اليوم، قطع المياه عن المنطقة السياحية ببحيرة قارون وقرى الفيوم وسنورس لمدة 12 ساعة    20 ألف دارس، اليوم انطلاق الدراسة برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    كيلو البلطي بكام؟.. أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم السبت 25-10-2025    صفعة مسن السويس تفتح الجرح من جديد، هل يعود ملف الإيجار القديم إلى الاشتعال؟    تدهور كبير للقوات الأوكرانية في دونيتسك وخسائر بشرية فادحة بجبهة القتال خلال 24 ساعة    الأونروا: مئات الآلاف بغزة ينامون في الشوارع بلا خيام وأماكن إيواء    الجيش السوداني يسقط مسيرات للدعم السريع بمنطقة كنانة بولاية النيل الأبيض    التشكيل المتوقع لمباراة مانشستر يونايتد وبرايتون في الدوري الإنجليزي    غير منطقي، أحمد حسن ينتقد الفيفا بسبب مواعيد بطولتي كأس العرب والكونتيننتال    أرقام كارثية ل كريم بنزيما أمام الهلال بالكلاسيكو السعودي    سقط من الطابق الرابع، تفريغ كاميرات المراقبة لكشف ملابسات مصرع شاب مخمورا بمدينة نصر    حريق بشقة سكنية في الإسكندرية    محكمة جنايات الجيزة تنظر أولى جلسات محاكمة رمضان صبحي اليوم .. فيديو    من عنف الزوج إلى قصة الملابس المثيرة، اعترافات الراقصة لوليتا قبل محاكمتها اليوم    الإفلاس يجبر فرانسيس فورد كوبولا علي بيع ساعته ب مليون دولار    أول متحف أخضر بإفريقيا والشرق الأوسط، المتحف المصري الكبير يحصد جوائز عالمية    المتحف المصري الكبير.. عبقرية هندسية ترسم عراقة الحضارة المصرية بروح معاصرة    تعليق مفاجئ من حمدي الميرغني بعد انتهاء الخلافات بينه وبين زوجته    بعت نصيبي من ورث والدي فقاطعني إخوتي هل عليا ذنب؟ الإفتاء ترد    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 138 مليونًا و946 ألف خدمة مجانية خلال 98 يومًا    سائحة بريطانية تشيد بالخدمة الطبية فى مستشفى الخارجة التخصصي بعد إسعافها    طرق بسيطة للوقاية من الإنفلونزا ونزلات البرد    كل ما تريد معرفته عن محفظة فودافون كاش: الحد الأقصى للتحويل ورسوم السحب والإيداع وخدمات الدفع    حادث تصادم في نهر النيل.. باخرة سياحية تصطدم بكوبري    استقرار أسعار الخضار والفاكهة اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في الأسواق المصرية    عمرو أديب يرد على شائعة انتقال محمد صلاح إلى الأهلي: «سيبوا الراجل في حاله»    موعد مباراة ميلان القادمة عقب التعادل أمام بيزا والقنوات الناقلة    استقرار طفيف بأسعار الخشب ومواد البناء في أسوان اليوم السبت 25 أكتوبر 2025    عاجل- القبض على مالك المنزل المتهم بالاعتداء على مستأجر مسن بالسويس    مصرع شاب فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بمركز دمنهور بالبحيرة    تفاصيل بيان الفصائل الفلسطينية للتشديد على وقف إطلاق النار وبدء إعمار غزة    شيكو بانزا يدعم محمد السيد بعد هجوم جماهير الزمالك: لا تستمع لأى شخص    إمام عاشور عقب أنباء تحسن حالته الصحية: اللهم لك الحمد حتى ترضى    المبعوث الروسى ل CNN: قمة بوتين ترامب ستتم وسيوجد حل دبلوماسى لحرب أوكرانيا    مستوطنون يهاجمون المغيّر ويحرقون 3 مركبات    أحمد فهمي وهشام ماجد إخوات رغم انفصالهما فنيا.. اعرف ماذا حدث