لماذا 5 فبراير يوم التضامن مع جرح الأمة النازف " كشمير" ؟؟
* سمير حسين
سمير حسين يحتفل الباكستانيون في أرجاء الكرة الأرضية يوم الخامس من فبراير كل عام، منذ عام 1991م، بيوم التضامن مع الشعب الكشميري الذي ظل يناضل، ويقدم التضحيات التي لا مثيل لها للحصول على حقه في تقرير المصير منذ ستة عقود سابقة.
وقد استقبلت الهند الاحتفال بيوم التضامن مع كشمير بفرض حظر التجوال في العاصمة الصيفية سريناجار، في أعقاب مظاهرات عنيفة اندلعت بعد مقتل فتى في الخامسة عشرة من عمره.
وبدأت يوم الثلاثاء حركة إضراب عام دعت إليها حركات المقاومة الإسلامية في كشمير المحتلة، وظل الإقليم مشلولا يوم الأربعاء قبيل الاحتفال بيوم التضامن مع كشمير، وكأنما أراد المقاومون أن يكون الاحتفال هذا العام مختلفًا ؛ سعيًا منهم لإجبار العالم للاستماع إلى شكواهم فضلا عن إحساس هذا العالم بآلامهم، فقد التحرك الشارع الكشميري كله مطالبًا بالحرية التي حرمتهم منها (الديكتاتورية الهندية).
وكما هي العادة، يقوم الباكستانيون بعقد الندوات، وتسيير التظاهرات؛ لتأكيد دعمهم الدبلوماسي والأخلاقي والسياسي لشعب كشمير المحتل، وخلال هذه الفعاليات، يتم إلقاء الضوء على كل زوايا قضية كشمير، ويتم عرض صور حية من انتهاكات حقوق الإنسان التي تُمارسها قوات الاحتلال الهندي ضد سكان الولاية المسلمين.
ويعود فضل الاحتفال بيوم التضامن مع كشمير إلى الشيخ قاضي حسين أحمد أمير الجماعة الإسلامية بباكستان السابق الذي أعلن يوم 5 فبراير 1990م كيوم للتضامن مع الشعب الكشميري، وهو اليوم الذي تزامن مع إعلان الشعب الكشميري مقاومة الاحتلال الهندي بالعمل العسكري بعد أن جرب كل الأساليب السلمية خلال 40 عاماً مع الحكومة الهندية لإقناعها بحق تقرير المصير للولاية وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي بلا فائدة .
ونتيجة لهذا القرار انضم الآلاف من الشباب الكشميري إلى حركة المقاومة الكشميرية وكانوا يتوقعون من إخوانهم في باكستان خاصة ومن إخوانهم في العالم الإسلامي عامة بأن يقفوا معهم في محنتهم لفك قيد الاحتلال الغاشم مثلما وقفوا مع الشعب الأفغاني ضد الاحتلال السوفيتي في العقد الثامن من القرن الماضي.
وكان قدوم الشباب الكشميري تحديا كبيرا لأبناء الحركة الإسلامية في كشمير الحرة الذين بذلوا كل رخيص وغال لدعم إخوانهم في الجماعة الإسلامية بباكستان لتسخير كافة الإمكانيات من العدة والعتاد لخوض غمار المقاومة ضد العدو الهندوسي الغاشم، مجددين الوفاء لعهدهم مع الله ومع الشعب الكشميري.
وأعلن الشعب الباكستاني بكل فئاته وأواصره السياسية والاجتماعية والحكومية الاحتفال بيوم 5 فبراير كيوم للتضامن مع الشعب الكشميري تلبية لدعوة الشيخ قاضي حسين أحمد.
وفي ظل هذه التضامن والتأييد الشعبي على النطاق الوطني اضطر جميع قادة الأحزاب والمنظمات والمسئولين الحكوميين إلى دعم ومناصرة الكشميريين، ولا سيما أن القضية كانت شبه منسية بعد توقيع معاهدات طشقند وسملا بين الباكستان والهند.
حيث استغلت الهند المعاهدتين المشار إليهما، لتضليل الرأي العام العالمي بأن القضية حلت بالمحادثات ولا داعي للقلق الدولي بشأن حق الكشميريين في تقرير مصيرهم .
