صدرت مؤخرا الطبعة الثالثة من كتاب "الخوارج والشيعة..أحزاب المعارضة السياسية الدينية فى صدر الإسلام" للمستشرق والمؤرخ الألماني يوليوس فلهوزن عن مركز عبد الرحمن بدوى للإبداع، والذي يتناول بين دفتيه الحديث عن أقدم الفرق السياسية والدينية في الإسلام. ويناقش الكتاب وفقا لما ورد بصحيفة "اليوم السابع" المصرية تاريخ الخوارج والشيعة السياسي منذ نشأتهما مع معركة صفين الشهيرة بين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهة ومعاوية بن أبي سفيان، والتأثير الواضح الذي طرأ على التاريخ الإسلامى منذ هذه اللحظة وحتي انهيار الدولة العربية الخالصة. ويقف "أحزاب المعارضة السياسية الدينية" عند الحوادث التي شكلت محطات مفصلية في تاريخ الأسلام من المعارك وإقتتال وحركات ثورية بهدف الإنقضاض علي السلطة وانتزاع الحكم. وتباينت منهجية كل فريق حيث يرى الشيعة أن بنى أمية اغتصبوا الحكم لأنفسهم ضد شرعية آل على ويؤكد علي أحقية الأمام بالخلافة وبقاءها في هذ البيت دون غيره، فيما يقف الخوارج ضد كل من شرعية الإمام المختار وضد حكم بنى أمية. استخلص المؤرخ الدكتور عبد الرحمن بدوى الوقائع من مصادرها التاريخية الصافية دون تأويل أو تحريف أو التحييز لفريق علي أخر، وانتقي رواياته من تاريخ الطبرى باعتباره انقي المصادر الي جانب الكامل للمبرد، وابن الأثير ليكتسب كتابه اهمية خاصة في صياغة أحد المحطات الشائكة في التاريخ الإسلامي. وقسم بدوي الكتاب إلى بابين رئيسيين ليمنح كل ليفرق بين الفريقين، فخص الباب الأول للخوارج وفصله الي 11 قسما، انطلق معها من معركة صفين وواقعة التحكيم، وقدم تحليلا للمعركة ونشأة الخوارج والصلة بين السبئية والخوراج وأوضح أنهم إن الخوارج لم يكونوا بذرة فاسدة بذرها اليهودى ابن سبأ سرا، بل كانوا نبتة إسلامية حقيقية، وكانوا جادين فى مسألة الخلافة، ولم يأتوا فيها بأمر غريب أو مستنكر، وإنما كانوا ظاهرين علنيين أنصارهم يتجددون باستمرار، وكانوا حزبا ثوريا صريحا لم ينشأوا عن عصبية العروبة، وإنما عن الإسلام. ثم تطرق الي مقتل على بعد حربه ضدهم وتفرقهم الي أحزاب وفرق الأزارقة والصفرية والإباضية والبيهسية، وأوضح أن الإباضية كانت ألينهم عريكة، وأكثرهم تمسكا بالدين ولم يكن هدفهم أن ينتصروا على جماعة المسلمين بالقوة، كما يهدف الخوارج عامة. وأسهب الباب الثاني الحديث عن الشيعة يتحدث واتخاذهم على بن ابى طالب إماما وزعيما لهم ليس باعتباره ابن عم رسول الله صلي الله عليه وسلم وحقه الأصيل فى وراثة الخلافة، ولكن لأنهم رأوه أفضل الصحابة، وانتقل الكاتب الي الحديث عن تولى الحسن بن على وضعفه وكيف أنه خيب آمال أنصار أبيه منتقلا إلى الحسين وابتداء حركته عندما أرسل له أهل الكوفة الرسائل لبيعته، ومسلم بن عقيل ومقتله ومقتل الحسين على يد شمر بن ذى الجوشن. وقدم الكتاب تحليلا لمأساة الحسين حيث أكد ان استشهاد الحسين فتح عصرا جديدا لدى الشيعة، وكان النظر إلى استشهاده على أنه أهم من استشهاد أبيه، لأن أباه لم يكن ابن بنت رسول الله"، ويشير إلى افتقاد الحسين لبعض الصفات اللازمة منها أنه لم يبذل شيئا، وترك الآخرين يعملون من أجله كل شىء، ومع اصطدامه بأول مقاومة انهار، وأراد الانسحاب، ولكن كان ذلك متأخرا جدا، الي شعورهم بالخطيئة في التخاذل عن نصرة حفيد رسول الله. ويوضح المؤرخ الكبير أنه عرض الأحداث والوقائع فى تسلسل نقدى، وكان يتخذ مقاييس فى أحكامه على الأشخاص والحوادث من الأحوال السياسية المتعلقة بغض النظر عن العاطفة المقترنة بهؤلاء الأشخاص سواء من أصحابهم أو خصومهم، ومن هنا اتسمت أحكامه بالموضوعية، وأن اتبع المنهج التاريخى النقدى القويم وليقدم خير مصدر فى تأريخ هذه المرحلة باعتباره نقدا سياسيا بحتا.