.. ولن تنتهي الحكاية مشاري الذايدي آخر أخبار «الشيخ» أسامة بن لادن أنه يتحصن الآن في كهف ابيض عملاق في جبال تورا بورا، وان هذا الكهف يرتبط بسلسلة كهوف أخرى، ومحمي ببضع سيارات مدرعة، وثلة من الانتحاريين المخلصين على الدوام. وحسب «الوطن» السعودية، فإنه في يونيو (حزيران) من السنة الحالية، رصدت أجهزة المخابرات الأمريكية «رسائل للقاعدة، ترسل ليلا حاثة الأفغان على قتال القوات الأجنبية». وأدت التحريات حول «جبهة تورا بورا» إلى إلقاء القبض على طبيب لابن لادن وشخص آخر كان مكلفا حمايته، وأن الاثنين اعترفا بأنهما كانا جزءاً من 500 عضو من تنظيم القاعدة هربوا من «وزيرستان» لمنطقة تورا بورا. تورا بورا، ووزيرستان، الأول إقليم أفغاني، والثاني باكستاني، إلا أنهما متجاوران على الحدود، وتقطنهما قبائل بشتونية شديدة التوتر والتزمت، إضافة إلى شيوع الثقافة القبلية المنفلتة من عقال الدولة، حيث يتفشى نفوذ رجال القبائل الأقوياء وفرض الإتاوات وتكوين الأتباع المقاتلين. منطقة تورا بورا تقع جنوب ولاية وزيرستان الحدودية بمسافة تناهز 1500 كيلومتر؛ والموقعان تنقل بينهما زعيم القاعدة أسامة مع أتباعه منذ حرب أمريكا في أفغانستان، والآن عاد الحديث عن اقليم تورا بورا بعد قصة الكهف الأبيض هذه، بعد أن كان الحديث طوال السنوات الثلاث الماضية عن تحصن بن لادن في وزيرستان، الأمر الذي أدى إلى شن غارات على هذا الإقليم، تارة أمريكية كما في غارة يناير(كانون الثاني) 2006 حينما هاجمت وحدات أمريكية القاعدة في قريتين باكستانيتين، هما سيدغي، ودامادولا، وكان يعتقد أن الظواهري مدعوٌّ إلى وليمة عشاء في القرية الأخيرة، كاد يصبح «العشاء الأخير له»، وتاراتٍ كان هذا الاقليم الجبلي الصعب تحت مرمى الجيش الباكستاني، وقتل منه زعماء قبليون اتهموا بإيواء القاعدة. اقليم وزيرستان موضع جدل ولغط كثير يين واشنطن وإسلام أباد، أو بين الجنرال مشرف وإدارة بوش، وبعض ساسة واشنطن من النواب والشيوخ، ووصل الأمر إلى حد إصدار التهديد المباشر لمشرف، حينما قال المرشح الديموقراطي باراك اوباما في مناظرة جرت مع منافسته هيلاري كلنتون نهاية يوليو (تموز) الماضي انه سيقطع المساعدات عن باكستان ويرسل وحدات أميركية لتدمير قواعد الإرهابيين وملاذاتهم في باكستان، وواضح أنه يقصد بالتحديد وزيرستان. لكن مشرف يحظى إجمالا بثقة بوش ويعتبر من الرؤساء الأقوياء في العالم الثالث بالنسبة إليه. لكن مراقبين آخرين يعتبرون أن مشرف لا يخضع بالضرورة إلى أجندة واشنطن وطلباتها، صحيح أن الأصوليين هم أعداء مشرف ونظامه، وصحيح أيضا انه مرشح للقتل من قبل القاعدة في باكستان، وقد تعرض بالفعل لعدة محاولات اغتيال، ولكن الجيش الباكستاني أو المؤسسة العسكرية لها حساباتها الخاصة مع جارتها اللدودة الهند، فهي عدوها الاستراتيجي، ولا تريد باكستان، حسب تقرير مطول لمجلة «نيوزويك»، أن تغامر بشطب ورقتها العسكرية وحليفتها التي صنعتها، اعني