ساركوزي صديق حقيقي لإسرائيل جمال قارصلي موسم حج الزعماء الغربيين إلي الكنيست الإسرائيلي وتقديم فرائض الطاعة والولاء من علي منصتها لدولة التطهير العرقي والأسوار العنصرية اسرائيل مثيرة للاهتمام والاستهجان في آن معا. يعلم هؤلاء الزعماء علم اليقين ان تلك الدويلة العنصرية مارقة علي كل الشرائع الدولية ويرجح انها تحوي أكبر عدد من مجرمي الحرب في منطقة الشرق الأوسط. سلوك هؤلاء يثير الحفيظة ويكشف عن الوجه الحقيقي العنصري وغير الديموقراطي لهؤلاء الزعماء المنافقين. ولا غرابة في ذلك إذا كان رائد قوافل الحج هذه مجرم الحرب بوش الذي أبي إلا أن يكون مدشنا لعصر المعتقلات التعسفية من غوانتنامو وحتي ابو غريب حيث تنتهك الكرامة البشرية بفظاظة، إضافة إلي مسؤوليته عن ارتكاب المذابح الجماعية ضد مئات الآلاف من العراقيين علي أيدي جيشه الغازي وعلي أيدي من جاء معهم أو بسببهم من الطائفيين المتخلفين والارهابيين والخونة. بوش يعلن من علي منصة الكنيست الاسرائيلي ضم الولاياتالمتحدة إلي اسرائيل ليصبح عدد سكان هذه الدويلة 307 ملايين مواطن بعد ان كانوا 7 ملايين فقط لا غير، ومعظمهم من الروس والعرب الفلسطينيين. اما المستشارة الألمانية فقد قدمت أكثر الخطابات نفاقا وتزلفا متناسية المحرقة التي ترتكب في غزة المحاصرة دوليا وبمشاركة أو تواطؤ أطراف عربية للأسف علي بعد عدة كيلومترات من منصة الخطابة، حيث استرسلت في خطبتها العصماء بدون خجل ولا وجل لتطلب العفو والمغفرة عن الجريمة البشعة التي ارتكبها النازيون باسم شعبها ضد اليهود الأوروبيين. تلك الجريمة التي نتج عنها جريمة لا تقل بشاعة ضد الشعب العربي الفلسطيني، ولا تزال وقائعها ماثلة حية صباح مساء، بينما تم تعويض الضحايا اليهود بكل السبل بعد ابعادهم إلي فلسطين حيث تخلصت بلادها المانيا من الملايين من مواطنيها يهوديي الديانة. وبهذه الفعلة النكراء والمدانة تكون قد تخلصت منهم بلادها بقذفهم إلي محيط ما لبثوا ان بدأوا فيه تقتيلا وتهجيرا بدعم من ألمانيا وغيرها من الدول الغربية. وبعد ذلك كله تأتي وتدّعي صداقتها لاسرائيل وحرصها علي أمنها الذي اعتبرته جزءا من أمن ألمانيا!؟ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هو الوحيد الذي كان منسجما مع نفسه ومع جذوره اليهودية ولعل هذه الخلفية هي التي مكنته من قول ما لا يجرؤ علي قوله كل من بوش والمستشارة الألمانية انجيلا ميركل . لقد كان ساركوزي عاطفيا ومواليا بشكل حقيقي لاسرائيل في خطابه ولكنه لم ينافق فيما يتعلق بمستقبل هذه الدولة العزيزة علي قلبه عندما ذكرهم ان لا مستقبل لها دون اقامة دولة فلسطينية بعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين ووقف الإستيطان وسحب المستوطنين. ساركوزي يعلم ان اسرائيل بدأت بالتراجع والترنح بعد انتصار وصمود المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 عندما تمكنت الأخيرة من افراغ شمال اسرائيل بالكامل من السكان ويضاف إلي ذلك صمود قطاع غزة باللحم الحي بالرغم من الحصار التجويعي الشديد المطبق عليه دوليا والذي يشكل جريمة ضد الانسانية. الرئيس