ولكن اندلاع حركة المقاومة الكشميرية خيب نواياها وجعل القضية وكأنها استيقظت من جديد، وكان أكبر أهدافها هو إحياء مكانتها في المحافل الدولية من جديد. ولحفز القادة الباكستانيين علي طرح القضية دوليا بعد أن كان القائمون على الحكومة الباكستانية ووزارة خارجيتها يخافون من مخاوف جوفاء لرفعها كطرف أساسي أمام المحافل الدولية.
ولفهم أهمية الاحتفال بهذا اليوم (يوم التضامن مع كشمير)، نحتاج لفهم تاريخ الاحتلال الهندي للولاية، منذ تقسيم شبه القارة الهندية بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني، فطبقًا لدستور الاستقلال الهندي وخطة تقسيم الثالث من يونيو 1947م، تم تقسيم المستعمرة البريطانية الهندية إلى دولتين، الهند ويسكنها أغلبية هندوسية، وباكستان ويسكنها أغلبية مسلمة.
وتضمن قرار التقسيم أن الولايات ذات الغالبية الهندوسية تنضم للهند، والولايات ذات الأغلبية المسلمة تنضم لباكستان، مع الاهتمام بالوضع الجغرافي والديموغرافي والاجتماعي لهذه الولايات، ورغم أن ولاية جامو وكشمير ذات أغلبية مسلمة، ونسبة المسلمين فيها 90%، ولها ميل طبيعي للانضمام لباكستان، إلا أن قرار التقسيم لم يجد له طريقًا للتطبيق فيها.
فقد كان لكيد حاكم الولاية الهندي في ذلك الوقت المهاراجا هاري سينج، وأيضًا الكونجرس الهندي، كان لهما دور بارز في تمهيد السبيل لتدمير أحلام ملايين الكشميريين، ومنع انضمام الولاية لباكستان، بل قامت الهند في يوم 27 من أكتوبر عام 1947م باحتلال الولاية ؛ للقضاء على آمال الكشميريين ومن يومها يُطلق على 27 أكتوبر يوم كشمير الأسود .
ولم يوافق الكشميريون على هذا الاحتلال الهندوسي للولاية ، فشرعوا في جهادهم المسلح بمساعدة كل السواعد الكشميرية، وفي أول يناير 1948م أحست القوات الهندوسية أنها ستندحر في الولاية إن استمرت المقاومة بهذا الشكل، حيث حررت المقاومة ثلث الولاية، فهرعت إلى الأممالمتحدة فأصدر مجلس الأمن عدد من القرارات، وافقت عليها الهند وباكستان.
وقد نصت هذه القرارات على وقف إطلاق النار وترسيم حد وقف إطلاق النار، ونزع السلاح من الولاية، وطلب إجراء استفتاء ٍحر ونزيه من قِبل الأممالمتحدة لتقرير المصير ، وكان نتيجة ترسيم خط وقف إطلاق النار أن تم تقسيم كشمير إلى جزأين : كشمير الحرة (أزاد كشمير) وهو الجزء الذي حررته المقاومة الكشميرية وانضم للباكستان ، وكشمير المحتلة (كشمير المقبوضة) وهو الجزء الخاضع لإدارة الاحتلال الهندي منذ أكثر من ستين عامًا.
وقد نُفذت المرحلة الأولى من القرارت (وقف إطلاق النار) وتم نزع السلاح من المنطقة ، اما إجراء الاستفتاء تحت إشراف الأممالمتحدة والذي بموجبه يختار الشعب الكشميري المسلم مصيره ، فلم يُنفذ حتى الآن، ويبدو أنه لن يُنفذ.
وكان أول حاكم للهند اللورد مونتباتين قد سجل شهادته في مسألة الاستفتاء في 27 أكتوبر 1947م عندما قال : "يجب أن تُحَل قضية كشمير طبقًا لأماني شعب كشمير، وهذه أمنية حكومتي أن يُطبق القانون والنظام في كشمير، ومسألة ضم الولاية يجب أن تستقر بالرجوع إلى الشعب" .
