عاد اسم ناصر القدوة، ابن شقيقة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، بشكل مفاجئ ليسيطر على المشهد السياسي الفلسطيني، وجاء وزير الخارجية الأسبق إلى الضفة الغربية حاملاً معه "خارطة طريق" لقطاع غزة لتطبيقها في اليوم التالي لنهاية الحرب الصهيونية التي دامت زهاء سنتين. العضو السابق في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ظل يتنقّل منذ سنوات بين فرنسا والإمارات العربية المتحدة، اللتين اختارهما ك"منفى اختياري" على حدّ تعبيره، عقب خلافه مع السلطة الفلسطينية، قبل أن يعود مؤخراً إلى الضفة الغربية، ومنها بدأ الترويج لخطته من أجل تسيير شئون القطاع. تزامنت عودة ناصر القدوة إلى الضفة الغربية والمشهد السياسي الفلسطيني، مع تسريبات فلسطينية متزايدة عن دور قد يضطلع به المسئول السابق في غزة، سواء لكون أصوله تعود إلى غزة، أو بسبب علاقاته الواسعة مع عدد من الدول العربية، خاصة في الخليج. تتمحور أفكار القدوة حول التزام حركة "حماس" بإنهاء السيطرة الإدارية والأمنية على قطاع غزة، ووضع سلاحها تحت سيطرة هيئة حاكمة جديدة، وإمكانية تحوّلها إلى حزب سياسي، وعدم تعرّضها للملاحقة، دون معارضة الإشراف الدولي عليها. ابن شقيقة عرفات الذي طرده عبّاس ناصر القدوة البالغ من العمر 72 عاما سياسي فلسطيني شغل منصب المندوب الفلسطيني لدى الأممالمتحدة بين عامي 1991-2005، ثم تولى وزارة الخارجية، حيث استقر بمدينة رام الله بعد سنوات عديدة عاشها في نيويورك، وترأس مؤسسة ياسر عرفات، وكان عضوًا في اللجنة المركزية لحركة فتح. في 2012، شغل ناصر القدوة منصب نائب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في بعثتها في أفغانستان، ثم مبعوثا خاصاً لها وللجامعة العربية إلى سوريا، ومسئولا عن الاتصالات مع المعارضة السورية، مع العلم أنه متزوّج من سيّدة فرنسيّة، ويحمل جنسيّتها . في عام 2016، تردد اسم ناصر القدوة لخلافة محمود عباس على رئاسة السلطة الفلسطينية، وفي 2021، أعلن ترشحه مستقلاً في انتخابات المجلس التشريعي في قائمة مشتركة مع الأسير مروان البرغوثي، باسم حزب "الأمل".
حركة فتح
ورغم عدم إجراء الانتخابات في حينه، فقد أقالته اللجنة المركزية لحركة فتح بزعم التمرد على قراراتها، مما اضطره للخروج من الضفة الغربية خشية من مضايقات محتملة . بعد أربع سنوات من مكوثه خارج الأراضي الفلسطينية، عاد القدوة بعد حصوله على عفو من عباس، عقب تقديم اعتذاره له، وإرسال رسالة استرحام للجنة المركزية لحركة فتح، حيث حصل قرار إعادته على موافقة 12 صوتا من أصل 15، مع تغيب عدد آخر عن الاجتماع. حركة فتح التي أعلنت إعادته إلى صفوفها، وصفت الخطوة بأنها تهدف لتوحيد بيتها الداخلي، وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الراهنة، واصفة ناصر القدوة بصاحب الخبرة السياسية والتنظيمية، ويمثل إضافة نوعية للحركة، ويعزز من وحدتها وتماسكها، ويسهم بتطوير أدائها بما يخدم المشروع الوطني الفلسطيني. حصل ذلك بالتزامن مع مطالب عربية مكثفة دعت عبّاس لتنفيذ مصالحة سريعة بين أقطاب الحركة، واعادة جمع واستقطاب الغاضبين والمطرودين الذين تم إقصاؤهم منها، وهو ما دفع بالقدوة للكشف سابقا عن حوارات تجري مع محمد دحلان، والأسير مروان البرغوثي، وتوفيق الطيراوي، وشخصيات قيادية أخرى من خارج اللجنة المركزية للحركة، بحيث يكون هناك برنامج عمل سياسي وتنظيمي.
خطّة ترامب
عضو في اللجنة المركزية لحركة فتح، كشف أنه يصعب النظر لعودة القدوة، والحديث عن تسلمه لموقع قيادي جديد في غزة بمنأى عن خطّة الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب لوقف الحرب فيها، وصدور بيان موقّع من الرئيس محمود عبّاس يعلن فيه قراره إجراء انتخابات رئاسيّة خلال عام . وقال المتحدث الذى طلب عدم ذكره اسمه : كأننا أمام خطوات منسقة فيما بينها، عبّدت الطريق أمام عودة الرجل، مع العلم أن العواصم العربية ذات الصلة لم تكن بعيدة عن هذين التطورين . وأشار إلى أن القمّة العربيّة الطارئة في القاهرة في مارس 2025 شهدت إعلان عباس عزمه توحيد حركة فتح من خلال إصدار عفو عامّ عن جميع المفصولين من الحركة، الأمر الذي تم ترجمته في تعميم تنظيمي أصدرته اللجنة المركزية لفتح، بدراسة طلبات الراغبين بالعودة للحركة.
