التفاصيل الكاملة لتنسيق القبول بالجامعات الحكومية والمعاهد لطلاب الثانوية العامة 2025    "حماة الوطن" ينظم مؤتمرًا حاشدًا لدعم مرشحي الشيوخ في سوهاج (صور)    جامعة القناة تنظم دورة عن مهارات الذكاء العاطفي (صور)    محافظ أسيوط يشهد الكرنفال السنوي لذوي الهمم بدير العذراء والأمير تادرس (صور)    مصرف الرافدين: الشمول المالي أولوية لدعم التنمية الاقتصادية في العراق    تقارير : الشرع نجا من ثلاث محاولات لاغتياله ومسؤول أمريكي يطالب بإنشاء وحدة خاصة لحمايته    رسائل قوية من السيسي لقادة روسيا واليونان والجامعة العربية والمركزية الأمريكية    العروض لا تتوقف، محاولة جديدة من البايرن لخطف جوهرة ليفربول    راشفورد على رأس قائمة برشلونة المسافرة إلى اليابان لخوض الجولة التحضيرية    الأمن يكشف تفاصيل فيديو إطلاق أعيرة نارية على محل بشبرا الخيمة    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    Stray Kids يعلنون عن عودتهم المرتقبة بألبوم Karma (فيديو)    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    وكيل صحة الإسماعيلية توجه بزيادة الطاقة الاستيعابية لجلسات الغسيل الكُلوي (صور)    حصاد 9 أيام، «100 يوم صحة» تقدم 14 مليونا و556 ألف خدمة مجانية    طريقة عمل العجة فى الفرن بمكونات بسيطة    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    الوقار الأعلى.. أسعار الأسماك اليوم في مطروح الجمعة 25 يوليو 2025    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    «جروسي»: من الضروري إعادة العلاقات الطبيعية مع إيران    بعد تكرار الحوادث.. الجيزة تتحرك ضد الإسكوتر الكهربائي للأطفال: يُهدد أمن وسلامة المجتمع    الداخلية تنفي شائعات الاحتجاجات داخل مراكز الإصلاح والتأهيل    مصرع عنصر شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع القوات بأسيوط    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    إصابة عضو بلدية الضهيرة بجنوب لبنان بإطلاق نار إسرائيلي    انطلاق مهرجان «ليالينا في العلمين» بمشاركة واسعة من قطاعات «الثقافة»    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    عرض أفلام تسجيلية وندوة ثقافية بنادي سينما أوبرا دمنهور ضمن فعاليات تراثك ميراثك    حكم الصلاة خلف الإمام الذي يصلي جالسًا بسبب المرض؟.. الإفتاء تجيب    «إدارة الوقت مفتاح بناء الإنسان الناجح».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    حفر 3 آبار لتوفير المياه لري الأراضي الزراعية بقرية مير الجديدة في أسيوط    تقارير: الفتح يستهدف ضم مهاجم الهلال    ملحمة طبية.. إنقاذ شاب عشريني بعد حادث مروّع بالمنوفية (صور)    تقنية حديثة.. طفرة في تشخيص أمراض القلب خاصة عند الأطفال    أسعار النفط تصعد وسط تفاؤل بانحسار التوتر التجاري وخفض صادرات البنزين الروسية    مسئولو جهاز العاشر من رمضان يتفقدون تنفيذ مدرسة النيل الدولية وامتداد الموقف الإقليمي    الليلة.. الستاند أب كوميديان محمد حلمي وشلة الإسكندرانية في ضيافة منى الشاذلي    انخفاض أسعار الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    رونالدو يصل معسكر النصر في النمسا    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    وفاة وإصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي بصحراوي المنيا    بعد إثارته للجدل.. أحمد فتوح يغلق حسابه على "إنستجرام"    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    إلكترونيا.. رابط التقديم لكلية الشرطة لهذا العام    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    موجة حارة شديدة تتسبب بحرائق في تونس    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    وسيط كولومبوس كرو ل في الجول: صفقة أبو علي تمت 100%.. وهذه حقيقة عرض الأخدود    تفاصيل صفقة الصواريخ التي أعلنت أمريكا عن بيعها المحتمل لمصر    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهر الخالد: كلّ نهاية، حتّى الموت، هي في مصر بداية.
نشر في الوفد يوم 05 - 02 - 2011

(إلى عبد المنعم رمضان) نخاف على مصر كأنها مسقط رأسنا. كلّ عربيّ مصري. سرّ محيّر كأبي الهول. آباء هول كثيرة هنا وهناك وما من أبي هول أجمل وأهْيَبْ من هذا الحارس.
