نبيلة حسني محجوب العنف الذي يمارس أحيانًا ضد المرأة في مجتمعنا، مؤشر خطير ينذر بنتائج خطيرة، مع أن الدولة تسعى بكل قوتها لتحفر لأمتنا موقعًا في المقدمة معيارتقدّم الأمم؛ يقاس بمدى تمتع أفراد المجتمع بالحقوق الإنسانية الأساسية. الحقوق التي كفلها رب العالمين، في كتبه التي أنزلها على رسله، وفاقت الدساتير والاتفاقات الدولية؛ كاتفاقية عدم التمييز ضد المرأة، الملزمة للدول المصادقة عليها بتنفيذ بنودها. ومع هذا نحن لا نعول عليها كثيرًا؛ طالما أن منا من يقدح ويشكك في كل ما يصدر عن الغرب، حتى لو كان المصدر «الأممالمتحدة» التي تضم كل الدول تحت مظلتها. ونحن كأمة منتمية إلى هذه المنظمة الدولية؛ نتحمّل دفع حصتنا من نفقاتها، ونشارك بحصة «كوته» من موظفيها، إلا أن هناك أصواتًا داخل المجتمع تشكك دائمًا في نوايا الغرب وما يصدر عن مؤسساته، وبالتالي تعيق تنفيذ الاتفاقيات، التي التزمنا بها. مع أننا أمة مسلمة، أمرت بالوفاء بالعهود، ومع هذا نكيل بالمكيال الذي يوافق قناعات الفئة الأعلى صوتًا، مع أنها تبيح لنفسها الأخذ من الغرب، والسفر إليه، والإفادة من علومه وفنونه، واستخدام منتجاته بشكل يناقض ذلك العداء السافر! إذن معيار التقدم؛ هو تمتع الفرد، أيًا كان -رجلاً امرأة طفلاً شيخًا معاقًا غنيًا فقيرا أبيض أسود رئيسًا مرؤوسا- بحقوقه الأساسية، من الحرية والعدل والمساواة، حتى لو أجرم!! فهناك حدود لتنفيذ العقوبات، بحيث تتوافق العقوبة مع الجرم، والاقتصاص للضحية بقدر ما أصابها من ضرر بحيث تعوض نفسيًا وماديًا واجتماعيًا عن الأضرار التي لحقت بها. كل هذا لابد أن يوضع في الاعتبار أثناء إيقاع العقوبة على المعتدي، كي يعود للضحية اتزانها النفسي والأسري والاجتماعي، وتشعر بطعم العدل وهي تتجرع آلامها، فتبرأ ب«بلسم» العدل، ويطمئن المجتمع على حاضره ومستقبله، ويأمن أفراده على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ويرتدع من في قلبه مرض! المرأة فرد مهم في المجتمع، بل هي أهم لبنة في بناء المجتمعات الإنسانية. وهي رغم هذه الأهمية، إلا أنها أيضًا اللبنة الأضعف، لذلك تظل هي سر تماسك بنى المجتمعات وتقدمها، أو هشاشتها وتأخرها. العنف الذي يمارس أحيانًا ضد المرأة في مجتمعنا، مؤشر خطير ينذر بنتائج خطيرة، مع أن الدولة تسعى بكل قوتها لتحفر لأمتنا موقعًا في المقدمة. العنف يمارس ضدها من المجتمع الذي يرفض تمتعها بحقوقها الإنسانية القائمة على الحرية والعدل والمساواة. فإذا أخطأت مهما كان حجم الخطأ؛ تعاقب عقوبة مضاعفة، حتى لو كانت ضحية لجريمة بشعة وحيوانية، بل يربأ الحيوان أن يأتي بمثلها. جريمة أصابتها بأضرار جسيمة على المستوى النفسي والجسدي والأسري والاجتماعي، ومع هذا عوقبت على الخطأ الذي صدر منها جهلاً ولعدم نضجها العقلي والنفسي، نظرًا لسنوات عمرها التي لم تتجاوز العقد الثاني من العمر. العاقل الحصيف يدرك التفاوت بين البشر، فتجد فتاة صغيرة أنضج من امرأة كبيرة، حسب البيئة والتعليم والثقافة، إلا أن العدل يضع في ميزانه تلك الفروق عند إحقاق الحقوق. إذا كانت بعض الأحكام في الدول من حولنا فاسدة كما أوضح الأمير الإنسان سعود الفيصل في إجابته على سؤال حول الحكم الصادر بحق فتاة القطيف، فنحن أمة مسلمة، لابد أن تعترف بخطئها إذا أخطأت، حتى لو كان الخطأ صادرًا عن قاضٍ أو قضاة، فكلنا بشر، وكلنا خطّاء! كذلك الحكم الذي فرّق بين زوجين سعيدين، وشتت شملهما، وشرد صغارهما. إذا كانت الأمة لا تجتمع على خطأ، فهل تعني الأمة العدد القليل من الفقهاء والعلماء والقضاة؟ أم أن الأمة هي المجتمع بمفكريه ومثقفيه وعامته وخاصته، الذين أعلنوا دهشتهم وحزنهم على فاطمة ومنصور، وعلى الفتاة التي تناوب على اغتصابها خمسة ذئاب بوحشية؟! العنف ضد المرأة يتجسد في خبر توقيف الإذاعة لمذيعتين لأنهما تجرأتا بالحديث في ملتقى إعلامي حول مشاكلهما الخاصة بالمكافآت. كما نشرت جريدة الوطن في صفحتها الأخيرة يوم الاثنين 20 ربيع الآخر 1428ه. عجبت من السرعة التي تحرك بها المسؤول ليوقع أقصى العقوبة! العنف ضد المرأة؛ يتجسد في هذه القضايا، التي تطرحها الصحف كل يوم، عن هروب فتاة، ربما هربًا من عنف أسري عجز جسدها الضئيل عن صده! سأل رجل فيلسوفًا فيثاغورثيًا عن أفضل طريقة لتربية الأبناء فكانت إجابته «اجعل منه مواطنًا في بيئة ذات قوانين صالحة». عن صحيفة المدينة السعودية 1/12/2007