تمكين مصر والمصريين!! د. عبد المنعم سعيد من غير الممكن أن يتم تمكين الفقراء في مصر, دون تمكين لمصر الدولة والأمة, وتمكين المصريين الشعب والناس, واذا كان ممكنا تمكين الفقراء من خلال تعليمهم صيد السمك وليس أكله, فإن تمكين مصر يكون عندما تتمكن من استغلال مواردها وامكاناتها ما كان منها لدي الأرض, وما كان منها لدي البشر, أما تمكين المصريين فيحدث عندما يكون لهم دور في كل ذلك, سواء من خلال السياسة أو الإدارة أو الملكية وكل ذلك مجتمعا بحيث يكون للمصري أيا كان اسمه وموقعه ودينه, وعقيدته سهم ونصيب. فلعله من المدهش أنه برغم الكثير من الأغاني والادعاءات الوطنية, فإن مصر التي تصل مساحتها الي مليون كيلومتر مربع, وتمتد الي2500 كيلومتر من الشواطئ, لم يكن يستغل منها حتي مطلع الثمانينيات إلا3% فقط تتمركز حول النيل وفروعه, وفي الأغلب الأعم فإن الغالبية العظمي من المصريين لم تكن تعرف شيئا عن ال97% الباقية, وحتي عندما ارتفعت هذه النسبة الي ما بين5% و6% خلال العقود الثلاثة الأخيرة, فإن الحقيقة الجوهرية لم تتغير كثيرا, إلا أن الإعلام المصري, وليس المصريين, أصبح علي اقتراب أكثر من مواقع في سيناء والبحرين الأحمر والأبيض ومنطقة توشكي والعوينات, المدهش أكثر في الموضوع, أن مصر لم يتم تمكينها أي استغلال مواردها لاعتقاد ذائع أنها مجرد امتدادات صحراوية لا زرع فيها ولا ضرع, بينما كان التقدم التكنولوجي والاقتصادي العالمي قد جعل كل أراضي العالم تقريبا حتي بما فيها تلك الواقعة في القطبين الشمالي والجنوبي قابلة للاستغلال والاستثمار وبناء الاقتصاد والحضارة, وعلي حافة خط الاستواء, حيث الحرارة في أعلي درجاتها, والرطوبة في أعلي معدلاتها نمت سنغافورة وإندونيسيا, وفي قلب صحراوات تكساس ونيفادا في الولاياتالمتحدة نمت حضارات ومدن وصناعات, وفي وسط غابات الأمازون تجري عملية بناء دولة عظمي في البرازيل, وفي جزر مثل اليابان حيث لا شيء تقريبا من الموارد الطبيعية قام اقتصاد هائل, وببساطة, فإن التقدم التكنولوجي والإرادة الإنسانية, جعلا الصحراوات والبحار والجبال مناطق للتنمية والاستغلال الإنساني, مهما كانت اعتبارات الحرارة أو الجفاف. ولكن ما كان مفجعا تماما أنه في كل مرة يجري الاقتراب من هذه الحقيقة كما جري أخيرا عندما طرحت أراض صحراوية للاستغلال والاستثمار, كان رد الفعل الذائع أن مصر يجري بيعها, وكأن من سينفق الاستثمارات لتحويل الأرض القاحلة الجرداء, والشواطئ الفارغة, الي حياة ونشاط اقتصادي سوف يحملها علي كاهله ويرحل, وللحق, فإن الإعلام لم يكن وحده هو الذي جانبه الصواب, ومفضلا موات مصر علي تمكينها, وانما أيضا الحكومة ذاتها التي لم تفلح أبدا في نقل الاحساس بالمساحة والامكانات المصرية الي بقية الشعب المصري, وبشكل ما بدا الأمر كما لو كانت جوهرة بعينها يجري التنازل عنها لجماعة من الأغنياء أو المغامرين, وهو ما كان يمكن تفاديه اذا ما عبر الأمر عن سياسة عامة لبيع الأرض لكل من يستغلها في مشروعات مفيدة