تنسيق الجامعات 2025.. أماكن شاغرة لطلاب المرحلة الثانية في كليات "الطب البيطري والتمريض والعلوم"    الانتهاء من تجهيز جميع المقار الانتخابية بمدينة الزينية استعدادا لانتخابات مجلس الشيوخ    كل ما تريد معرفته عن مبادرة «مدرستك في مصر» التي أطلقتها الخارجية والتعليم    البابا تواضروس يختتم ملتقى لوجوس الخامس بمشاركة شباب الأقباط من 44 دولة    ننشر أبرز أنشطة وفعاليات جامعة أسيوط خلال الأسبوع الماضي    وزير الري يحذر باتخاذ الإجراءات القانونية بشأن الآبار الجوفية المخالفة    شركة ضمان المخاطر: توفير ضمانة ب 250 مليون جنيه لتمويل جمعية "المبادرة"    وزارة الخارجية والهيئة العامة للرقابة المالية توقعان بروتوكول تعاون في إطار مبادرة «تأمينك في مصر»    اعتماد تخطيط وتقسيم 6 قطع أراضي لإقامة مشروعات عمرانية بالسادس من أكتوبر    بدء تداول أسهم الوطنية للطباعة الثلاثاء المقبل    سلامة الغذاء: فحص 502 طلب تظلم وارد من الموانئ المصرية في أسبوع    مكتب نتنياهو يعلق على اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى    السلطات السورية تتهم مجموعات مسلحة في السويداء بخرق اتفاق وقف إطلاق النار    وزير الإعلام الأردني الأسبق: مصر والأردن خط الدفاع الأول عن فلسطين    ارتفاع عدد شهداء مجازر الاحتلال ضد منتظري المساعدات في غزة    رغم إعلان رحيله.. سون يقود تشكيل توتنهام ضد نيوكاسل يونايتد وديًا    قائمة منتخب مصر للشباب لمواجهة الأهلي الودية    الآلاف يؤدون صلاة الجنازة على محمد أبو النجا "بونجا" بالإسماعيلية.. فيديو وصور    سواريز يقود إنتر ميامي للفوز أمام نيكاكسا في كأس الدوريات    "قضية الفيديوهات الخادشة".. قرار قضائي بشأن البلوجر هدير عبد الرازق    4 نعوش في جنازة واحدة.. سوهاج تشيع جثامين ضحايا دهس قطار الصعيد- صور    انتشال جثمان طفل غريق بمنطقة المكس غربي الإسكندرية    أصالة عن زوجها فائق حسن: "بيعدل في الشغل لكن مش هيقدر يعدل بين امرأتين"    عروض فرقة الأنفوشي وأطفال أوبرا عربي تشعل "صيف بلدنا" بدمياط الجديدة    راغب علامة يؤكد احترامه لقرارات النقابة.. ومصطفى كامل يرد: كل الحب والتقدير    الأسبوع المقبل.. انطلاق صالون ماسبيرو الثقافي من استديو أحمد زويل    27.2 مليون خدمة.. ماذا قدمت حملة "100 يوم صحة" خلال 18 يومًا؟    محافظ الإسكندرية: استمرار تكثيف القوافل الطبية المجانية بنطاق الأحياء    يخفض الكوليسترول ويضبط السكر.. فوائد مذهلة لماء الشعير    المثقف العربى |بين التورط الطائفى وغياب الموقف    "روكي الغلابة" يعتلي شباك التذاكر ب13 مليون جنيه في 4 أيام فقط    65 لجنة .. انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية بأسيوط    محافظ أسيوط: براعم المصارعة يحصدون 6 ميداليات في بطولة الجمهورية    الأطباء البيطريين توضح موقفها من عمومية المهن الطبية وتدعو للوحدة والإصلاح    الخارجية والهيئة العامة للرقابة المالية توقعان بروتوكول تعاون فى إطار مبادرة "تأمينك في مصر"    نجم هولندا الشاب يكمل الفحص الطبي وينتقل إلى تشيلسي    خلاف كبير بين جيش الاحتلال ورئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن مستقبل غزة.. ماذا يحدث؟    رئيس جامعة القاهرة يشارك في فعاليات قمة «ستارت» لاختتام أنشطة «التضامن» بالجامعات    مصادر حكومية هندية: نيودلهي ستواصل استيراد النفط الروسى رغم تهديدات ترامب    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان مهم من الأصاد يكشف حالة الطقس غدًا الاثنين    بالفيديو| الأقواس التسعة.. رمز فرعوني قديم يلهمنا لمواجهة تحديات اليوم    خبير سياسات دولية: مصر ثابتة فى دعم غزة ودورها التاريخى لا يمكن التقليل منه    اليوم.. محاكمة 22 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية    طه عزت: المادة 63 بلا تحصين.. وننتظر حكم «التحكيم الرياضي» بشأن بطل الدوري    الحبيب علي الجفري: الإخوان واليهود يد واحدة    وزير الخارجية والهجرة: دعم كامل للمصريين بالخارج وتوحيد صفوف الجاليات    وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 18 شخصا غالبيتهم من منتظري المساعدات بمناطق مختلفة من قطاع غزة منذ فجر اليوم    أسعار الخضراوات والفاكهة اليوم الأحد 3 أغسطس 2025    كتب ممنوعة (1)    «فتوى» برائحة الحشيش    مديرة مديرية الصحة بالإسماعيلية تتفقد سير العمل بوحدة الكيلو 17 (صور)    "بن قلبي".. 8 صور لمحمود بنتايج "ببدلة" التتويج والجمهور يعلق    دعاء الفجر | اللهم فرج همي ويسّر لي أمري وارزقني رزقًا مباركًا    أحمد كريمة: قائمة المنقولات لإثبات حقوق الزوجة ومرفوض تحويلها لسيف على رقبة الزوج وسجنه (فيديو)    السيطرة على حريق شقة سكنية فى منطقة الوايلى دون إصابات    القبض على التيك توكر شاكر بكافيه في القاهرة الجديدة    "الدنيا ولا تستاهل".. رسالة مؤثرة من نجم بيراميدز بعد وفاة بونجا    مشروب صيفي شهير لكنه خطير على مرضى الكبد الدهني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الروسية الجورجية .. النتائج والأبعاد
نشر في محيط يوم 01 - 09 - 2008