أَنهارٌ تملأ المسكونة وما من نهر يُدَفِّق القوّة والحنان مثل النيل. اسمه نشيد. كان الإنسان عظيماً في مصر بدون شهرة. لا الملوك ولا الملكات ولا الكهنة ولا السَحَرة وحدهم بل الإنسان العادي. حتّى لو كان معمّرو الأهرامات عبيداً فقد كانوا عبيداً عظماء. ظِلُّ مصر شامخ أبداً.
نخاف على مصر كما يخاف الابن على أبويه والأبوان على طفلهما. أحد أسرار مصر هذا الجَمْع بين عتْق الدهور ورونق الصباح. أيّاً يكن حكّامها تظلّ مصر حاكمتهم ومهما نكّل الدهر بشعبها يظلّ شعبها محسوداً على بَرَكاتٍ تُرى ولا تُرى. شعبُ الطيبة والفرح والإيقاع والموهبة. لو كانت السعادة تُقسَّط بحسب الكفاءة لما استحقّ السعادة شعبٌ أكثر من المصريّين.
■ ■ ■
نحلم بالثورة ونخشى أن تتحقّق. ما إنْ تبدأ حتّى تتربّص بها المكائد، وإنْ لم يتصيّدها الخارج تتصيّد نفسها، وما كان انتفاضة مظلومين يغدو مادة «مفاوضات»، وما كان صرخة أبرياء يصبح متاهة.
ما أهنأ الماضي! كانت حوادثه تجري على طبيعتها قبل أن يتسنّى لأميركا (وإسرائيل) ذلك الزمن الإيقاع بها. كانت التطوّرات تولد من نفسها قبل أن يُتاح لأعداء الشعوب السيطرة عليها. تبّاً للحداثة! لقد أخذت في طريقها ما يؤخذ وما لا يؤخذ. لا بدّ من عودة إلى الوراء، عودةٌ إلى وراءٍ ما، إلى جنون ما لكسر وحشيّة هذا النظام العالمي الواحد، إلى بدائيّة غريزيّة للخلاص من دوّامة المكائد والمصائد، كأن يفيض نيلُ الشعب ولا يجرف النظام وحده بل يؤسّس، ولطالما كانت مصر تؤسّس، لعهد ثورات الشعب الحقّة، لا تُسترجع ولا تُحاصَر، وتصبح قدوةً لانتفاضات الشعوب.
لم تعد تنحيةُ حسني مبارك موضع بحث. لقد نُحّيَ ولو بقي مكانه، ولن يمدّد له «إصلاح» ولا التضحية بأحد من حاشيته. القضيّة الآن هي الانتقال من التنحية إلى حكم الشعب. لا حكم أميركي باسم مصري ولا إسرائيلي باسم مصري. حذار الخداع وحذار السقوط. لا ستّة آلاف سنة فقط تنظر إليكم أيّها المصريّون بل كلّ العرب المسحوقين.
■ ■ ■
إحدى الفضائيّات تعرض صورةً لبعض الشبّان الموقوفين بتهمة السرقة والنهب. ثلاثةٌ منهم يبكون. بعضهم بالكاد بلغ السادسة عشرة. « ليه سرقتم؟» شفنا تجمعات وناس يعني ياخدوا ويشيلوا... أخدت حاجة يعني...». الحاكم وأعوانه يرزحون تحت المليارات.
غير بعيد عن مثوى الملوك في الأهرامات، في مقابر العاديّين من الناس، يعيش مئات ألوف المصريّين ممَّن لم يجدوا مسكناً يؤويهم. قصورٌ لرفات الملوك وقبورٌ ومزابل للبشر الأحياء. حوربَ عبد الناصر بشبهة تحويل مصر والعرب نحو الشيوعيّة. ليته فعل! ما من خطر على الأصالة المصريّة. كان الشعب المصريّ كفيلاً بمَصْرَنة الشيوعيّة. ليته فعل! كانت شيوعيّة المصريّين ستكون أجمل وجه لدولة شيوعيّة. شيوعيّة ضاحكة سمحاء تنبض بالعفويّة. لا شيءَ أقوى من هذه الجذور النوبيّة الإثيوبيّة الليبيّة الممزوجةِ بالروافد الساميّة المُشبعة بأزكى ما في الحضارات من روح. اليوم يهوّلون على مصر بالفَرْسَنَة والتعصّب الإسلامي ويخوّفون الأقباط. ليقرأوا التاريخ. ليقرأوا الأدب المصري. من «كتاب الموتى» إلى أحمد شوقي، من صلاح عبد الصبور إلى أحمد فؤاد نجم، من طه حسين إلى نجيب محفوظ. ليراجعوا السينما المصريّة، الطرب المصري، الفولكلور المصري. «أمّ الدنيا» تُمصّر حتّى الأَمْرَكَة.
