شهدت كربلاء حادثة من أبرز أحداث التاريخ الإسلامى كله، ففيها وقعت واقعة الطف، أو معركة كربلاء الشهيرة، والتى كانت أبرز حادثة من بين سلسلة الوقائع التى صاغت طبيعة العلاقة بين السنة والشيعة عبر التاريخ. فكربلاء هى إحدى المدن المقدسة لدى الشيعة – إن لم تكن أقدسها – ويرقد فيها حفيد رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسين بن على بن أبى طالب. تقع كربلاء على بعد 105 كم جنوب غرب بغداد ، ويعود تاريخها إلى العصر البابلى، وتعنى كربلاء (قرب الإله) وهى كلمة تعود أصولها إلى البابلية القديمة. وتعود أحداث واقعة الطف الشهيرة بموقعة كربلاء إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان، والذى كان من بنى أمية، فثار معاوية بن أبى سفيان، والذى كان من بنى أمية أيضاً، وحمل على بن أبى طالب الخليفة التالى المسئولية غير المباشرة عن حدوث الاضطرابات الداخلية التى أدت لمقتله، وتفاقمت حدة الخلاف بين معاوية وعلى، حتى وصل للنزاع المسلح فى موقعة صفين، واستطاع معاوية أن يحدث الفتن والاضطرابات فى صفوف قوات على بن أبى طالب، وأطلق اسم الخوارج على تلك الطائفة من شيعة على التى خرجت عليه وقاتلته . استطاع معاوية أن يبسط نفوذه على مناطق مصر وسوريا بعد ذلك، وبعد مقتل على بن أبى طالب عام 661 م، كان معاوية فى وضع أقوى من ابن على، فتنازل الحسن بن على بن أبى طالب عن الخلافة لمعاوية حقناً لدماء المسلمين، على شرط أن تعود الخلافة بعد موته إلى نظام الشورى بين المسلمين. قام معاوية بترشيح ابنه يزيد لخلافته، وعندما تولى يزيد من بعده وواجه تنصيبه معارضة شديدة، وخاصة من الحسين بن على بن أبى طالب، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، ووصلت أنباء رفض الحسين مبايعة يزيد و اعتصامه بمكة إلى الكوفة، التى كانت أحد معاقل شيعة على بن أبى طالب ، ظهر تيار قوى رأى أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الحسين بن على الخلافة، وبعد تلقى الحسين العديد من الرسائل من الكوفة، أرسل مسلم بن عقيل بن أبى طالب ليستطلع له الأمر، وحسب المصادر الشيعية فإن 18 ألفاً بايعوا الحسين ورفضوا خلافة يزيد، فأرسل له مسلم يعجله بالقدوم، وذكرت المصادر التاريخية أن قدوم آل البيت كان بدعوة من أهل الكوفة، وعلى الرغم من أن العديد من أصحاب وأقارب الحسين نصحوه بعدم الذهاب وأبرزهم عبد الله بن جعفر بن أبى طالب، وعبد الله بن العباس الذى نصحه بالذهاب إلى اليمن لأن بها حصوناً وشعاباً تحميه، وبها أنصار مخلصين له، و هناك رواية شهيرة أنه وفى طريقه للكوفة قابل الشاعر الفرزدق فقال له "قلوب الناس معك وسيوفهم مع بنى أمية"، و لكن الحسين أصر على الذهاب . بوصول خبر مبايعة أهل الكوفة إلى يزيد بن معاوية، أصدر أمراً بعزل والى الكوفة النعمان بن بشير بتهمة تساهله مع الاضطرابات التى تهدد الدولة الأموية، وعين بدلاً منه والى أشد حزمأ هو عبد الله بن زياد الذى هدد زعماء العشائر والقبائل فى حالة عدم سحب مبايعتهم للحسين، بأنه سيأتى بالجيش الأموى ليبيدهم عن بكرة أبيهم، فبدأ الناس يتفرقون عن مبعوث الحسين مسلم بن عقيل حتى انتهى الأمر بقتله. سار الحسين بقواته إلى أن اعترضهم الجيش الأموى فى الصحراء قرب كربلاء فى منطقة تسمى "الطف" ، واتجه الجيش الأموى الذى كان قوامه 4000 مقاتل بقيادة عمر بن سعد بن أبى وقاص، بينما كانت قوات الحسين عبارة عن 32 فارساً و 40 راجلاً ، فأحاط الجيش الأموى بقوات الحسين، وراح أهل بيت الحسين وأصحابه يتساقطون واحداً بعد الآخر، حتى لم يبق فى الميدان إلا الحسين وحده ، وراحت ضربات الرماح والسيوف تمطر جسده، وحسب رواية الشيعة فإن شمر بن ذى جوشن قام بفصل رأس الحسين عن جسده بضربة سيف بعد ذلك. حدث ذلك فى يوم الجمعة من عاشوراء فى شهر المحرم سنة 61 من الهجرة، و كان عمر الحسين وقتها 56 عاماً، ولم ينج من القتل سوى على بن الحسين، ليحفظ نسل أبيه من بعده. وحتى الآن لا تزال توجد أقاويل حول مكان دفن رأس الحسين، بعد قطعها وإرسالها لبلاط يزيد بدمشق، و إن كان الرأى الأرجح أنها بالشام. ومنذ ذلك الوقت وكربلاء أصبحت مكاناً مقدساً للشيعة من المسلمين، وأصبحت من أهم الأماكن التى شكلت علامة فارقة فى التاريخ الإسلامى، وظلت واقعة الطف أو موقعة كربلاء أكثر المعارك جدلا فى التاريخ الإسلامى لآثارها السياسية والعقائدية والنفسية التى لا تزال موجودة حتى يومنا الحالى، و ذلك على الرغم من قلة أهمية هذه المعركة من الناحية العسكرية، حيث وصفها البعض بأنها مجرد محاولة تمرد فاشلة قام بها الحسين، ولكن المعركة و تفاصيلها ونتائجها أصبحت تمثل قيمة روحانية ذات معانى كبيرة لدى الشيعة، الذين يعتبرون معركة كربلاء ثورة سياسية ضد الظلم، وأصبح مدفن الحسين فى كربلاء مكانا مقدسا لدى الشيعة يقومون بزيارته طوال الوقت.