الفرنسي يعلم تماما ان جيل المؤسسين الصهاينة الأشداء قد انتهي بغيبوبة شارون ومن بقي منهم حيا ملطخ بعار الهزائم العسكرية والفساد المالي والأخلاقي. وفي نفس سياق حرصه الحقيقي علي اسرائيل اطلق الرئيس ساركوزي مبادرته التي تعرف بالاتحاد المتوسطي التي لا شك تنطوي علي أحلام إمبراطورية لفرنسا ولكنها تصب في صميم مصلحة اسرائيل وهي التي رفضها الزعيم القذافي وتحفظ عليها الرئيس الجزائري بوتفليقه لادراكهما لخطورتها من حيث انها تحمل مضامين تطبيعية مجانية مع اسرائيل التي تقتل وتحاصر وتستوطن وتبني الأسوارالعنصرية في فلسطينالمحتلة. صاحب هذه المبادرة السيد ساركوزي -كوزير داخلية في حينه- هو نفسه الذي اطلق علي جزء من مواطنيه من سكان الضواحي الباريسية من أصول مغاربية وافريقية تسمية الحثالة عندما احتجوا علي اوضاعهم البائسة، وهو نفسه الذي يعمل علي سن القوانين المتشددة وعلي اتخاذ الاجراءات العملية للحد من الهجرة حيث ينجم عن هذه السياسة اللاإنسانية موت آلاف اللاجئين سنويا غرقا في مياه البحار ليصبحوا طعاما للأسماك. وكذلك يجب أن لا ننسي بأن ساركوزي يرفض قطعيا انضمام تركيا إلي الاتحاد الأوروبي ويريد عوضا عن ذلك الهاءها في ملعب الإتحاد المتوسطي لتقلع عن رغبتها في الانضمام للاتحاد الأوروبي. والأدهي من ذلك يقوم السيد ساركوزي باستقبال النائبة الهولندية السابقة الصومالية الأصل أيان هرسي علي والتي طردت من البرلمان الهولندي بعد ثبوت الاتهام المقدم ضدها بالتزوير لنيل الجنسية الهولندية في حينه، وهي التي تهجمت علي الاسلام والمسلمين حيث استقبلت من قبله في فرنسا بحفاوة بالغة ومنحت فورا الجنسية الفرنسية، بعد ان قضت فترة في الولاياتالمتحدة في خدمة المنظمات الصهيونية هناك. مما سلف يتبين ان هذه المبادرة لا تحمل فائدة حقيقية للدول العربية المعنية ولا تتسم بالجدية والحرص والبراءة، وسوف تدخل هذه الدول في مطب التطبيع المجاني مع إسرائيل. والأهم من ذلك سوف تقضي علي ما تبقي من التضامن العربي الهش أصلا من خلال سلخ بعض دول الجامعة العربية غير المتوسطية عن محيطها الإستراتيجي الأولي بخطط التضامن والوحدة والتكامل الاقتصادي. نجاح ساركوزي في مسعاه في ضم دول عربية ضعيفة ومشتتة سوف يؤدي إلي عدم التزامها بأدني محددات التضامن العربي بحجة التزامها بهذه المعاهدة، وبالذات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وهنا نجد مصلحة اسرائيلية صميمة وحيوية. نفس الحال ينطبق علي الدول الافريقية العربية والتي يراد لها ان تنتزع من محيطها وعمقها الإستراتيجي الافريقي الطبيعي والمتضامن عادة مع القضايا العربية ولعل هذا مصدر مخاوف الزعيم القذافي صاحب السبق والريادة في مشاريع التضامن العربية والافريقية. وبهذا يكون خطاب ساركوزي في جزئه المتعلق بدعوة اسرائيل لوقف الاستيطان والقبول بدولة فلسطينية عاصمتها القدس ذرا للرماد في العيون وغير جدي، وله فقط علاقة برغبته في تسويق مشروعه المتوسطي في الدول العربية ذات العلاقة، مع انه ينسجم مع حرصه علي مستقبل دولة اسرائيل التي لا مستقبل لها علي المدي البعيد، دون انصياعها