دولة أولمرت "الفلسطينية" .. " تمخض الجبل .." خليل العناني اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت دولة فلسطينية تقوم على 90 بالمائة من أراضي الضفة الغربية بالإضافة إلى قطاع غزة. وهو الاقتراح الذي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية قبل أيام وقالت إن أولمرت قدم للرئيس الفلسطيني محمود عباس ما أسمته الجريدة "اتفاق مبادئ". وحسب الجريدة نفسها فإن هذا الاتفاق يشمل بالإضافة إلى عرض الدولة "المبتورة"، تبادل للأراضي كتعويض عن إبقاء الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة بيد إسرائيل. وربط مادي للضفة بالقطاع عبر نفق، بهدف منح الفلسطينيين تواصلا إقليميا، ومنع الاحتكاك بين المجموعتين السكانيتين وحفاظا على الأمن. ووفق الاتفاق فمن حق إسرائيل المطالبة بتعويض عن الأرض التي ستمنحها من أجل حفر النفق في أراضيها السيادية. بالإضافة إلى النظر في حصول الفلسطينيين على جزء من "القدسالشرقية" كعاصمة لهم، مع إبقاء المدينة تحت السيادة الإسرائيلية. ولم يتعرض الاتفاق بكلمة واحدة للقضايا الأساسية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي والتي يطلق عليها قضايا الوضع النهائي وهي الحدود واللاجئين والقدس. وبداية فإن دلائل عديدة يمكن ملاحظتها بشأن اقتراح أولمرت، أولها توقيت طرح الاتفاق، حيث يأتي في وقت تمر به الساحة الفلسطينية بنوع من الانقسام العمودي بين فتح وحماس، ويحاول أولمرت من خلاله تعميق هذا الانقسام، واستغلاله من أجل تمرير تسوية جزئية للقضية تكون على حساب القضايا الرئيسية، ويتخيل أنه بذلك يقدم خدمة جليلة للرئيس الفلسطيني محمود عباس في معركته مع حماس. وقد ذكرت هآرتس أن أولمرت يعتقد بأن السلطة الفلسطينية ضعيفة ويتشكك في قدرتها على تنفيذ الاتفاقات وضمان الأمن، إلاّ انه يرى ان احتمال تحريك العملية السلمية من السهل إلى الأصعب وارد. ثانيها، رغبة إيهود أولمرت في تحقيق إنجاز سياسي على حساب الفلسطينيين، حيث يرى أن بإمكانه تكريس المفاوضات مع الفلسطينيين حول المسائل التي يعتقد ان من السهل التوصل إلى توافق حولها مثل ملامح الدولة الفلسطينية وخصائصها ومؤسساتها الرسمية ونظامها الاقتصادي والترتيبات الجمركية بينها وبين إسرائيل، قبل التقدم نحو محادثات أكثر حساسية مثل الحدود ومسألة المعابر الحدودية. وتنطلق حسابات أولمرت السياسية من فرضيتين هما: الأول ان غالبية الإسرائيليين تؤيد حل الدولتين للشعبين والثاني هو أنه في ظل التركيبة الحالية في الكنيست يمكن حشد غالبية متينة تؤيد "اتفاق المبادئ" المقترح. ثالثها، أن أولمرت، وكالعادة، لم يحدد جدولا زمنيا لتنفيذ اتفاق المبادئ الذي أعلن عنه، بل الأكثر من ذلك ما أشيع عن رفض أولمرت لما أطلق عليه "اتفاق رف" أي (اتفاق دائم مفصل مؤجل التطبيق) شامل بوساطة أميركية حول قضايا الحل النهائي. وقد برر أولمرت رفضه بعدم قدرة السلطة على تنفيذ اتفاق كهذا ومخاوفه من ان الفلسطينيين سيعتبرون ما يتم التوصل إليه "خط بداية لمفاوضات مستقبلية سيتطلب من إسرائيل تقديم مزيد من التنازلات". على حد وصفه. قد ينظر البعض للاتفاق باعتباره خطوة جيدة بشأن حلحلة الموقف الإسرائيلي من عملية السلام خصوصا بعد الجمود الذي أصابها منذ أكثر من سبع سنوات. وعلى اعتبار أن ما تقدمه إسرائيل، ولو كان قليلا، يجب قبوله من أجل إجبارها على تقديم المزيد مستقبلاً. بيد أنه قبل التعجل في الحكم على هذا الاتفاق، نود لفت الأنظار إلى عدة نقاط، أولها أن مبادرة أولمرت (إذا جاز تسميتها بذلك) تبدو كما لو كانت ردا غير مباشر على المبادرة العربية، وهي التي لم تعلق عليها إسرائيل حتى الآن، في حين ترفض ما ورد بشأن قضايا الوضع النهائي خصوصاً قضية اللاجئين الفلسطينيين. ثانيها، أنها تعبر عن مجرد مناورة سياسية أكثر من كونها مبادرة جادة تهدف إلى الوصول إلى حل نهائي لجميع الملفات والقضايا العالقة مع الفلسطينيين. ثالثها، أن بنود المبادرة نفسها تبدو هزيلة ولا ترقى إلى طموحات الفلسطينيين مطلقاً، حيث لم تتحدث المبادرة عن المستوطنات الإسرائيلية الكبرى في الضفة الغربية، وهل سيتم تفكيكها أم لا، ولا ندري كيف سيتم إعطاء الفلسطينيين 90 بالمائة من أراضي الضفة في حين أن الواقع العملي يؤكد أن المستوطنات الأربع الكبرى تلتهم ما يقرب من 45 بالمائة من أراضي الضفة. فضلا عن أنها لا تعطي الفلسطينيين حق السيادة على القدسالشرقية، وإنما مجرد إخلاء لبعض الأحياء البعيدة عن الأماكن المقدسة بها. وخلاصة القول أن ما أعلنه أولمرت لا يتجاوز مجرد اصطياد في الماء العكر، ومحاولة صب مياه باردة على المبادرة العربية من جهة، وتسخين الصراع الفلسطيني الداخلي من جهة أخرى، وهو ما يجب أن يفطن إليه الفلسطينيون قبل التعليق على مناورته الجديدة. عن صحيفة الوطن العمانية 28/7/2007