الحرب الروسية الجورجية .. النتائج والأبعاد

د. محمد مسلم الحسيني

وعد الرئيس الجورجي "ميخائيل ساكاشفيلي" شعبه، إبان عملية الإنتخابات التي أدت الى توليه كرسي الحكم في جورجيا ، بتحقيق هدفين ستراتيجيين هامين وهما ضم جورجيا الى عضوية حلف شمال الأطلسي" الناتو" وإستعادة الإقليمين المنفصلين عن جورجيا "أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا" وضمهما الى أحضان البلد الأم. إلا أن الرياح قد سارت بما لا تشتهيه أجندة هذا الرئيس، حيث أجّل حلف الناتو عملية إنضمام جورجيا للحلف الى أجل غير مسمّى خلال قمته الإعتيادية الأخيرة في بوخارست في شهر نيسان "أبريل" الماضي. هذا المطلب الجورجي الذي لم يتحقق رغم التشجيع والدفع الأمريكي له قد فوّت فرصة حماية حلف الناتو لجورجيا فيما لو تعرضت الى هجوم عسكري خارجي.
الهدف الثاني الذي سعى الرئيس الجورجي اليه هو إسترجاع الإقليمين المنفصلين الى الحضيرة الجورجية، وهذا هدف يصعب تحقيقه بسبب التحذير الروسي بالتدخل العسكري المباشر حال قيام القوات الجورجية بإجتياح أيّ من الإقليمين المذكورين ذات الأكثرية السكانية الروسية. لم يكن أمام الرئيس الجورجي المتغطرس إلاّ حلين لا ثالث غيرهما : فهو إما أن يصبر على مضض لحين إنضمام بلده الى حلف الناتو كي يكون مدعوما بحماية غربية وهذا ما يتطلب إنتظارا ربما يطول، أو يقوم بمغامرة إجتياح هذين الإقليمين فيجس النبض ويحرك الساكن ويجرب حظه العاثر معتمدا على المظلة الأمريكية التي ستحمي رأسه من الغيوم الروسية الماطرة. يبدو إن حساباته قد رجحت عملية الإجتياح وهبت قواته في منتصف الليل تجتاح أراضي جمهورية أوسيتيا الجنوبية فحصل ما كان يتوقعه المحللون السياسيون من تدخل عسكري روسي عنيف لحماية هذا الأقليم وطرد القوات الجورجية الى عقر دارها.
الحرب توقفت ولكن نتائجها ومضاعفاتها وأبعادها لم تتوقف بعد.... الحليف الأمريكي الستراتيجي، الذي تأتي قواته في العراق بالمنزلة الثالثة من حيث العدد والعدة بعد القوات الأمريكية والبريطانية، يهزم وتطارده القوات الروسية أمام أنظار العالم . روسيا المنسية في خضم الأحداث تحقق نصرا ستراتيجيا حاسما في تقليم أضافر حكومة تبليسي وتزرع الثقة والثبات في نفوس الإنفصاليين الروس من سكان الإقليمين الإنفصاليين. تقف أمريكا عاجزة عن لعب دور حاسم وهام كما كان ينتظره منها حليفها رئيس جورجيا. الإتحاد الأوربي ينقسم على نفسه بين داعم لساكاشفيلي ومنتقد له.
تنفست روسيا الصعداء بعدما كانت تعاني من ضيق النفس الشديد الذي سببه الغرب لها في حشرها بزاوية ضيقة لا تستطيع الحراك فيها وذلك من خلال توسيع حدود حلف الناتو الذي بدأ يزحف على حدودها ويضيق الخناق عليها من جهة، ومن خلال مشروعه في نشر الصواريخ الإعتراضية قرب حدودها من جهة أخرى. الألم الروسي المزمن الحاصل من تحجيم الغرب لصربيا الأرثودوكسية وأعترافه بإقليم كوسوفو لم تتعافى روسيا منه بعد، إلاّ أن صرخة الألم الروسية الجديدة لم ولن تمر دون ردة فعل غربية تضرب على مكامن الألم وتثيره مرة أخرى رغم وفرة المسكنات .
وهكذا فالمحلل السياسي يرى بأن لهذه الحرب المتوقفة نتائج وأبعاد منظورة ومستترة يجب الوقوف عندها والتمحص فيها ومداولتها ومنها :

