في الوقت الذي استجاب فيه ملك المغرب لمطالب شباب "جيل زد" برفع ميزانيات التعليم والصحة وفتح الأبواب السياسية لهم، يواصل المنقلب السفيه في القاهرة رفع أسعار المحروقات بلا أي اعتبار لانخفاضها عالمياً، ما أشعل أسعار كل السلع، واستهان بشعبه عشرات المرات. شباب "جيل زد" في المغرب حصلوا على إجابات فعلية، بينما المصريون ينتظرون اللحظة الفارقة ليكنسوا نظاماً يضم أقذر قيادات الأرض في الجيش والشرطة والإعلام والمؤسسات الحكومية. فهل تشجع تجربة المغرب على تحرك مصري ضد الفرعون القزم وعصابته، أم سيظل الشعب رهينة لجشع وعبثية من جاء بالدبابة؟
رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم يترددوا في رصد المقارنة: الملك يستجيب للشباب ويحتفي بمطالبهم، بينما المنقلب بالسيسي يستخف بقومه عشرات المرات، محاطًا بأقذر قيادات الجيش والشرطة والإعلام والمؤسسات الحكومية. السؤال الآن يتردد على ألسنة المصريين: هل ستصبح استجابة المغرب لشبابه نموذجًا يحرك الشارع المصري ليتخلص من نظام يرفض الإصغاء لشعبه ويغرقه في الفقر؟ وجاء إعلان المجلس الوزاري الذي ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس، مساء أمس الأحد، تخصيص المطالب الاجتماعية باعتمادات مالية مهمة وإجراءات تدبيرية مستعجلة، واعتماد مشروعين لقانونين يتضمنان إجراءات لتعزيز مشاركة النساء والشباب في الحياة السياسية، لتنقل مطالب حركة "جيل زد" الشبابية، التي هزت الشارع خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، إلى مرحلة جديدة، ولتفتح الباب أمام أسئلة بشأن مدى استجابة مخرجات المجلس لتلك المطالب.
وفي الوقت الذي استأنفت فيه حركة "جيل زد" احتجاجاتها في 12 مدينة مغربية أول من أمس السبت، بعد توقفها لأيام، كانت لافتةً مصادقة المجلس الوزاري، خلال اجتماعه أمس، على مشروع قانون المالية 2026 الذي تضمن إصلاحات اجتماعية، كان من أبرز صورها الرفع من قيمة الموازنات المرصودة لقطاعي التعليم والصحة، فضلاً عن مشروعي قانونين تنظيميين لانتخابات مجلس النواب وللأحزاب السياسية. وجاءت مخرجات المجلس الوزاري الذي انعقد بعد نحو ثلاثة أسابيع من خروج الشباب للاحتجاج، في لحظة سياسية واجتماعية لافتة، تزامنت مع حالة ترقب وانتظار لمآل احتجاجات شباب "جيل زد"، التي دخلت أول من أمس السبت أسبوعها الثالث؛ وإن كانت بزخم أقل مما سجل خلال أسبوعها الأول.
وكانت حركة "جيل زد" الشبابية قد أطلقت، في 28 سبتمبر/أيلول الماضي، موجة احتجاجات رقمية واجتماعية ركزت في البداية على تحسين خدمات الصحة والتعليم والشغل ومحاربة الفساد. قبل أن توسع لاحقاً قائمة مطالبها لتشمل إقالة حكومة عزيز أخنوش.
"جيل زد" تستأنف احتجاجاتها في المغرب بوقفات في 12 مدينة
وفي انتظار تفاعل شباب "جيل زد" بشكل رسمي مع مخرجات المجلس الوزاري التي تحمل دلالات سياسة خلال الساعات القادمة، رأى الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري مصطفى عنترة أن "الملك محمد السادس قد تفاعل إيجابياً مع مطالب الشباب المحتجين ضمن جيل زد من خلال حزمة من الإجراءات العملية التي حملها المجلس الوزاري الأخير"، لافتاً إلى أن تلك الإجراءات ركزت على القطاعات التي تشكل جوهر انشغالات هذا الجيل، وفي مقدمتها التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمشاركة السياسية، وهي المجالات التي لطالما عبر الشباب عن الحاجة الملحة لإصلاحها.