و«أمّ الدنيا» لا تستطيع أن تتقاعد من دورها الأبويّ في العالم العربي، ولو تمرّد عليها أبناؤها أحياناً. لا تدبير انقلابات وثورات في الدول العربيّة ولا استقالة من المسؤوليّة. لمصر شخصيّة ثابتة منذ الفراعنة على مرّ الثقافات والعصور. تبثّ أرضُها إشعاعاً لا يشبه غير ذاته. معدنها يُحوّل الطين إلى ذهب. لها على الدوام دورٌ جامعٌ بين الحكمة والرقص، بين الريادة والحماية. لم تتهرّب من الاضطلاع بدورها إلّا أصابها دُوار الخطيئة واستسلم عربُ المشرق وعربُ المغرب إلى افتراس أنفسهم أو بعضهم بعضاً. قَدَر مصر أن يكون قلبها بحجم قارة وأحضانها أُمّاً كَونيّة. لنقرأ كيف يردّ أفلاطون الفضل لحكماء مصر في ازدهار العقل الإغريقي. موسى خرج منها والمسيح هُرّب إليها. لم يزدهر إسلامٌ عربيّ كما ازدهر إسلامها، وإذا كان الموارنة قد حافظوا في أديارهم ومدارسهم على اللغة العربيّة وحموها من التتريك وأنتجوا بها نهضة، فإن الروح المصريّة هي التي تنعش هذه اللغة وتعيدها إلى الحياة كلّما تيَبَّسَ لسانها وجَعَّدَها التحذلُق. السلاسةُ مصريّة والنضارة مصريّة والظُرْف مصري و«الإنسانيّة» مصريّة.
أَخلطُ دائماً بين النيل كنهر والنيل الآخر، النبات الذي يُصبغ به أزرق. لا أعرف إذا كان من علاقة. النيليّ لونُ الأمّ، عطرُ قلبها، بُحّة وجودها. خُلعَت صفةُ الزرقةِ على الدانوب رغم أنّه بنيّ، النيلُ يستحقّ زرقةَ النيل التي تَحكّ نياط القلب، يستحقّها من منابعه إلى مساقطه، ومن هدوئه إلى هديره. لا نتكارم حين نخاف على مصر، فنحن نخاف على ما فينا منها، وهو كثير، وعلى رجائنا منها، وهو كثير أيضاً.
■ ■ ■
يا لغرابةِ هذه «الثورات» الجديدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي! مَن يذكر اسم رئيس في دول أوروبا الشرقيّة؟ «ثورات» غفلةِ التوقيع وحكّام كأنهم رؤساء مجلس إدارة. تكنوقراط، يسمّونهم في لبنان. يقصدون حكّاماً يخافون المخيفين.
الرومنتيكيّون يريدون أن يروا في الانتفاضة المصريّة مراحم القَدَر و«الواقعيّون» والبارانويّون يتساءلون: كيف اندلعت فجأةً في تونس العاقلة؟ لماذا الآن في مصر وليس من قبل؟ أين ستنفجر بعد غد؟ وهل تقتصر على دول المتوسط أم تمتدّ؟ والكلّ يشيرُ بإصبع ظنونه إلى الاستخبارات الأميركيّة.
أميركا الوضع القائم وأميركا الثورة على الوضع القائم. إلى أين؟، كما يقول عرّاف السياسة وليد جنبلاط. أميركا نفسها، هل تعرف إلى أين؟ كم أميركا هناك؟ من الصين إلى السعوديّة، كم أميركا هناك؟ من الشعب الأميركي إلى مراكز السلطة في أميركا، كم أميركا؟
لعلّ أكبر نسبة من هذه السمعة نسجُ خيال. ونسج الدعاية الأميركيّة. أميركا سيّدة العالم، إذاً لا تعصف إلّا بإذنها وإلّا فبمعرفتها. كاسترو مستمرّ في كوبا لأن لأميركا مصلحة في بقائه. الزلازل شغْلها. فيضاناتُ لويزيانا تدبير جمهوريّ لتقليل عدد السود. قتلوا كينيدي لأنه كاثوليكي. جاؤوا بأوباما لأنه مسلم. يدعمون تركيّا المتأسلمة إرجاعاً لها إلى الوراء. يزعمون مناهضةَ إيران ويبتهجون لبرنامجها النووي كي يخيفوا السنّة. ضدّ الإخوان المسلمين علناً ومعهم سرّاً. أميركا الامبرياليّة الرأسماليّة هي نفسها، بهذا المنظار، أميركا خَلْع المحنّطين والفاسدين. تُغَيّر رجالها حتى لا يغيّرهم أعداؤها.