1- وجدت الحكومة الأمريكية بأن الفرصة قد حانت الآن لتوقيع معاهدة ستراتيجية بينها وبين بولندا من أجل نشر منظومة الصواريخ الإعتراضية في قاعدة قرب السواحل البولندية على بحر البلطيك، وهكذا قد حسمت أمريكا الموقف المعلّق ووجدت المبرر الذي لا يجعلها تستحي أو تتهيب من الرفض الروسي المستمر لهذا المشروع.

2- وعد حلف الناتو جورجيا بدراسة طلب إنضمامها جديا لعضوية الحلف وذلك خلال مؤتمره الإستثنائي في 19 آب "أوغسطس" ووعد بتقديم المساعدة المادية واللوجستية والعينية لها. إنضمام جورجيا الى أحضان حلف الناتو يعني تهديدا صريحا لروسيا بسبب إمكانية نشر صواريخ تابعة للحلف في الأراضي الجورجية المتاخمة لحدودها وهذا ما يشكل تهديدا مباشرا لإستقرارها. كما أن الروس سوف يترددون كثيرا في زج قواتهم المسلحة بأي نزاع عسكري مباشر مع جورجيا في حال إنضمام الأخيرة للحلف لأنها ستحظى بالدعم العسكري المباشر من قبل دول الحلف حال نشوب أي نزاع عسكري معها .

3 - أعلن كل من إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية إستقلالهما نهائيا عن جورجيا قبل أن تصبح جورجيا عضوا في حلف الناتو وهذا ما حتم إعتراف روسيا بهما رسميّا وحمايتهما من إي إعتداء خارجي. هذا الأمر أثار حفيظة جورجيا وأبقى أمر "تحرير" هذين الإقليمين من براثن روسيا هدفا وطنيا ستراتيجيا لجورجيا، مما ينذر بنشوب نزاعات عسكرية مستمرة في تلك المنطقة قد تؤثر على حالة الإستقرار العالمي بشكل أو بآخر.

4- ردا على توقيع معاهدة ستراتيجية أمريكية بولندية لنشر الصواريخ الإعتراضية في الأراضي البولونية صرّحت روسيا بأنها ستدرس تسليح أسطول البلطيق برؤوس حربية ، أي تزويد الغواصات الروسية والسفن الحربية والقاذفات الجوية التابعة لأسطول البلطيق برؤوس نووية، وهذا يعني رجوع الحرب الباردة من جديد بين روسيا والغرب.