وأوضح عنترة، أنه في مجال التعليم والصحة، جرى الإعلان عن رفع الغلاف المالي إلى 140 مليار درهم (13 مليون دولار) وخلق أكثر من 27 ألف منصب مالي جديد، مع تسريع وتيرة بناء المراكز الاستشفائية وتجهيزها وتعميم التعليم الأولي وتحسين جودة التعلم.
ولفت الباحث المغربي إلى أنه على مستوى الحماية الاجتماعية، "فقد أكد المجلس الوزاري توسيع برامج الدعم المباشر وتوسيع الانخراط في أنظمة التقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل، إضافة إلى مواصلة برنامج الدعم المباشر لاقتناء السكن الرئيسي، بما يكرس مفهوم الدولة الاجتماعية التي تضمن الكرامة والعدالة لجميع الفئات".
غير أن كل هذه الخطوات، على أهميتها، تظل، وفق عنترة، بحاجة إلى مساندة قوية في مجال محاربة الفساد وترسيخ الشفافية والمحاسبة، "لأن تعزيز ثقة المجتمع بالمؤسسات لن يتحقق إلا بربط المسؤولية بالمساءلة والتصدي الصارم لكل أشكال الريع وسوء التدبير".
وشدد على أن المغرب "مقبل على استحقاقات وطنية ودولية كبرى، تتطلب إدارة نزيهة وكفاءات مؤهلة، قادرة على تنزيل الإصلاحات الملكية على أرض الواقع وتجسيدها في سياسات ملموسة يشعر بها المواطن المغربي، خاصة الشباب الذين يشكلون نبض الحاضر ورهان المستقبل".
من جهته، رأى الناشط السياسي والمدني هشام ولد الداغرية، في تصريح ل"العربي الجديد"، أن مخرجات المجلس الوزاري "تضمنت العديد من الاجابات على ما طُرح مؤخراً في احتجاجات شباب "جيل زد" من حيث تسهيل المشاركة في الحياة السياسية عبر فتح الباب للترشح خارج الإطارات الحزبية الموجودة في الساحة، والتي يمكن أن نقول إنها تشكل عائقاً كبيراً أمام التحاق الشباب بالعمل الحزبي نظراً إلى بنيتها التقليدية والتنظيمية التي تقتل العمل السياسي وإلى العقلية المتحكمة في القرار الحزبي".
واعتبر ولد الداغرية أن المجلس الوزاري، وتجاوزاً للبيروقراطية الحزبية، فتح الباب للترشح من دون انتماء سياسي مع الدعوة إلى تسهيل المساطر المعمول بها في هذا المجال، فضلاً عن دعم مالي للشباب الراغبين في الترشيح يصل إلى 75% من مصاريف الحملة الانتخابية، وهو ما سيمنح لمن يرغب منهم في المشاركة فرصة للتعرف من قرب على سير العملية الانتخابية مع ضرورة فتح النقاش في التقطيع الانتخابي لكي يتمكن الشباب من الولوج إلى البرلمان بطريقة ميسرة.
شباب "جيل زد" يُحيي مطلب محاربة الفساد في المغرب
في المقابل، اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي أن "التفاعل مع مطالب مختلف الفئات والشرائح في العلاقة مع أي نظام سياسي (كل مؤسسات الدولة المعينة والمنتخبة) لا بد أن يتسم بميزتين: الأولى هي القدرة على التوقع، وهنا يكون التفاعل مع المطالب استباقي، والثانية هي القدرة على تقديم أجوبة تتسم بالفعالية والنجاعة، أي سد هذه الحاجيات".
ورأى اليونسي، "، أن مخرجات المجلس الوزاري المنعقد أمس هي "مخرجات تحدد التوجهات العامة ولا تعطي إجابات مباشرة لمطالب جيل زد التي هي في العمق مطالب المغاربة جميعاً، خصوصاً ثلاثي التعليم والصحة ومحاربة الفساد"، معتبراً أن "تفاعل مختلف مؤسسات الدولة مع مطالب الشباب لم يكن في مستوى القدرة على تقديم أجوبة فعالة وناجعة. كلها أجوبة تجزيئية ودون مستوى هذه المطالب".