باكستان.. إلى أين؟ احمد عمرابي رسالة واشنطن إلى الجنرال مشرف تبدو كطلقات رصاص تحذيرية يجب الإفراج عن المعتقلين، ويجب التوقف عن ضرب الناس في الشوارع، ومن الضروري أن تعود حرية الصحافة، وأخيراً، وليس آخر: «نتوقع عودة سريعة إلى الديمقراطية»، وخاتمة الرسالة هي «أن لصبر الولاياتالمتحدة حدوداً». إنها على ظاهرها رسالة تجمع بين القوة والوضوح.. لكن هل تنطوي على مصداقية بنفس القدر؟
بكلمات أخرى: هل عقدت إدارة بوش العزم فعلاً على استعادة النظام الديمقراطي في باكستان كاملاً غير منقوص بما يكفل من كمال التعددية وبما يتضمن من إجراء انتخابات عامة نزيهة؟
بصرف النظر عن قوة ووضوح الإنذارات الأميركية فإن الهاجس الأعظم الذي يقرر طبيعة التحرك الأميركي في الساحة السياسية الباكستانية يبقى دائماً وأبداً هو مواصلة «الحرب على الإرهاب».. أي الاستمرار في محاربة حركة طالبان وحليفها تنظيم «القاعدة» في الداخل الأفغاني على الجوار الجغرافي مع باكستان.
على هذا النحو فإن الدور الذي تريده واشنطن للنظام الحاكم في إسلام أباد أيا تكون تركيبته يتكون من مهمتين: أولاً أن يتولى الجيش الباكستاني محاربة الميليشيات القبلية المتحالفة مع أبناء عمومتهم «البشتون» في حركة طالبان، وثانياً.. أن تنتهج السلطة سياسة قمعية صارمة من أجل لجم وتحجيم الأحزاب والمنظمات الإسلامية الباكستانية التي تتعاطف مع طالبان وتدعمها سياسياً.
من هذا المنظور الازدواجي تتعامل الإدارة الأميركية مع مشهد الفوران السياسي المتصاعد حالياً في الساحة الباكستانية. ووفقاً لهذا المنظور فإن المشهد الفائر ينبغي أن يفرز خلطة سلطوية ذات طابع عسكري مدني، تكون بالضرورة ملتزمة بمواصلة «الحرب على الإرهاب».
وإذا أخذنا في الاعتبار أن السيدة بنازير بوتو التي أصبحت الآن تطرح نفسها كقائدة لانتفاضة الشارع ضد النظام الحاكم لا تقل التزاماً عن الجنرال مشرف إن لم تتفوق عليه كحليف لإدارة بوش في معاداة حركة طالبان ومنظومة الميليشيات القبلية الباكستانية والمنظمات الإسلامية الداخلية فإن السلطة الجديدة التي تتصورها واشنطن ينبغي أن تتكون من المؤسسة العسكرية و«حزب الشعب الباكستاني» الذي تتزعمه بوتو.
ولركوب موجة الشارع يبدو أن واشنطن لا تمانع في التضحية بالجنرال مشرف أو على الأقل حمله على ترك منصبه العسكري كقائد للجيش، وفي هذه الحالة يبقى الجنرال رئيساً للجمهورية وتشاركه السلطة السيدة بوتو في منصب رئيس الوزراء.
في كل الأحوال فإن مثل هذه التوليفة ستكون ذات طابع انتقالي. فالشارع لن يهدأ إلا إذا حدد موعد معين لإجراء انتخابات عامة وفي وقت قريب، وهنا تدخل المسألة مرحلة حرجة من وجهة نظر واشنطن.
أجل تستطيع الولاياتالمتحدة أن تحتفظ بسيطرتها على المؤسسة العسكرية الباكستانية. فحتى لو تحول مشرف إلى حاكم «مدني» فإن باستطاعة الإدارة الأميركية أن تأتي بأحد الجنرالات الباكستانيين الآخرين الموالين للولايات المتحدة ليحتل منصب القائد العام للقوات المسلحة.
ولكن كيف تستطيع الإدارة الأميركية أن تتحكم في العملية الانتخابية ونتائجها لتضمن فوزاً كاسحاً لحزب السيدة بوتو ومنع المنظمات الإسلامية من إحراز مثل هذا الفوز. كما رأينا فإن الإدارة الأميركية تطالب الآن بإجراء الانتخابات..
وكأنها واثقة من فوز بوتو، وهذه الثقة لا يمكن إلا أن تعكس أن باكستان أصبحت على موعد مع انتخابات ستكون مزورة من أولها لآخرها كما تفيد سوابق في التاريخ السياسي القريب لباكستان. عن صحيفة البيان الاماراتية 11/11/2007