حركة طالبان، مع نظام لا تثق به كل الثقة في كابل، فلربما أدى تدمير حركة طالبان بالكامل إلى إفساح الطريق لنظام معادٍ لإسلام أباد في كابل. في كل حال ليس بالضرورة أن تكون هذه القراءة صائبة، كما أن هذه المعطيات ليست لتسويغ عدم تدمير كهوف القاعدة في وزيرستان إلى هذه اللحظة، ولكن كل هذا الحديث من اجل القول، انه إذا كانت مناطق فقيرة ومعدمة وخارج قوس الثروة والنفط والموقع الحيوي، مثل هذين الإقليمين الفقيرين، لهما هذه الأهمية الكبرى من الناحية الأمنية والسياسية، فكيف إذا كان خطر القاعدة يمكن أن يكون اكبرَ وأكثرَ وأشرسَ في ارض مثل ارض العراق؟! نعم، ماذا لو تحول العراق بكامله، أو غربه في الأقل، إلى وزيرستان أخرى؟! خصوصا ونحن نرى ازدهار المجموعات الأصولية ذات الدمغة القاعدية، وإمارة الإسلام التابعة لأبي عمر البغدادي، وأفواج المقاتلين والانتحاريين تترى! تصوروا أيضا، إمارة قاعدية في غرب العراق، و«إمامة» شيعية بخطاب خميني التفكير، في جنوب العراق ووسطه... فقط تصوروا هذا الشكل؟! حسنا، ما الذي منع إلى الآن حصول هذا الأمر ؟ بالدرجة الأولى هو وجود القوات الأمريكية، أو قل تورط القوات الامريكية بالوجود، لا فرق. الوجود الامريكي هناك، أصبح واقعا، والحديث الاستهلاكي عن انسحاب سريع لا يقدم ولا يؤخر، وحسب رؤية العسكريين الامريكان فإن فاتورة الانسحاب، كما يردد بعض اعداء ادارة بوش، داخل امريكا وخارجها، هي فاتورة باهظة. يكفي فقط تصور ترك الساحة للقاعدة وميلشيات الصدر، والعصابات التقليدية. من اجل ذلك كله، فانه، ومهما كثر الجدل «الانتخابي» في امريكا حول القوات الامريكية، الا انه يظل جدل على الاساليب وليس في جوهر الأمور. نقول ذلك حتى لا نشرب عصائر الوهم. المشكلة العراقية أصبحت مشكلة خطيرة إن بقيت الحلول كما هي، وأخطر بكثير ان أهملت وتركت، فلا القاعدة ستفوت هذه الفرصة، ولا العالم سيسر برؤية «تورا بورات» اخرى تتوزع في كل منطقة صراع .. تلك هي القصة. لقد تحول الخطر الارهابي الى رقم صعب على الاجندة السياسية الدولية، وصار الحديث عنه والتفكير فيه، هاجسا كبيرا، ومساحة لخلق حلفاء وإلغاء آخرين، وسيظل هذا البند، وذلك الهاجس حاضرا، ساخنا، ملحا، ما دامت الامور كما هي، والخطابات السياسية كما هي، والمراوحة في التعامل مع الخطر الاصولي ما بين الحل العسكري او المناورات التكتيكية القصيرة العمر، هي الحلول السائدة، لذلك على الحكومات العربية والاسلامية التكيف مع هذه الحقيقة، حقيقة رئاسة الهاجس الارهابي، ومن خلفه الاصولية، الى ان ينفرج العالم عن مشهد آخر ويسدل الستار على حكاية الإرهاب، وفسطاط بن لادن، ومعسكر بوش، ولربما طال هذا الفصل وتأخر إسدال الستار، فبعض الحكايات طويلة ومليئة بالمفاجآت.. هي حكاية أطول من موسم انتخابي في امريكا، او تغير جنرال في باكستان، او تفكك أحلاف في العراق، حكاية تعلو ولا يُعلى عليها، الى اجل غير مسمى.. عن صحيفة الشرق الاوسط 28/8/2007