القاهرة: يبدأ كتاب "اذهب إلى فرعون" تأليف إبراهيم عيسى والذي نشرته إلكترونيا دار "كتب عربية" ، بسؤال مباشر بلا مواربة ولا ملاعبة كما يقول: هل فرح العرب في الضربة القاتلة التي نالتها الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ الإجابة "وليمسك محبو الإنسانية أعصابهم": نعم فرحوا وابتهجوا وامتلأ الشارع العربي سعادة وراحة! هل معنى ذلك أن العرب تخلوا عن إنسانيتهم فسعدوا وابتهجوا بسقوط آلاف الأبرياء قتلى تحت ركام الدمار والانفجار. الإجابة عن السؤال الثاني بدقة شديدة تحتاج - وفق "كتب عربية" - إلى تعريف الإنسانية، فهي "أي الإنسانية" كما هي تعاطف وتكاتف مع الضحايا فهي "الإنسانية نفسها" أحيانًا الانتقام والشماتة والتشفي، من هنا فردود الفعل إنسانية وتمامًا في الحالتين، ومع ذلك فالمحتمل أن العرب لم يسعدوا على الإطلاق لمنظر القتلى والضحايا لأنهم أولاً لم يشاهدوا في اللحظة الأولى لا قتلى ولا ضحايا "اليوم الأول كان الكلام عن الضحايا نظريًا ولم تكن شاشات التليفزيون قد أظهرت الجثث بعد وهو أمر لابد من أخذه في الاعتبار مع ضرورة فهم آخر في السياق نفسه أن العرب يشاهدون كل يوم بل لعله كل ساعة الجثث الفلسطينية فيتألمون" لكن الفرح الأول والبهجة التي سيطرت على الشارع العربي كان مرده إلى انهيار الغطرسة الأمريكية، تلك الدولة العظمى تنهار أهرامها "برجا التجارة"، كيف لا يسعد الشارع العربي نعم كبرياء أمريكا ينهار أمام أعين بشر مطحون ومقهور ومحتل برعاية ودعم وقوة وغطرسة أمريكا، ما الذي تنتظره منه إن أبسط أمور الإنسانية أن يفرح ويشمت لا يخجل من تلك المشاعر بل يحتضن أخوته وأصحابه ويقبل زوجته وأولاده فرحًا واحتفالاً بسقوط عدوه! نعم سعد العرب وهو أمر مؤلم أن يسعدوا لهذه الكارثة الإنسانية لكن من حق العرب أن يسألوا عن مشاعر الأمريكان عند سقوط القتلى والجرحى في فلسطين من حليف أمريكا وبسلاح أمريكا، ماذا عن شعورها مع سقوط قتلى مدنيين وأطفال ويتامى من جراء ضربة جوية لبغداد! في المشاعر أيضًا العين بالعين والسن بالسن! لقد تعامل العرب مع ضرب أمريكا على أنه انتقام من دعمها ورعايتها للصهيونية والعنصرية وتحالفها مع إسرائيل، بل وتمنى عرب كثيرون أن يكون منفذو العمليات أو قاهرو أمريكا عربًا ومسلمين، لأمريكا أن تجزع من تلك المشاعر ولها أن تندد أو تهدد، تستنكر أو تستنكف، تهاجم أو تتهجم، تغضب أو تعند، لكن عليها في وقت فراغها أن تسأل نفسها ما الذي يجعل كل هؤلاء البشر يكرهون أمريكا ويرفضون سياستها؟ من الممكن أن تريح أمريكا نفسها وتحافظ على غبائها وتستمر في نجاح ساحق تمارس الفتونة والغطرسة وهو أمر يبدو مع الرئيس بوش الأقرب للاحتمال، وسوف تبطش وتضرب ولكن لتنظر في أي صبح الطائرة القادمة من بوسطن.. وسوف تظهر! إذا كانت أمريكا تريد أن تذهب للجنون لتذهب إذن الطريق مفتوح والمواصلات سريعة لكن لا تلومن إلا نفسها فقد ارتفع خيال مواجهة أمريكا وصارت تلك الدولة في متناول الأيدي والبالونة فرقعت والمستضعفون في الأرض المقهورون في كل مكان مستعدون لتسليم جثثهم مقابل توصيل رسائلهم! المؤسف أن الإدارات الأمريكية التي تقود مجتمعها إلى الكوارث لا تعي أن الذي يحاربها يحاربها من أجل ظلمها وطغيانها ثم أنه لا يطلب منها سوى العدل ولا يخاف شيئًا على الإطلاق.. لماذا لا يخاف؟ لأنه ببساطة لا يخاف الموت أليس هذا ما يخاف منه الجميع.. أمريكا لن تدرك سريعًا أنها تحارب الجنة! لكن من قال إن الجنة في قتل أبرياء يشربون القهوة في مكاتبهم ولا يعرفون عن قضايا المسلمين والعرب أبعد مما يشاهدونه في التليفزيون ورؤيتهم حجاب جارتهم المسلمة وربما لا يكون معظمهم لا يحبون بوش وسياسته، فعلاً - وفقا لنفس المصدر - قتل هؤلاء عمل غير إنساني لكن لا يجوز معه سوى النظر بزاوية أخرى لمن نفذ هذه العمليات، هل كان يفعل ذلك إرهابًا مع أمريكا أم أنه يعتبر نفسه في حالة حرب مع قوى الولاياتالمتحدةالأمريكية وعسكرها وإدارتها وسيطرتها وسطوتها وغطرستها وعتوها ضد الفلسطينيين، هنا يتصور فاعل هذه العمليات أن ما فعله مقاومة مسلحة وحربًا مضادة ومن ثم يصير طبيعيًا أن يكون هناك ضحايا من الأبرياء، ألم تقتل أمريكا نفسها آلاف الأبرياء في هيروشيما ونجازاكي في اليابان، كانت الأهداف مدنية وكان الضحايا مدنيين ولم تفرز القنبلة وهي تنفجر هذا مدني وهذا عسكري! ورغم أن الجنة ومن يدخلها علمها عند ربي لكن من حق صاحب هذه العمليات أن يراها فوزًا بالجنة فهو يرى نفسه حق يواجه باطلاً! فلتصبح حكومة وإدارة أمريكا كما هو منتظر منها بالضبط، غاشمة وعنصرية وعدوانية ومتغطرسة واستعمارية وترد الضرب حالاً فورًا! لكن أين ستضرب ومن؟ أغلب الظن أن الولاياتالمتحدة تريد أن تضرب أشباحًا، أشباح دول أو أشباح منظمات، والمحصلة أن التعنت الأمريكي والعنف والعدوان والرعاية والدعم الأمريكي سيظل قائمًا لإسرائيل.. إن أمريكا مذهولة من هذه الشعوب العربية التي تسند حكامها وتمنح شعوبها المعونات والأموال ويكرهونها، ولا تعرف أمريكا أن المعونات والمنح لا تهم أحدًا، الذي يهم هو المسجد الأقصى والقدس ودماء الفلسطينيين النقي.