5- قامت "إسرائيل" بتدريب الجيش الجورجي وتزويده بأسلحة مختلفة مما أثار ردود فعل روسية تمخضت عن وعود بتزويد الجيش السوري بصواريخ " إسكندر" المتطورة وهي من نوع أرض- أرض يبلغ مداها 200 كم وقادرة على حمل رؤوس نووية. كما يرى بعض المحللين السياسيين بأن لإسرائيل يد مباشرة في دفع الرئيس الجورجي بإرتكاب حماقة إجتياح أقليم أوسيتيا الجنوبية، معتمدين على حقيقة أن وزير الدفاع الجورجي" ديفيد كيزراشفيلي" إسرائيلي الأصل وله صلات مباشرة وإتفاقيات عسكرية مبرمة مع الجانب الإسرائيلي. كما أن تصريحات رئيس جورجيا بهذا الشأن تثير الشكوك حينما قال" هنا الحرب والسلام كلاهما بأيدي يهود إسرائليين" وكان يعني وزير الدفاع ووزير المفاوضات وكلاهما أسرائيليان!

إستمرار المساعدات العسكرية الإسرائيلية لجورجيا يعني فتح صفحة جديدة من التعاون العسكري في مختلف الوجوه بين روسيا وسوريا ، وزيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة الى موسكو تدعم هذا التصور.
6- قد تهدأ الأمور ويتوقف السجال السياسي والعسكري بين أطراف النزاع وتنسحب روسيا كليا من أراضي جورجيا وتتوقف عن مطالباتها بتنحي الرئيس الجورجي عن منصبه، فتكون قد كسبت إستقرار الإقليمين الإنفصاليين وعدم تعرض حكومة تبليسي لهما على الأقل في المدى المنظور. هذا التصور قد تتولاه الأطراف المتنازعة من أجل إيقاف ناقوس الخطر الكامن وراء أي تصعيد عسكري واقعي او وهمي بين روسيا والغرب . أو ربما تتطور الأوضاع وتتضاعف المعضلات من خلال عدم إحترام الأطراف لشروط وقف إطلاق النار أو من خلال الضغوطات الغربية على روسيا في مختلف الوسائل ومحاولة عزلها. التسريع في عملية إدماج كل من أوكرانيا وجورجيا في عضوية حلف الناتو يعتبر بحد ذاته تهديد عسكري مباشر لروسيا من قبل الغرب والذي ربما يدفعها الى إتخاذ خطوات إنتقامية أخرى.

أهم ما تستطيع روسيا عمله لكسر شوكة دول الغرب وقض مضاجعها هو التحالف مع أطراف لها تأريخ عدائي مع أمريكا مثل أيران وسوريا وكوريا الشمالية والصين. فرغم أن المحور الأمريكي هو الأقوى والأكبر في المعادلة إلاّ أن المحور المعادي سيكون مؤثر وفعّال ويشكل خطرا مستطيرا على إستقرار الوضع الأمني والإقتصادي العالمي ، خصوصا في ظل إرتفاع أسعار مصادر الطاقة التي تهدد بشكل جدي مستقبل الإقتصاد العالمي وحيثياته. تحالف الروس مع الإيرانيين قد يفسح المجال لإيران بأن تفلت من عنق الزجاجة وتمضي قدما بمشروعها النووي العسكري. كما أن الجيش الروسي قد يقوم ببناء قواعد عسكرية برية وجوية وبحرية على الأراضي السورية تواجه القوات الأمريكية المنتشرة في العراق وتجعلها بين كفي كماشة. وهكذا ستعطي عمقا عسكريا ستراتيجيا هاما لسوريا أمام "إسرائيل" وتخلصها من التهديدات الإسرائيلية - الأمريكية . وفوق هذا وذاك فأنها سوف لن تتردد عن نصب بطاريات صواريخ روسية متطورة مضادة للطائرات في مناطق نفوذ حزب الله في الجنوب اللبناني.
هذا التصور النظري المصاحب لفرضية إستمرار وتفاقم النزاع الروسي- الجورجي يعني، في حالة حصوله، خلق خارطة نزاع عالمية جديدة تنذر بكوارث قد يكون لها بداية ولكن يصعب التكهن في تفاصيل نهايتها!
** بروكسل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.