فى فرح حاتم صلاح    مقدم دور السنباطى ل معكم: الأطلال أعظم لحن غنته أم كلثوم    رئيس الوزراء التايلاندي يلغي مشاركته في قمة آسيان بعد وفاة الملكة الأم    فلكيًا.. موعد شهر رمضان 2026 وأول أيام الصيام    وظائف البنك الزراعي المصري 2025 للخريجين الجدد.. سجل الآن    21 يرتفع من جديد.. تحديث ل أسعار الذهب اليوم السبت 25-10-2025    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 25 أكتوبر 2025    «بوابة أخبار اليوم» تكشف حقيقة تداول صور لثعبان الكوبرا بالغربية| صور    الشرطة المصرية.. إنجازات أبهرت العالم    «الأزهر العالمي للفتوى» يرد| قطع صلة الرحم.. من الكبائر    الإفتاء تُجيب| تحديد نوع الجنين.. حلال أم حرام؟    الإفتاء تُجيب| «المراهنات».. قمار مُحرم    تطبيق لائحة الانضباط يواجه مخاوف التسرب من التعليم.. أزمة فصل الطلاب بعد تجاوز نسب الغياب    اليوم.. محاكمة رمضان صبحي بتهمة التزوير داخل معهد بأبو النمرس    خمسة مسلسلات في عام.. محمد فراج نجم دراما 2025    لماذا تتزايد حالات النوبات القلبية بين الشباب؟    "أسير لن يخرج إلا ميتًا".. الدويري يكشف عن لقاءه مع رئيس "الشاباك" في تل أبيب    عبد الحميد كمال يكتب: بطولة خالدة.. المقاومة الشعبية فى السويس تنتصر على القوات الإسرائيلية    أسهل وصفة للتومية في البيت.. سر القوام المثالي بدون بيض (الطريقة والخطوات)    فضائح التسريبات ل"خيري رمضان" و"غطاس" .. ومراقبون: يربطهم الهجوم على حماس والخضوع للمال الإماراتي ..    معلق مباراة ليفربول وبرينتفورد في الدوري الإنجليزي    مؤتمر صحفي بنادي الصحفيين يستعرض استعدادات قطر لاستضافة بطولة كأس العرب    عاجل | تعرف على أسعار الذهب في ختام تعاملات اليوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موت ألبير كامو السعيد: لا وقت لدينا إلا لكي نكون سعداء
نشر في محيط يوم 04 - 10 - 2008


لا وقت لدينا إلا لكي نكون سعداء...

محيط - هشام بن الشاوي
غلاف الرواية
تُستهل رواية "الموت السعيد" للكاتب الوجودي ألبير كامو بقتل "زغرو" العجوز المقعد مبتور الساقين، على يد "مرسو" الفتى اليافع، وقد كان "يتأمل الجمال اللاّ إنساني كله لهذا الصباح النيساني"، لم يحول عينيه، لم يبد أية حركة، فقط ملأت الدموع عينيه، وجعل "مرسو" المسدس في يد القتيل، حتى تبدو الجريمة عملية انتحار، وغادر البيت متعثر الخطو جاف الحلق، حاملا الحقيبة، والجو صحو مشرق يوحي بأن "مهمة الإنسان الوحيدة التمكن في أن يعيش، وأن يكون سعيدا".
تنتقل الرواية إلى وصف صيف مدينة الجزائر، والنهار يسحق الأرصفة بكل ثقل حرارته، ويكتب ألبير كامو عن إصابة أحد عمال الميناء، و كان "ايمانويل" صبي السباق، ويتذكر كيف لاحقا الشاحنات، ووصولهما إلى بلكور ، و "مرسو" بجسد قوي فتي يحمل "صاحبه إلى أقصى درجات الفرح الجسدي".
و تطرق الكاتب إلى حديث "مرسو" مع صاحب المطعم الشعبي حيث الذباب و اصطفاق الصحون، وهرج الأحاديث.. ونتعرف أكثر على المعلم "سيليست"(صاحب المطعم) الذي يفضل مرافقة ابنه على الشيوخ.."رونيه" المصدور، ويفصح له "مرسو" عن أمنيته في أن تكون بحوزته تسعة آلاف فرنك ليشتري بيتا ريفيا، ويضع قليلا من الدبق على السرّة و سينتظر ليرى من أين تأتي الريح.