تضيف للحياة والناس في مصر عملا وانتاجا ومعرفة. من هنا, فإن تمكين مصر لا يكون عبارة عن كلمات منقولة من موسوعة جمال حمدان شخصية مصر عن مواهب الجغرافيا وأقدار التاريخ, والكلمات المنمقة عن الموقع والموضع, وانما باعتبارها ثروة هائلة تحتاج لمن يمد لها يده بالعمل والمال والتنظيم لكي يخرج منها ما يكفي ثمانين مليونا من المصريين, فالحقيقة أنه لا يمكن تمكين المصريين دون علاقة مع الثروة سواء كانت هذه الثروة مالا أو أرضا أو معرفة تنبت من أرض وشواطئ بلادهم, ولايمكن الادعاء بأن المصري سيد علي أرضه بينما تمتد يده الي آخرين طلبا للمعونات والمنح, أو يجلس واضعا يده علي خده في انتظار عقد عمل في دولة من دول الخليج, أو قارب تعيس يأخذه الي واحد من الشواطئ الأوروبية, فإذا أردنا تعريفا لتمكين المصريين هو تلك الحالة التي يسهم فيها المصري في تنمية ثروة بلاده, ويحصل من خلال ذلك علي عمل يعفيه ذل الحاجة أو الغربة. والأمر بهذا المعني ليس عصيا علي الفهم ولا الإدراك, لو كنت مكان الحكومة المصرية لخصصت موازنة خاصة لسفر رجال الإعلام وأصحاب الرأي والحاكمين علي أعمدة الصحف والمحطات الفضائية الي الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية واسبانيا وبولندا وعشرات غيرها من الدول والأمم, التي حققت التمكين لبلدها وشعبها معا, من خلال عمليات كثيفة للتنمية والاستثمار سواء كان محليا أو أجنبيا, وفي هذه الدول جميعها فإن عملية التمكين جرت من خلال عمليتين متزامنتين: أولاها: رفع العوائق والحواجز أمام حركة القطاع الخاص ورءوس الأموال, وببساطة أمام حرية الدخول والخروج من السوق, وقد ظهر ذلك بوضوح في تقرير صدر عن البنك الدولي بعنوانBusinessin2005:ObstaclestoGrowthDoing, حينما تابع الخطوات التي يجب علي المرء أو الجماعة الدخول بها الي عالم الاستثمار في مشروع جديد, وتشغيله والخروج من السوق مرة أخري بإنهاء أعماله للانتقال الي مشروع آخر, أو للإفلاس, والحفاظ علي أمواله وأموال المتعاملين معه, وقد وجد أصحاب التقرير أن اتخاذ اجراءات لتحسين مناخ الاستثمار يمكنه رفع معدل النمو بمقدار2,2%, وعندما قامت فرنسا وتركيا بتسهيل عملية تسجيل المشروعات الجديدة من حيث التكلفة والزمن, فإنها زادت بنسبة18%, وعندما قللت سلوفاكيا من ضمانات القروض الاستثمارية فانها زادت بنسبة10%, المدهش في الموضوع أنه في الحالتين أصبح متاحا للحكومات وقت أكبر, وموارد أعظم للتعامل مع الخدمات الاجتماعية المقدمة للفقراء, وبالتالي تم التعامل مع الفقر من خلال النمو وتوفير فرص عمل ودخل جديد, ومن خلال الخدمات الاجتماعية. ولم تكن هناك مفاجأة اطلاقا, فإن الدول العشرين الأكثر تسهيلا لكل هذه الخطوات, هي الأغني والأكثر تقدما ونموا في العالم, والأخطر من ذلك فإن الدول الغنية والنامية بسرعة, كانت هي التي اتخذت خطوات لاصلاح مناخ الاستثمار ثلاثة أمثال ما اتخذته الدول الفقيرة الراكدة, أما الدول الفقيرة في المقابل فتمنع مواطنيها من أن يكونوا أغنياء بوضع