وهذا واحد من مؤسسي الهند، وأول رئيس وزراء للهند البنديت جواهر لال نهرو أخبر مجلس الدستور الهندي في 25 نوفمبر 1947م قائلا : لأجل حُسْن النوايا اقترحنا أن يُعطى الشعب الكشميري الفرصة لتقرير مستقبله، وهذه يجب أن يُعمل بها تحت إشراف مجلس قضائي نزيه مثل الأممالمتحدة " .
وفي 26 يونيو 1952م أخبر نهرو البرلمان الهندي: إذا لم يُرِدْ الشعب الكشميري العيش معنا، دعه يذهب بطريقه، لا نُعارض إرادته، رغم أن ذلك يؤلمنا"!!
ورغم أن الهند هي التي حملت قضية كشمير إلى الأممالمتحدة إلا أنها خالفت كل القرارات الصادرة من المنظمة الدولية، وخالفت كل تعهداتها أمام المجتمع الدولي، ولم تعط الشعب الكشميري الفرصة لتقرير مصيره .
ولما وجد الشعب الكشميري أن قرارات الأممالمتحدة لا يتم الالتفات إليها من الهند، أو حتى من المجتمع الدولي، انتفض في عام 1989م بادئًا المقاومة على الظلم، وسعيًا للحصول على حقه في تقرير المصير؛ ليُجبر الهند على تطبيق القرارات الدولية، ومناقشة القضية بشكل عملي مع باكستان، التي كلما أبدت ليونة في الحوار مع الهند تستمر الأخيرة في عنادها ، وتضع المزيد من العراقيل أمام حل القضية.
وقد استخدمت الهند طوال اكثر من نصف قرن ارهاب الدولة ضد الشعب الكشميري المطالب بحريته، ولم تعبأ الهند بالمجتمع الدولي، و اجتازت كل الخطوط الحمراء وسجلت أبشع الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، مثل قتل الأبرياء، واعتقال الشباب، واغتصاب النساء، وتدمير البيوت، والمحال التجارية الكشميرية، حتى أنها قتلت خلال السنوات العشرين الماضية قرابة المائة ألف كشميري، واعتقلت أكثر من 7 آلاف كشميري.
ورملت الاعتداءات الهندية نحو 25 ألف امرأة، ويتمت مائة ألف طفل، وبلغ عدد النساء المغتصبات أو المُتَحرّش بهن نحو 10 آلاف امرأة، وهناك أكثر من ثمانية آلاف شخص لا يُعرف عنهم شيئًا، فهم مختفون، لا يعلم ذويهم مكانهم، حتى لا يعلمون أهم أحياء أم أموات !!
وأكدت باكستان مرارًا وتكرارًا أنها لا تقبل بأي اختيار لقرار حل النزاع الجوهري بينها وبين الهند على حساب أماني الكشميريين، وهكذا قال الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري ورئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني : إن كشمير تتعلق بالكشميريين وهم حكام مصيرهم.
وتاريخيًا هناك وجوه متعددة وراء تضامن باكستان والباكستانيين مع الكشميريين أهمها : العلاقات النفسية، والجغرافية، والفكرية، والثقافية والدينية المشتركة، التي تربط شعبي باكستان وكشمير منذ قرون.
وقد ادي النزاع الجوهري بين الهند وباكستان حول كشمير لدخول البلدين في أربع حروب، منها حرب كارجيل، والبلدان مرشحتان لدخول حرب جديدة.
وخلال السنوات الستين الماضية كان على باكستان أن تعزز دفاعاتها لتجنب التهديدات الهندية ، ولأجل دعم الشعب الكشميري لحصوله على حقه في تقرير مصيره.
ودخول باكستان والهند إلى النادي النووي؛ جعل العالم يقف مشدوهًا حذرًا من وقوع حرب نووية بين الجارين اللدودين، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى التأكيد على الحاجة الملحة إلى حل النزاع الباكستاني الهندي حول كشمير؛ لتفادي وقوع كارثة في شبه قارة جنوب آسيا.
ويهدف الاحتفال بهذا اليوم إلى إرسال إشارات للكشميريين أن باكستان تقف مع اشقاءها الكشميريين أيًا كانت الظروف، و تطالب العالم بالسعي لنيل حريتكم.