيسية التى حملتها الورقة المصرية إلى كافة الفصائل فى إنتظار الإتفاق عليها. وعلى الرغم من عدم الإختلاف بين فتح وحماس على تحقيق تلك الأهداف، إلا إنه وكما يبدو أن أزمة إفتقاد الثقة بين الطرفين هو ما يعد العائق الأساسى أمام التوصل إلى إتفاق حتى الأن. ففي حين يريد ممثلى حماس ضمان الأغلبية لهم فى أية حكومة قادمة، وبالأخص الحفاظ على هيمنتهم على الوزارات السيادية مثل الداخلية والمالية.. يرى قيادي فتح أن القضية ليست قضية توزيع مناصب، بل وإذا ارادت حماس العودة للسلطة فلتعود، ولكن عليها إخراج الشعب من الوضع المتأزم الحالى، وإذا لم تستطع فعليها التنحى جانبا وإفساح المجال أمام الغير لتحقيق ما هو مطلوب.
أيضا يأتى من ضمن أهم العقبات الماثلة أمام الإتفاق الفلسطيني – الفلسطينى هو إختلاف طرق وأساليب تحقيق ما أتفقت عليه كافة التيارات السياسية فيما بينها من أهداف عامة، يعد أبرزها وأهمها هو ضرورة تحرير وإستعادة الأرض المحتلة، والعودة إلى حدود يونيو1967.
وبعد نستخلص أن الخطوة المطلوبة الأن هى تحقيق حلم الوحدة الوطنية، بل وإرتقاء إتخاذ تلك الخطوة إلى مستوى الضرورة، أيضا إرتكازها إلى برنامج مواجهة واضح المعالم محدد الأهداف، ما يقتضى وضع محصلة التجارب السابقة وعبرها، أمام أى جهد جدى، نحو الإستجابة لتلك الضرورة. أولى العبر وأهمها، تكمن فى الإستجابة الدقيقة إلى نبض الجماهير، وتبنى برنامجها، وهو فى تلك الحالة برنامج الإنتفاضة القائم على:
- مقاومة الإحتلال للأراضى الفلسطينية
- عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وممتلكاتهم وأراضيهم، التى أقتلعوا منها فى1948
- عدم التفريط فى القدس كعاصمة أبدية للشعب الفلسطينى وهو ما يفضى إلى فهم وتعزيز الحقائق التى رسمتها الإنتفاضة على الأرض، التى يأتى فى مقدمتها سقوط وهم المراهنة على التسوية السلمية مع العدو، وإن إستمرت تلك المراهنة، فإنها ستسقط جوهر برنامج الإجماع، وبالتالى لن تتحقق الوحدة الوطنية، أو إنها ستسقط فى بئر الأزمة من جديد. لكن السؤال المطروح الأن هو: هل سيتم السير نحو الخطوة الصحيحة المطلوب إتخاذها؟.
لعل كل الوقائع الماثلة على الأرض، من حيث وحدة صف الشعب فى إطار مواجهة العدو، ووجود طرف صهيوني لا يخفى أهدافه الحقيقية، تجعل الإجابة عن السؤال هى الإيجاب، بل وتفرض السرعة فى إتخاذ الخطوة المشار إليها، لكن وعلى الرغم من ذلك تبقى الإجابة فى يد الأيام القادمة وحدها، ومن ثم بقاء كافة الخيارات متاحة للأخذ بها حسب سير الأوضاع.