العراق بين الاحتلال والتمزق الداخلي د. يعقوب احمد الشراح جاءت القوات الاجنبية الى العراق لتحريره من النظام الصدامي البعثي الذي حكم بالحديد والنار قرابة 30 عاما، وبعد غزوة للكويت، وتبلور واقعه بأنه من أعتى الانظمة الديكتاتورية في العالم، اتفق العالم على تغيير هذا الواقع الخطير بهدف خلق نظام ديموقراطي جديد لا يكون مصدر تهديد وتخويف لشعبه او لدول المنطقة، الكثير من التغييرات حدثت في العراق منذ دخول القوات الاجنبية وحتى يومنا هذا ذهبت فيها آلاف الارواح من الابرياء المدنيين، ومازالت التفجيرات والانفلاتات الامنية لا تتوقف رغم محاولات ضبط الامن كلها، وملاحقة المتسببين في كثرة الخسائر، ودخول الارهابيين من الخارج، فضلا عن تدخلات بعض الدول في الشأن العراقي. لا شك ان القوات الاجنبية في العراق، وبالذات القوات الاميركية تكبدت خسائر كثيرة، خصوصا في الارواح جراء محاولاتها ملاحقة المسلحين في المدن العراقية، وسعيها الى ضبط الامن وتعاونها مع القوات العراقية لكن الاوضاع الامنية مازالت سيئة ولا يبدو في الافق ان الامن في العراق سيكون مستتبا، وان الدولة قادرة على حماية ارواح الناس، او ان القانون سيسود على الجميع. ويبدو لنا من الواقع العراقي، والتحليلات السياسية والامنية، ان تدهور الامن في العراق سيستمر اعواما طوالا وسيزداد بعد خروج القوات الدولية، ما يعني ان التدهور الامني العراقي ليس سببه المباشر وجود قوات التحالف كما يدعي البعض الآن، وانما له اسباب اخرى مثل الطائفية، والصراع على السلطة، والخلافات الداخلية المذهبية والفكرية، والتدخلات الخارجية المتمثلة في دخول الارهابيين، وتشكل الميليشيات والفصائل التي تحمل السلاح وتستخدمه في وجه بعضها البعض، ونتيجة ذلك كله فإن ابناء العراق يتقاتلون مع بعضهم البعض ولا يحاربون القوات الاجنبية كما يدعى ان هناك مقاومة للمحتل، او مقولة ان استتباب الامن لا يمكن ان يحدث، مادامت القوات الاجنبية تحتل الدولة العراقية. لذلك فإن تنامي الدعوة هذه الايام وبشكل لافت بضرورة خروج القوات الاجنبية من العراق من اجل الحفاظ على حرية العراقيين، وانتشار الامن، والوحدة الوطنية وغيرها من شعارات انما القصد منها اتاحة المجال للناشطين الحزبيين وللقوى الاجنبية غير المحتلة ان تتاح لها الفرصة المناسبة لتسيطر على السلطة وتتمكن من بسط نفوذها على العراق. خروج القوات الاجنبية في هذا الوقت ليس في صالح العراق، فالعراق مازال ضعيفا ممزقا تتقاذفه الامواج من كل جانب. فهو ان كان لا يقدر على بسط نفوذه على المدن العراقية، فكيف يستطيع ان يحكم في اوضاع لا يجد سندا ودعما له من احد؟ اما خروج القوات البريطانية من البصرة في اطار فلسفة بسط نفوذ القوات العراقية على الامن فقد كان خطأ فادحا، ذلك ان اسناد المهمة الامنية في الجنوب العراقي للامن العراقي العاجز عن حماية نفسه ليس هو في صالح العراق، خصوصا وان الجنوب العراقي مرتع خصب للمتسللين والطامعين في زعزعة الامن العراقي من النواحي الجغرافية والسكانية والاستراتيجية، كما انه بيئة مناسبة ومهيئة لانفصالها في حال تقسيم العراق الى اقاليم او كيانات، وهو تقسيم اقرة الكونغرس الاميركي اخيرا. عن صحيفة الرأي العام الكويتية 16/10/2007