ساركوزي وبراون في الكنيست: على خطى الأكبر بوش؟ د. أسعد عبد الرحمن زعماء الغرب الثلاثة الكبار، الرئيس الأمريكي جورج بوش ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، أتحفونا في خطاباتهم في الكنيست بمواقفهم اليمينية المتشددة. فالأول وعد الإسرائيليين بأن دولتهم لن تسقط مرة أخرى وأن أميركا معها، والثاني أعلن أن إسرائيل ليست وحدها في مواجهة ايران ، والثالث تعهد بالتزام بريطانيا بأمن إسرائيل والوقوف إلى جانبها كلما تعرض وجودها إلى تهديد ، فيما اعتبرت ميركل أن أمن إسرائيل بالنسبة لها غير قابل للتفاوض. واذا كان الامر كذلك فهذا يجب أن لا يبقى مجرد كلام عندما تأتي ساعة الحقيقة . وبمقارنة بسيطة بين مواقف هؤلاء في الكنيست، التي جاءت في سياق تهنئتهم لإسرائيل في ذكرى قيامها، نرى أن (بوش) تجاهل تماما مأساة الشعب الفلسطيني، مثلما تجاهل ذكر حقوقه الأساسية. وكان خطابه ملفتا بالأخص لانه لم يتضمن سوى اشارة واحدة الى تطلعات الفلسطينيين الى دولة، وذلك حين قال انه يتصور احتفال اسرائيل بمرور 120 عاما على انشائها ؟ أي بعد 60 سنة من الآن - عندما يكون للفلسطينيين الوطن الذي حلموا به طويلا واستحقوه- دولة ديموقراطية يحكمها القانون . والخلاصة، أن بوش خلع أمام العالم عباءة الوسيط في عملية السلام وارتدى عباءة الداعم للسياسة الاحتلالية التوسعية لاسرائيل، وأثبت أن صهيونيته لا تقل عن صهيونية مضيفه الاسرائيلي ايهود اولمرت، وأنه يعجبه لعب دور الحاخام الأكبر الذي يلقي خطبا توراتية. أما ساركوزي فقد ألقى خطابا يهودي الهوى، وبحماسة ممسرحة تفوق حماسة معلمه الأمريكي. ومع أنه لم يقدم لإسرائيل شيئا جديدا فريدا، لكنه تعهد أن لا تتخلى فرنسا عن خيارها التاريخي بدعم دولة يهودية لجميع يهود العالم .. دولة دينية صافية . ويرى ساركوزي إسرائيل دولة الديمقراطية الأقوى في المنطقة مشيدا باليهود ودورهم في خدمة العالم ! كما اعتبر أن قيام دولة إسرائيل هو تجسيد للوعد الرباني بقيام دولة اليهود. وأضاف: هذا الشعب اليهودي أعطى قيما للإنسانية كلها ، زاعما: في هذه الدولة لا يوجد عنصرية، وهي تدافع عن كل الأديان، واسمحوا لي أن أعبر عن تقديري، لهذا الإنجاز، فكل يهود العالم نقلوا إلى أبنائهم معنى الإنسانية ومحاربة العنصرية !!! وتابع قائلا: ليس هناك دولة كانت مرتبطة بالعدالة وتحقيق السلام مثل إسرائيل . من جهته، ركز (براون) على الخطر الإيراني، وكأنه لا يهدد سوى إسرائيل دون غيرها بالمنطقة، ليتعهد أن بريطانيا ملتزمة بأمن إسرائيل وأنها ستقف إلى جانبها كلما تعرض وجودها إلى تهديد، مؤكدا متانة الصداقة معها القائمة على قيم ديموقراطية مشتركة. وتابع: أرجو أن أقول لكم يا بني إسرائيل اليوم إن بريطانيا صديقة حقيقية لكم. هذه صداقة مبنية على قيم الديموقراطية والحرية والعدالة . وأوضح: أقول لكل هؤلاء الذين يدعون بشكل خاطئ وفظيع إلى إنهائها، والذين يشككون في حقها العادل في الوجود ويهددون حياة مواطنيها، إن بريطانيا ستقف دائماً إلى جانب إسرائيل، ولسكان إسرائيل كامل الحق في العيش في بلدهم بحرية وأمان وبلا تشويش . إن ما يهمنا في هذه الخطابات، بعيدا عن النفاق الغربي المعهود لإسرائيل، هو إن كان هناك حقيقة تغير في السياسات التقليدية لهذه الدول. فباستثناء بوش الذي يحاول عبثا، اقناع عالم عربي متشكك في أن تأييده الصريح لاسرائيل لا يعني عدم ادراكه للطموحات الفلسطينية باقامة دولة أو بالأحرى (دويلة)، فإن الاثنين الآخرين تقريبا لم يغيرا في المواقف التقليدية لدولتيهما. فساركوزي لم ينس في خطابه الشعب الفلسطيني بل تحدث ؟بقوة مفاجئة- عن حقه في إقامته دولته المستقلة والمتواصلة جغرافيا. كما دعا إلى إيجاد حل لقضية اللاجئين، وكذلك التوافق لتكون القدس عاصمة للدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وأنه لا سلام مع بقاء الاستيطان. ومن جهته، ناشد (براون) الفلسطينيين والاسرائيليين التوصل الى اتفاق قائلا ان السلام اصبح في متناول اليد ، داعيا الطرفين الى اغتنام الفرصة التي يوفرها مؤتمر انابوليس من اجل التوصل الى اتفاق حول دولتين تقومان ضمن حدود 1967: اسرائيل ديموقراطية بمأمن من الهجمات معترف بها وعلى سلام مع جيرانها، ودولة فلسطينية مسالمة ديموقراطية قابلة للبقاء جغرافيا ، داعيا أيضا الى وضع شروط للسلام أبرزها تجميد الاستيطان والانسحاب من مستوطنات بالنسبة لاسرائيل، وتحرك ضد الارهابيين من قبل الفلسطينيين، دون أن ينسى أن القدس يجب ان تكون عاصمة للدولتين. إن مواقف فرنسا وبريطانيا (وأيضا ألمانيا التي زارت مستشارتها انغيلا ميركل إسرائيل في آذار/ مارس الماضي) تمثل الواجهة الخارجية لسياسة دول الاتحاد الأوروبي (دون التبني الكامل للرؤى الأميركية تجاه إسرائيل). فالصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي يتصدر قمة أولويات أوروبا الإقليمية، إذ ترى أن الأهم هو تسوية الصراع، معتبرة أن المشكلة الفلسطينية هي بؤرة التوتر الرئيسية التي تخل باستقرار المنطقة، وعليه يجب تسويتها، منطلقة من الفرضية بأن خير وسيلة لضمان إسرائيل هي إقامة دولة فلسطينية قابلة للعيش. كما أن دول الاتحاد الأوروبي، عموما، تسعى لأن تكون التسوية حقيقة بحيث لا تتجدد أجواء الصراع العنيف وذلك في ضوء مصالح عديدة لأوروبا مع منطقة الشرق الوسط. عن صحيفة الرأي الاردنية 3/8/2008