للشرعية الدولية وقد تكون حادثة اطلاق الرصاص اثناء وداع ساركوزي في مطار اللد والتي لم تتضح ملابساتها تماما تتعلق بموقفه من القدس والمستوطنات ونعتقد جازمين ان حياة ساركوزي المتحدر من ابوين يهوديين ليست أقدس من حياة اسحاق رابين اليهودي الصميم لدي المتطرفين العنصريين. قد يكون الرئيس ساركوزي من قراء الكاتب البريطاني ألان هارت صاحب كتاب الصهيونية-العدو الحقيقي لليهودية عندما تجرأ علي الحديث عن تقسيم القدس ووقف الاستيطان وضرورة صنع السلام مع الفلسطينيين، علي عكس الرئيس بوش والمستشارة الألمانية ميركل اللذين صمتا عن ذلك نفاقا، وهما يعلمان انه بدون ذلك لا سلام ولا أمن ولا مستقبل لاسرائيل في المنطقة العربية. وفي هذا السياق ينطبق علي ساركوزي المثل القائل صديقُكَ من صدقَكَ لا من صدَّقَك ، ولا ينطبق هذا القول علي كل من ميركل و بوش اللذين قاما بممارسة التملق والنفاق من أجل ارضاء اللوبي الصهيوني. وفي المحصلة وبعيدا عن مواقف ساركوزي ينبغي القول بصراحة ان دولة اسرائيل لا مستقبل لها علي المدي البعيد الا إذا انسجمت واندمجت في محيطها العربي الواسع واعترفت بالجرائم التي ارتكبت باسم يهود العالم بحق الشعب الفلسطيني وبحق العرب عموما وأقرت بما هو أكثر من القرارات الأممية وابتعدت نهائيا عن كونها ذراعا للقوي الغربية الامبريالية، التي سوف تتخلي عنها فورا إذا لم تعد تخدم هذه المصالح. وعلي الاسرائيليين ان لا يسعدوا كثيرا عندما يغمض الزعماء الغربيون عيونهم عن الجرائم الوحشية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. المؤرخون اليهود وغير اليهود الحريصون بحق علي مستقبل يهود اسرائيل من أمثال ايلان بابه و شراغا ايلام والبروفيسور نورمان فنكلشتاين مؤلف كتاب صناعة المحرقة والمحامية التقدمية فيليتسيا لنغر والمؤرخ الناجي من المحرقة النازية الدكتور هايو مائير يدركون ويقرون تماما ان الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود مصدرها ومرتكبوها هم الغرب الذين ينافقون لاسرائيل ويسكتون عن جرائمها وعنصريتها ويعلمون علم اليقين ان المشرق والمغرب العربيين كانا حضنا دافئا للأقليات اليهودية المشرقية السفاراديم التي ورطتها الصهيونية الغربية الأشكنازية وأبعدتها عن ابناء جلدتها وانتزعتها من جذورها التاريخية في العراق وسوريا ومصر والمغرب واليمن وباقي الدول العربية حيث عاشت هذه الأقليات آلاف السنين بأمان وانسجام وتكامل.مع محيطها العربي والاسلامي . ولهذا السبب نقول ان بعض مضامين خطاب ساركوزي تنم عن صداقة حقيقية لاسرائيل وحرص أكيد علي مستقبلها الذي بدا بالتأرجح والتراجع والانكسار، ولعل هذا هو السبب الذي يقف وراء زيارات حج الزعماء الغربيين إلي الكنيست الاسرائيلي للرفع من معنويات المستوطنين الذين ما انفكوا يصطفون امام السفارات الغربية في تل أبيب باحثين عن أجدادهم وجذورهم في تلك الدول لاستخراج جوازات سفر أجنبية حيث يبدو انه أزف الرحيل والعودة إلي الجذور والأوطان الحقيقية بعد ان تلطخت ايدي معظمهم بدماء الأبرياء ابناء البلاد العرب الأصليين. عن صحيفة الراية القطرية 6/7/2008