لم يصمد نظام طالبان طويلاً أمام الضربات العنيفة التي تشنها القوات الأمريكية ضد قواعده ومعسكراته والمدن التي يسيطر عليها الواحدة بعد الأخري. وبسقوط العاصمة كابول، انهار النظام تماماً، وإن استمر فلوله في شن معركة هنا وتفجير هناك بتفخيخ سيارة يقودها انتحاري ضد جنود الغزو والاحتلال. القوة الخاصة تحت إمرة وكالة المخابرات المركزية كانت بعيدة عن هذه المعارك. فهي مشغولة بالبحث والتنقيب عن عدو أمريكا رقم واحد أسامة بن لادن الذي آثر الاختفاء مع أنصاره في تورا بورا المحصنة بوعورة مرتفعاتها وكثافة غاباتها. وفي كل مرة توافرت فيها معلومة عن مكان أسامة بن لادن كانت القوات الأمريكية تسارع بتسوية المكان بالأرض بعده تدميره بالكامل وقتل من فيه من سكان أبرياء أو من مسلحين ليس من بينهم المستهدف الأوحد الذي شن بوش الحرب من أجل القبض عليه وتسليمه لأيدي العدالة.. كما كان يردد علناً، في حين أن التعليمات السرية لدي القيادة العسكرية تحبذ تصفيته جسدياً حتي لو رفع راية الاستسلام البيضاء! بدأ القصف الأمريكي الكثيف لمنطقة تورا بورا في نهاية نوفمبر2001 ملحقاً دماراً هائلاً فوق الأرض وتحتها.. وهو ما شجع كثيرين علي التبشير بتتابع العد التنازلي لحياة أسامة بن لادن، خاصة بعد أن نقل بعض شيوخ القبائل إلي الأمريكيين استعداد قيادات من القاعدة لإجراء مفاوضات معهم، وهو الاقتراح الذي سارع رئيس فرقة الإعدام التابعة لوكالة: سي آي إيه بالانتفاض غاضباً ورد قائلاًً: مفاوضات؟! إن أمريكا لا تتفاوض مع إرهابيين أقل ما يستحقونه هو الموت. تنظيم القاعدة أصبح مشكلة عالمية ونصمم علي إبادته!. فوجيء شيوخ القبائل بالرد العنيف لكنهم اكتفوا بالصمت الذي لا يخفي معناه. أما قيادات القاعدة فقد رحبوا بالرد المنتظر من الأمريكيين. فعندما أبدوا للمشايخ الأفغان استعدادهم للتفاوض كان لهدف لم تفهمه في البداية وكالة المخابرات الأمريكية. فبعد أيام قليلة.. علمت ال »سي آي إيه« أن القاعدة انتهزت الفرصة ونجحت في نقل نحو800 من عناصرها المسلحة من تورا بورا إلي باكستان! وتبين أن القاعدة أوحت ل 8 من كبار شيوخ القبائل الأفغان بالتوسط لدي الأمريكان للموافقة علي حل لن يرضي الطرفين. وتصور الأمريكيون أن قيادات القاعدة يئسوا من الصمود أمام الضربات الهائلة التي تنهال عليهم فخافوا علي أرواحهم ويسعون إلي الاستسلام أحياءً.. وهو في حد ذاته يعتبر نصراً غير متوقع بمثل هذه السرعة. وفي انتظار وصول رد البيت الأبيض علي الاقتراح، توقفت الهجمات علي تورا بورا مما أتاح الفرصة لتسلل ال800 مجاهد والهروب إلي باكستان. المحاربون من عناصر تنظيم القاعدة كانوا يريدون البقاء في منطقة تورا بورا والصمود حتي النهاية لينعموا بالشهادة ويحسبوا شهداء الجهاد لنصرة الإسلام. القيادات العليا في التنظيم كان لها رأي مخالف، كشف أيمن الظواهري عنه فيما بعد في تصريحات أدلي بها آنذاك لمراسل صحيفة عربية تصدر في لندن جاء فيها: علينا تأمين المجاهدين حتي يمكنهم مواصلة جهادهم وتحقيق ما ينتظره الإسلام منهم، وهو ما لا يتحقق في بعض الأحيان عندما ينجح العدو في تطويق المجاهدين وحصرهم وقصفهم جواً وأرضاً. في هذه الحالة يجب علينا أن نبعدهم ونوفر لهم مكاناً آمناً ينطلقون منه لضرب ومواجهة عدوهم وعدو الإسلام. .. وهكذا انتقل بن لادن وقواته إلي باكستان، التي وعدت الولاياتالمتحدة بعدم شن هجماتها ضد فلول الإرهابيين داخل الأراضي الباكستانية.