مجزرة سياسية أمجد عرار ربع قرن مضى على المجزرة الأكثر بشاعة في التاريخ الفلسطيني. في مثل هذا اليوم صحا العالم على شلال من الدم في مخيمين وادعين لن ينساهما أحد ولن تجف الدماء: صبرا وشاتيلا. نقطة زمنية فاصلة توصلك إليها طرق كثيرة. كان شعار المجزرة “من دون عواطف، الله يرحمه" وكلمة سرها “الأخضر". اللاعطف نية مسبقة لقتل أبرياء من الأطفال والنساء والعجزة، و"الأخضر" بلغة الإشارات الضوئية أن الطريق مفتوح للقتل. كانت لغة بنادق بأيدي جبناء وتحت حراسة متوحشي العصر الحديث، فلو كنا في عصر السيوف لما حدثت المجزرة. من باب التأريخ للبشاعة نتذكّر ثلاثة آلاف ومائتين وسبعة وتسعين رجلا وطفلا وامرأة قتلوا في أربعين ساعة، ونستميح الشهداء عذراً إذ نذكر عددهم، لأنهم ليسوا أرقاماً كما زعم ايهود باراك، إنما كل واحد منهم قصة، كل طفل كل عجوز، وكل امرأة يتدفق نهراً من المعاني لا يفهمه المجرمون، ولا يحسه إلا من ينتمي لنادي الإنسانية على أي متر مربع في كوكب الأرض تتساقط عليه زخات الظلم والاستعباد في طقس أمريكي لا يشمس. حينها تعهدت أمريكا بحماية اللاجئين العزّل بعد خروج المقاتلين، تعهدت للراحل ياسر عرفات الذي كانت مشكلته الأساسية الوثوق بالوعود والتعهدات. شكراً للمجزرة التي تسمح لنا أن نتذكر حجم ما يحاك لنا ثم نعرف أن في هذا الكون أناساً لا يتعلمون من التجربة حتى وإن كانت خاصة. ها هي أمريكا تحيي ذكرى المجزرة على طريقتها، تواصل دعم وحماية منفذي المجازر وتشترك معهم في لعبة توزيع الأدوار، وبعد ربع قرن على مجزرة أهم ما ميزها الوعد الأمريكي بحماية اللاجئين، تخدعنا أمريكا بمؤتمر سلام في الخريف. أسخف المواعيد تلك التي تحدد لها فصول، لأنها تنتمي إلى عائلة “لا مواعيد مقدسة" وتستنزف لهاثنا في صحراء البحث عن حلول. تأتي كوندوليزا رايس وتذهب والديباجة المعلنة تصلح أن يتلوها أي مسؤول أمام ميكروفون، أو أي تلميذ حفظ الدرس جيداً. “هناك تقدم.. نحن نسير في الطريق الصحيح.. نبذل قصارى جهدنا.. على “إسرائيل" أن تعطي الفلسطينيين أملاً وعليهم وقف الإرهاب من الصواريخ البدائية إلى “بلاد العرب أوطاني" في منهاج المدرسة". قلنا هذا الكلام منذ إطلاق جورج بوش دعوته لعقد المؤتمر ثم ترنّح مساعديه على حبل التسمية، من مؤتمر إلى اجتماع إلى لقاء. في المحصلة سيكون المستفيد الوحيد المصورين الصحافيين الذين سيبيعون صوراً للابتسامات وبعض اللقطات النادرة. مع كل ذلك الأطراف العربية المعنية، تشمِّر عن سواعدها وتشبع كلاماً عن المحفل الخريفي قبل أن تصل الدعوات، ويصمت ايهود أولمرت حتى إذا رآنا نتصبب عرقاً، يحذرنا من تعليق آمال على اللقاء. أليست مجزرة صبرا وشاتيلا تؤدي التحية والانضباط أمام المجزرة السياسية التي نتعرض لها؟ عن صحيفة الخليج الاماراتية 19/9/2007