من الواضح أن استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية بشأن إمدادت الغاز التي دخلت يومها الخامس قد أصبح يشكل تهديدا خطيرا لأمن أوروبا من الطاقة حيث يسهم الغاز الروسي في تغطية نحو 30% من احتياجات دول الاتحاد الأوروبي. وقد أشارت أنباء بالفعل إلى تراجع إمدادت الغاز الروسي إلى بولندا عبر أوكرانيا ب 11% في الوقت الذي بدأت تتأثر فيه الإمدادت لكل من رومانيا وتركيا وبلغاريا. وعلى صعيد تداعيات الأزمة أصدرت محكمة كييف اليوم قرارا بمنع مرور الغاز الروسي عبر أراضي اوكرانيا بالأسعار المعمول بها حاليا مع روسيا. وقالت وكالة انباء "انترفاكس" إن المحكمة امرت شركة "نفتوغاز" الاوكرانية بالتوقف عن ترانزيت الغاز الروسي في الأراضي الاوكرانية بسعر 1.6 دولار عن كل كيلومتر تجتازه كمية الف متر مكعب من الغاز وعلى مسافة 100 كيلومتر (ما يعني 160 دولارا لمرور كل الف متر مكعب بكامل الاراضي الأوكرانية). واوضحت ان المحكمة طلبت ايقاف العمل باتفاقية ترانزيت الغاز المعقودة بين البلدين حتى عام 2010 مبررة قرارها هذا بأن المسؤولين الاوكرانيين الذين وقعوا هذه الاتفاقية في عام 2006 لم يكونوا مخولين بذلك. ومن شأن تلك الخطوة ان تعمق الخلافات بين الجانبين وان تؤدي الى حدوث ارتباك حاد في امدادات الغاز الى المستهلكين الاوروبيين. وكانت شركة (غازبروم) الروسية قد اعلنت عن وقف امدادات الغاز الى اوكرانيا مع بداية العام الحالي بعد ان اخفق الجانبان في التوصل الى عقد اتفاقية جديدة حول اسعار الغاز. واتهمت (غازبروم) الجانب الاوكراني بسرقة الغاز الروسي الذي يمر عبر اراضيها الى المستهلكين الاوروبيين. وفي اول رد فعل روسي على قرار المحكمة قلل رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس الدوما قسطنطين كوتساتشوف من اهمية القرار وقال في تصريح له ان المحاكم الاوكرانية غير مخولة بالنظر في الخلافات حول قضية الغاز بين البلدين وان هيئة التحكيم في ستوكهولم تعتبر المرجعية القضائية الوحيدة التي يحق لها النظر في هذه الدعاوى. وتجدر الاشارة الى ان (غازبروم) عرضت على اوكرانيا شراء الغاز بسعر 250 دولارا لكل الف متر مكعب من الغاز الا ان كييف رفضت هذا العرض ما حدا بالجانب الروسي الى ابداء التشدد والمطالبة بسعر 450 دولارا لهذه الكمية من الغاز اسوة بالدول الاوروبية الاخرى. وبعد خمسة أيام من اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية بدأت الدول الأوروبية وخاصة المتاخمة لروسيا وأوكرانيا في تسجيل نقص فعلي لإمدادات الغاز إليها ومن بين هذه الدول رومانيا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا. وقال المتحدث باسم المفوضية الاوروبية لشؤون الطاقة فيران تاراديلاس اسبني إن إمدادات الغاز الطبيعي الروسي عبر الأراضي الاوكرانية إلى اوروبا لم تنقطع بنحو جوهري في الوقت الحاضر على الرغم من حدوث بعض الأمور غير النظامية. جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقد في بروكسل في اعقاب الاجتماع غير الاعتيادي الذي عقده سفراء دول الاتحاد الاوروبي لمناقشة النزاع القائم بين روسيا واوكرانيا بسبب الاتهام الذي توجهه موسكو إلى السلطات الاوكرانية بعدم الالتزام