المعلم "سيليست" يدوّن الحساب خلف باب المطبخ، ويلجأ إلى خلع الباب، وحمله على ظهره حين يحتج أحد الزبائن، ويتأمل "مرسو" الأب المتخم بالأغاني وابنه المصدور الهادئ..
بعد موت أمه اضطر "مرسو" إلى تأجير غرفتي البيت الباقيتين، والاكتفاء بواحدة، و مع الوحدة وغياب أمه صار الفقر فظيعا.
يستيقظ متأخرا يذهب إلى مكتبه بالميناء، يحقق في وثائق شحن البضائع، ويرى في عمله بابا للخروج إلى الحياة.. مساء، ينام حتى ساعة العشاء، ويقضي يوم الأحد وحيدا يتأمل الناس وهم يستمتعون بيوم عطلتهم الأسبوعية جالسا على كرسي يكتفي بالتفرج، يعيش حياة رتيبة باهتة، ونادرا ما يخرج مع "مارت" أو يراسل صديقتيه الصغيرتين في تونس.
يتجول مع "مارت" زميلته التي تضرب على الآلة الكاتبة، وفي السينما تسلم على "زغرو"، تساوره الشكوك أنه قد نام معها، يبكي غيرة، ويطلب منها أن تدله على كل عشاقها القدامى.
ويتعرف على غريمه... "زغرو".
ألبير كامو
في بيته، يصارحه برغبته في الزواج أو الانتحار أو الاشتراك في مجلة، "باختصار حركة يائسة"، يوضح له العجوز أن هذا نتيجة تفكيره في فقره، عكس "زغرو" الذي يستأجر من يساعده على قضاء حاجته، ويغسله وينشفه، ورغم ذلك لا يفكر في أية "حركة يختصر بها الحياة التي يؤمن بها،(...)، لأنه ليس لدينا الوقت إلا لكي نكون سعداء".
لكن رغم ذلك فقد حاول مرارا الانتحار، و بقربه صندوقه الصغير، ورسالته التي يعلن فيها رغبته على الانتحار/ قتل هذا ال (نصف إنسان) ، ويهب ثروته الصغيرة لمن خدموه، ولتحسين نظام المحكوم عليهم بالإعدام...
أحس "مرسو" بالضجر- هذا الضجر الذي يتسرب إلى القراء أيضا، وهنا تتجلى براعة ألبير كامو في رصد العوالم الباطنية- وأن ما بداخله " يشبه زلزالا من الدموع"، فهو متطرف في شقائه ومغالٍ في السعادة...
وانتابه ألم وحشي عند موت أم جاره، وفي اليوم التالي ارتكب جريمة القتل، ونام حتى العصر، وأصيب بنزلة برد وحمى، قرر أن يغادر الجزائر في اتجاه مرسيليا، ومن ليون أرسل رسالة قطيعة إلى "مارت"، وكتب لها أنه عرضت عليه وظيفة استثنائية في أوربا الوسطى.
بيد أنه لم يتوصل برسالة "مارت" عن ألم الفراق، وينتهي القسم الأول من الرواية، والمعنون ب "الموت الطبيعي"، لتبدأ فصول القسم الثاني: "الموت الواعي".
يكتري "مرسو" غرفة بفندق براغ الألمانية، يخرج قلق الهندام، بشعر مشعث، غير حليق الذقن، و ينظر إلى النساء نظرات قلقة محمومة إلى النساء، يزور مطعما، ويتجول في ليل المدينة القديمة.
في اليوم الثاني، يخرج بشعر مقنفذ، و زرّ ينقص سترته، يزور الأديرة والكنائس، ويجد نفسه بلا وطن... يغادر براغ القاتمة كغيرها من المدن الغائمة، التي تمثل "الوجه الجاحد والقذر للحياة"، مستقلا حافلة في اتجاه فيينا، المدينة المنعشة مفضلا مقاهيها على الكاتدرائية، يكتب إلى صديقتيه الصغيرتين أنه يستمتع بإقامته، فالنساء جميلات وكذلك المناظر، ولا تنقصه غير شمس حقيقية، تكتبان إليه أنهما في الجزائر، ومعهما صديقة ثالثة، وتدعوانه للرجوع إلى الجزائر...