حماس
حين سئل القدوة عن إمكانية أن تلعب حماس دورا في مستقبل غزة بعد الحرب، اعتبر أن الوضع سيتغير، لا شك في ذلك . وقال : بعد الحرب، ستكون لدينا حكومةٌ جديدةٌ مسئولةٌ عن الضفة الغربية وقطاع غزة، لن تكون حماس جزءًا منها، بل سنتمكن من إضعافها.
مجلس مفوضين
فيما كشفت صحيفة "معاريف" الصهيونية، أن رئيس وزراء الاحتلال السابق إيهود أولمرت وقّع مع ناصر القدوة، على وثيقة مقترحة تنص على حل شامل للصراع، يقوم على إعادة إعمار قطاع غزة، ونشر قوة أمنية عربية مؤقتة، بالتزامن مع انسحاب قوات الاحتلال منه، لإقامة كيان فلسطيني لإدارته وإعادة إعماره على شكل مجلس مفوضين. ويتألف هذا المجلس، وفق الصحيفة، من تكنوقراط محترفين، وليس ممثلين سياسيين، على أن يرتبط عضويًا بالسلطة الفلسطينية، ويعمل مع مجلس الوزراء لإعداد الضفة والقطاع للانتخابات العامة في غضون 24 إلى 36 شهرًا بعد انتهاء الحرب. كما تنص الوثيقة على ضرورة نشر قوة أمنية عربية مؤقتة بالتنسيق مع انسحاب قوات الاحتلال ، بالتعاون مع قوة الأمن الفلسطينية التي سيُنشئها مجلس المفوضين، وعقد مؤتمر للمانحين لإعادة إعمار القطاع بمشاركة جادة من الدول الغنية، وقد عرضا خطتهما لغزة ما بعد الحرب على بابا الفاتيكان خلال زيارتهما له، الذي دعمهما وأيّد خطواتهما.
فى سياق اخر التقى الممثل الأعلى السابق للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، في بروكسل بالقدوة وأولمرت، على خلفية اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في حينه، وطالب القدوة بدعم أوروبي لإنجاح الخطة المُعدّة لغزة بعد الحرب . شارك ناصر القدوة مؤخرا في لقاء جمعه بأكثر من 300 ممثل عن المجتمع المدني الصهيوني والفلسطيني، على طاولة واحدة في باريس، بزعم التعرف على بعضهم، لبحث قضايا وشئون الشرق الأوسط والصراع الصهيوني الفلسطيني، وبحضور العديد من المسئولين الصهاينة السابقين من رؤساء جهاز الموساد، وجنرالات، ودبلوماسيين سابقين، كما حضر المؤتمر الرئيس إيمانويل ماكرون .
حزب سياسي
استبعد ناصر القدوة أنه لن يتمّ القضاء على حماس، كما تقول دولة الاحتلال، فهذا غير ممكن مشيرا إلى أن الحركة ستضعف، ولن تحكم غزة بعد الحرب، وسيؤدي ذلك على الأرجح إلى حماس مختلفة. وقال القدوة في مقابلة مطولة مع صحيفة "نيويورك تايمز" : لا أستطيع أن أقول كيف بالضبط، لأن الأمر يعتمد على أعضاء حماس ليقرّروا، لكن يجب أن نكون حاضرين للمساعدة، وتشجيع هذا التحوّل . وكشف أنه خلال عامي الحرب التقى القدوة بقادة حماس في قطر، وأبلغهم ضرورة التخلي عن حكم غزة، ورغم أنه لم يكن سهلا عليهم استيعاب الأمر، لكنهم أصبحوا يفهمون هذا الواقع الآن وفق تعبيره . لكن القدوة أعلن رفضه لأي وصاية خارجية على القطاع، واصفا اقتراح تعيين توني بلير حاكماً لغزة ب"الانتداب البريطاني" . ودعا حماس لأن تتحول إلى حزب سياسي غير مسلح، بزعم أنه المخرج الوحيد لإنهاء الانقسام، واستيعاب الحركة ضمن إطار وطني ديمقراطي موحّد.
تصريحات مسيئة
وكشف مسئول فلسطيني أن القدوة عاد بمباركة ودعم عواصم عربية وازنة في الساحة الفلسطينية، مؤكدا أنه سيعتمد على دعم هذه الدول في حال حاز على موقع متقدم لإدارة غزة، لاسيما أن مستقبل الحكم في غزة بات موضع اهتمام إقليمي ودولي مع انتهاء الحرب. ورغم ما يظهر من دعم دولي وإقليمي للقدوة، إلا أنه يواجه نقصاً في الدعم الشعبي بسبب مواقفه السابقة، أبرزها مشاركته في إعداد وثيقة "أولمرت – القدوة"، لأنها اقترحت ترتيبات حول القدسالمحتلة يعتبرها الفلسطينيون تنازلات كبيرة، ما أثار رفضاً واسعاً في صفوفهم. فضلاً عن صدور تصريحات سابقة مسيئة لحماس قبل الحرب الأخيرة على غزة، وخلالها عن ناصر القدوة ، ما أثار موجات غضب ضده، بزعم أنه يسعى لمشروع سياسي شخصي يتجاوز إرادة الشارع الفلسطيني.