بضمان ضخ الغاز إلى مستهلكيه في أوروبا. وأشار المتحدث باسم المفوضية الاوروبية لشؤون الطاقة فيران تاراديلاس اسبني إلى أن هنغاريا وسلوفاكيا رومانيا وبولندا لاحظت اختلافات في حجم الغاز الذي يتسلمونه عبر اوكرانيا ولكن الوضع يختلف في كل دقيقة. وشدد على ان الوضع هادىء تماما في الوقت الحاضر ولا يوجد خطر على امدادات الغاز الروسي إلى المواطنين الاوروبيين والتي تنقل اوكرانيا منه نسبة 80%. وكانت روسيا اوقفت امدادات الغاز الطبيعي الى اوكرانيا في الأول من يناير الجاري بعد اخفاق مباحثات عقدتها بشأن دين متعلق بحقل الغاز مترتب على كييف يبلغ ملياري دولار. وقالت جمهورية التشيك التي تتولى الرئاسة الدورية الأوروبية وتقوم حاليا بتنسيق التحركات الأوروبية إنها سجلت بدورها نقصا يناهز الخمسة في المائة من مجمل إمدادات الغاز الروسية المخصصة لها. وتعكس هذه التطورات الطابع الهش الفعلي للاتحاد الأوروبي في مجال التزود بالغاز بشكل خاص وفي محل الاعتماد على مصادر خارجية في قطاع الطاقة بشكل عام. وقال مصدر في المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل كما ورد في وكالة الأنباء السعودية "واس"إن السفراء سيقيمون الموقف بين أوكرانيا وروسيا من مختلف جوانبه وسيستمعون أيضا إلى موقف خبراء التكتل الأوروبي ويفكرون في نفس الوقت في بلورة آليات بديلة للحد من التبعية الأوروبية المتصاعدة في مجال الطاقة تجاه الشريك الروسي. وتعتمد أوروبا الموحدة بواقع ثلاثين في المائة على مصدر الطاقة الروسية وتصل درجة التبعية في دول البلطيق الثلاث تجاه موسكو بواقع مائة في المائة. وفيما يربط العيد من المحللين الأوروبيين بين تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية وبين عوامل تعود لخلافات سياسية بين الطرفين فان الدول الأوروبية تواجه انقسامات جوهرية بشان التعامل مع موسكو. وترفض ألمانيا وايطاليا والنمسا المعتمدة بشكل حيوي على إمدادات الغاز الروسية أي ربط بين الجانب السياسي والجانب التجاري للازمة الروسية الأوكرانية وترفض إقامة جبهة مناهضة للروس داخل الاتحاد الأوروبي وهو ما تدعو إليه جمهورية التشيك الرئيس الدوري للاتحاد الأوروبي. ولكن رغم هذه الخلافات يبدو الأوروبيون أكثر استعدادا نسبيا لمواجهة الأزمة الحالية مقارنة مع الوضعية التي واجهوها عام 2006م إبان قطع روسيا بشكل شبه تام للإمدادات الغاز عن أوكرانيا بسب حرب الأسعار. ويقول الدبلوماسيون الأوروبيون في بروكسل إن الاحتياطي الأوروبي من الغاز يفوق حاليا الحد الأدنى المطلوب وقادر على تجنيب الاتحاد الأوروبي أزمة إمدادات محتملة. ولكن هذا الجانب الايجابي من معادلة حرب الغاز الروسية الأوكرانية يثير مخاوف أوروبية فعلية من أن يتم تسييس النزاع وكل ما يحمله من عواقب وخيمة على امن الطاقة الأوربية. وتطالب الدول الشرقية حاليا بتضمين اتفاقيات الوحدة الأوروبية والمعاهدات الاتحادية بنودا صريحة وواضحة تنص على إبداء تضمن فعلي وعملي مع أية دولة عضو تواجه إشكاليات ومتاعب في التزود بالطاقة. وترفض الدول الكبرى داخل التكتل مثل فرنساوألمانيا المسيطرة على سوق الطاقة الأوروبية هذا الخيار وتعتبر إدارة قطاع الطاقة شان يتعلق بالسيادة الوطنية لكل دولة.