كل العراقيل أمام دخولهم الي السوق وخروجهم منها, وليس عليهم اتخاذ اجراءات كثيرة فقط, وانما عليهم دفع الكثير لكي يبدأوا مشروعا بعينه, وفي العادة فإن الجماعات الأضعف في المجتمع مثل الفقراء والمرأة هي التي تعاني أكثر من تعقيد مناخ الاستثمار وتكلفته العالية, واذا طالت أكثر مما ينبغي فإن الفقير هو أقل الناس قدرة علي التحمل, وللأسف, وربما كان ذلك نوعا من الخديعة والخروج عن الموضوعات الأصلية لأسباب الفقر في التقاليد العربية, فإنه من بين أعلي عشر دول في العالم في تكلفة بداية المشروع الاقتصادي توجد ست دول عربية هي: الأردن ومصر والسعودية واليمن وسوريا والمغرب. وثانيتها: فتح الباب علي مصراعيه لرأس المال الأجنبي, بعد أن تغيرت الظروف تماما التي كانت تجعل ذلك مقدمة للتحكم الخارجي والاستعمار بأشكاله المختلفة, فمن ناحية لم تعد هناك شركة واحدة تقوم بعملية استغلال مورد واحد في بلد واحد مثلما كانت تفعل شركة الهند الشرقية أو شركة أمريكية في النحاس الشيلي, وانما هناك أعداد هائلة من الشركات المتنافسة علي موارد متعددة, ومن ثم أصبح مستحيلا لشركة واحدة التحكم في اقتصاد الدولة, خصوصا لو كانت دولة مثل مصر لديها موارد مختلفة ومتنوعة, وبالاضافة الي ذلك فإن الشركات المتعددة الجنسية قد تغيرت طبيعتها, وبعد أن كانت متأثرة بملكية الأسهم في دولة واحدة, فإن ذلك لم يعد حادثا الآن علي الأقل بالنسبة للشركات العملاقة. هاتان العمليتان المتزامنتان عرفتهما دول العالم المختلفة التي اتخذت قرارا لا رجعة فيه بالتقدم والتمكين للدولة والشعب, بدلا من البكاء علي الاطلال المجيدة والشكوي والرجاء من وإلي الآخرين, ولمن لا يعرف فإنه في عام2002 حدث لأول مرة في تاريخ الاستثمارات الاجنبية أن تفوقت الصين علي الولاياتالمتحدة في الحصول علي هذه الاستثمارات, ففي ذلك العام حصلت الصين علي52,7 مليار دولار من الاستثمارات الخارجية, وساعتها كان القدر المتراكم من الاستثمارات منذ عام1985 قد وصل الي280,4 مليار دولار, ولم يمض عامان علي ذلك حتي قفز الرقم الي قرابة500 مليار دولار في عام2004 مشكلا34% من الناتج المحلي الاجمالي, و40% من النمو الاقتصادي الصيني, و20,5% من دخل الضرائب, و50% من الصادرات, و60% من الواردات, وفي عام2005 قفزت الاستثمارات الأجنبية في الصين الي72,4 مليار دولار بعد ان كانت60 مليارا في عام2004, ومعها أصبح نصيبها من الصادرات57,3%, أما في الصناعات عالية التقنية فقد أصبح نصيبها87,89% و28,5% من القيمة المضافة في الصناعة, وعندما جاء عام2007 كان قدر الاستثمارات الأجنبية المتراكمة في الصين قد وصل الي750 مليار دولار مستثمرة في610 آلاف منشأة يعمل فيها28 مليون نسمة يمثلون10% من العاملين في الصناعة الصينية, وكل هذه الأرقام تقول ان التجربة التنموية المبهرة للصين قامت في جانبها المبهر علي الاستثمارات الأجنبية, لأنها كانت وسيلة التمكين للصين والصينيين, والحديث متصل علي أية حال!. عن صحيفة الاهرام المصرية 10/9/2007