أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم برنامج "ترجم" بغية المساهمة في تجاوز التأخر الثقافي الذي تعانيه المجتمعات العربية ومد أواصر الحوار مع الثقافات العالمية. في هذا السياق تم تقديم مجموعة ترجمات لعشرات من أهم الكتب الألمانية، ومنها كتاب "الإسكندرية سراب" تأليف يواخيم سارتوريوس، وترجمة فارس يواكيم الصادر عن شرق غرب للنشر، بالتعاون مع مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. توزيع الدار العربية للعلوم. والمؤلف هو شاعر ألماني وأديب ومدير مهرجانات برلين ولد عام 1946، حمل شهادة دكتوراه في القانون. بدأ حياته دبلوماسيا وعمل لفترة مديراً لمعهد جوته. يهدف الكتاب وفق صحيفة "المستقبل" اللبنانية إلى استحضار المدينة مرة ثانية وثالثة هذه المدينة الموغلة في القدم. والتي عاشت مجداً وشهرة كما تلقت صدمات لا تحصى وعانت أمر الأوقات لعلها المدينة الوحيدة التي عاشت التغييرات بكل ضغوطها السياسية والتاريخية والحربية والسكانية والتجارية. كأن هذه المدينة العظمى قد غابت تماماً واستحالت استعادتها؟ ألم تعد سوى سراب؟ أم ثمة بقايا مشعة ما زالت تتوهج وتربط الواقع بهذا الوجود المتخيل؟. أسئلة صعبة يحاول الكاتب أن يجيب عنها بحثاً بالضرورة عن روح الإسكندرية الكوزموبوليتية أي المدينة التي حاولت التوفيق بين العالمية والمشاعر الوطنية المحلية. هل كانت الإسكندرية حقيقة أضحت سراباً؟ وماذا عن ذلك المجتمع المتعدد الجنسيات والثقافات الذي وجد ولعب دوراً حاسماً في جعل المدينة مركزاً للاشعاع، خصوصاً في حِقْبتين تاريخيتين: الأولى مع تأسيس المدينة على يد الاسكندر، والثانية في الفترة التي امتدت من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين؟. في المقدمة يلقي يواخيم سارتوريوس الضوء على "المدينة الكونية اللون" على أسباب النشوء وظروف الزوال. أي أن المدينة الواقع والخيال والسراب تجتمع في هذا الكتاب الذي يختمه المؤلف بقصائد مستوحاة في الإسكندرية، وبين دفتيه شهادات بعضها بأقلام من عاش في الإسكندرية مثل اليوناني كفافيس والإيطالي أونفاريتي ومثل إدوار الخراط وبعضها قصائد من وحي الإسكندرية كتبها شعراء. القسم الأول من الكتاب يجمع شهادات من عصر الازدهار الثاني الكبير للإسكندرية من فلوبير إلى كفافيس ومن جيد إلى اسيمان قصائد، مقالات الرحالة، رسائل، سير ذاتية. في القسم الثاني نصوص تقدم نموذجاً لحيويه هذه الأسطورة وتألقها، الأسطورة التي ظلت "مدخلاً نفسياً" للخيال وملكة التصور في عملية "إعادة البناء الشعرية". القسم الثالث يتحدث عن العصر الهيليني وحقبة البطالسة استناداً إلى نصوص شعراء المكتبة العظمى، وخلاصات الروايات والرسائل الخاصة، وتقارير الرحالة الكبار سترابون وديودوروس ونصوص للرحالة ابن جبير وشاتوبريان. ويقول المؤلف في كتابه أن الإسكندرية مدينة موغلة في القدم، وكانت مركزاً تجارياً مهماً باخرة مثيرة للعواطف مربوطة بجبال بسواحل إفريقيا. كانت عاصمة البطالسة احتلها النورمان ودخلتها الحملات الصليبية، ووصلها نابليون وحكمها باشوات الإمبراطورية العثمانية ونحو ألف عام من تاريخ المدينة الإسلامي وبتسامح من السلطات العثمانية تم نقل المنجزات المدنية الأوروبية إليها وسرعان ما أصبحت الإسكندرية أول مدينة في إفريقيا مجهزة بالتيار الكهربائي وبالمرافق الصحية الحديثة، وبإنارة الشوارع باللحف وببورصة مع فوران البناء المديد الذي جعل منها من أواخر القرن التاسع عشر مدينة حافلة بالفيلات ذات النمط الايطالي وطراز آرت ديلو. أيضا أصبحت الإسكندرية كما القاهرة مركزاً للثقافة الأوروبية المستوردة فاستضافت مسارح "كوميدي فرانسيز" و"سكالا دوميلانو" و"المسرح الوطني اليوناني" وكانت موطناً ل 600,00 نسمة بينهم 150,000 أوروبي. وقبيل الحرب العالمية الأولى رشحت نفسها لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية وكانت هناك نهضة من الأفلام السينمائية في الأدب والتصوير الفوتوغرافي وكانت أيضاَ المدارس المسيحية على أنواعها، والأهم أنها كانت مدينة عاشقة للحياة.