وفي "البيت أمام العالم" كما يسمونه، يتشمس الأربعة.. الصديقات الثلاث: كاترين، روز، كلير ، وبرفقتهن "ماتريس". كائنات شابة قابلة للسعادة، يتبادلون شبابهم ويحتفظون بالأسرار... أحيانا، يسأم القارئ بعض الشخوص الثانوية، وقد استأثرت بحيز كبير في الرواية، حيث يصف كامو حياة هؤلاء المراهقين.
يتعرف "مرسو" على "لوسيان" التي ينقصها الذكاء، ويحس أن هناك شيء إلهي في الجمال الخالي من الفكر، وأن ما يشده إليها أنها تتأبط ذراعه وتتعلق بثيابه.
يقيم "مرسو" مشروعه في الجزائر، ويتوق إلى حياة الاستقلال.. يقرر "ماتريس" مغادرة "البيت أمام العالم" إلى بلده حتى لا يحب الجزائر، وهذا سيمنعه من أن يعيش سعيدا، ويصارح "كاترين" التي تحبه: "لا تنتظري الحياة من رجل فقط كما تخطئ الكثير من النساء، بل أن تنتظرها من ذاتها...".

وهنا يكشف الكاتب عن مفهوم آخر للسعادة يختلف عن رؤية "مرسو" و "زغرو"...
في عزلته بجبل شنوة، يشيد "مرسو" بيته الجديد، ويحس أنه أدرك الوحدة التي طالما تمناها... فلا يجاوره غير الليل والبحر، ولم يقاوم وحدته، وكاتب "لوسيان" ليقطع وحدته، واندهشت لحفاوته، لأنها تحس أنه لا يحبها..
تغادره بعد اللقاء، ويعود لزيارة بيته القديم وصاحب المطعم، ويقابل "مارت"، وتأمل أن يلتقيا مرة أخرى، تباغته بقبلة مفاجئة، مثل بغي فيينا، فأحس أن لها نفس نقاء قبلتها، حين كان كريما معها..
يغوص "مرسو" في المجتمع المخملي وهو غير سعيد، ولا يهتم بالصغيرات الثلاث عند وصولهن... وتسأله "كاترين" العاشقة المهجورة:هل تحب زوجتك؟ فيرد عليها بأن "ما يهم هو إرادة السعادة، نوع من الوعي الهائل الحاضر أبدا"، أما النساء والأعمال الفنية والنجاحات الدنيوية فليست سوى ذرائع....
لقد كان يحتاج إلى الرحيل، وكسب وحدته، وليس الشمس والدموع (مثل كاترين).. ويجزم بأنه "بشريا فهو سعيد".
يحس "مرسو" بالإعياء وتنصحه "كلير" بأن يعود إلى فرنسا، ويعيش في الجبال..
لكن القارئ يدرك أن معاناته الشعور بالذنب لارتكابه جريمة قتل، وليس عدم استطاعته تحمل رطوبة الجو، يسبح في البحر ليلا ويتخيل "زغرو"، و يدرك الطبيب أن معاناته نفسية، فينصح الزوجة أن تتركه وحيدا..
في لحظاته الأخيرة فكر أنه بموته سترتمي زوجته في حضن رجل آخر...ولفظ أنفاسه الأخيرة، و هي بجانبه، وقد صار "حجرا بين الأحجار،عاد في فرحة قلبه إلى حقيقة الأشياء الجامدة".
"الموت السعيد" رواية جسدت ببراعة وفنية عالية الشخصية المتأزمة القلقة للإنسان المعاصر، و الباحث العنيد عن السعادة والصفاء الداخلي وعن الحب أيضا. و قد حاول ألبير كامو أن يبسط فكرة السعادة، التي اختلف حولها الفلاسفة، ولم يقدمها مثل بعض الكتاب العرب - سامحهم الله- في رواياتهم العاطفية، حيث يرون بأن الحب هو السعادة والسعادة هي الحب في كتاباتهم التي تخدر العقول والمشاعر، فالحياة ليست مجرد قبلات وأحضان، والسعادة ليست وصفة طبية تصرف في أقرب صيدلية حب !!
"الموت السعيد"... نص عميق يدفعنا إلى التفكير في مفاهيم كثيرة....


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.