يبقى أن ما يصفع النظر في كل حال هو الواقع الصارخ يوميّاً على الكرة الأرضيّة، وهو أن السياسة الأميركيّة، منذ ما بعد وودرو ولسون على الأقلّ، سياسة انتهازيّة تبني على الشيء «مقتضاها» ولا تتراجع عن استعمال كلّ الوسائل، بما فيها السينما ونظريّات الفلاسفة، لتسويق خططها. منذ استسلام الاتحاد السوفياتي وأوروبا لم يعد هناك مَن يقاوم. عالمُ «الحياد الإيجابي» زال وأصبحت كبيرته الهند دولة نوويّة. صار الحياد رؤيا فردوسيّة. كان حلم المقهورين وبات حلم القادرين بَعْدُ على الحلم.
نخاف على انتفاضة المصريّين من خاطفي الثورات. الخوف نفسه على انتفاضة تونس. على كلّ تنهيدة نقيّة يُطْلقها صدرُ شعب. ومع هذا، لنفرح بهبّات التغيير، لنفرح على الأقلّ كما يفرح المحتفل بكأسه في بدايتها.
الأمل وسط هذه المخاوف أن الشعوب لا تتعلّم. لا تنهزم هزيمة أبديّة. تُجدّد شبابها عند كلّ نسيان. تعود إلى الحياة كلّ مرّة أوّل مرّة.
■ ■ ■
من أبشع مفاعيل الثورات وباءُ التبرّؤ. يكثر السلّاخون. أين كان هؤلاء قبل فرار بن علي؟ المشهد الفاضح تفرّدت به الحكومة الفرنسيّة: وزيرةٌ تدعو إلى مؤازرة بن علي في قمع الاضطرابات وبعد تطورات الساعات التالية تراجَع ساركوزي وحكومته وبدأت مسيرةُ النفاق في تأييد «إرادة الشعب». أوباما وإدارته فعلا ما هو أبلغ تعبيراً عن لاأخلاقيّة السياسة خلال الأيّام الأولى لانتفاضة مصر. ثم كرّت سبحة المنافقين. الثورات فرصةٌ ضخمة للتهريج، يختلط فيها الكرنفال بالأحقاد، تصفية الحسابات بآمال المظلومين، وصوليّة السياسيّين ورجال الأعمال والصحافيّين بأحلام الأبرياء. قبل انصراف بوش الابن كانت أكثريّة الصحافة العربيّة تعتبره إلهاً، رغم الحذاء العراقي، وما إنْ غادر البيت الأبيض حتّى تبارت الأقلام في شتمه. أمام شلّالات النفاق يشتهي المرء أن يسمع أحداً يُعارضه. يعارض عندما الكلّ يؤيّد. يؤيّد عندما الكلّ يعارض. فقط لحفظ ماء وجه الشجاعة.
عندما أسمع هذا الكاتب الشهير يهاجم اليوم حسني مبارك أتساءل أين كان خلال ثلاثين عاماً مضت من حكم مبارك. كيف يستيقظ ركّاب الموجات. كيف يحصد عابرو السبيل القمح قبل أصحابه. كيف أصبحت هذه البقايا طازجة وهذا الرفات شباباً غضّاً. لا يقتلني الطاغية بل المنقلبون عليه من الحاشية. من الحاشية وممَّن تنبّهوا «فجأة» إلى عيوبه. والشعب هو ضحيّة هؤلاء بقدر ما هو ضحيّة الطاغية. بل أكثر، فلولا الجبناء والمداهنون لما تمكّن الطاغية من سحق شعبه. ربّما لذلك ثار رجال الثورة الفرنسيّة بعضهم على بعض بعدما خلعوا الملك. تعاقبوا على تطهير الثورة من أنفسهم.
نخاف على مصر خوفَ الرأسِ على حلمه. وفجأةً نتذكّر ما تقوله لنا الأهرامات: العظماء يشيدون لأنفسهم قبوراً يستمتع بالتنزّه حولها البسطاء. هذا البلد الذي أحد كتبه الخالدة اسمه «كتاب الموتى» روَّضَ الموت. لم يحنّطه فقط بل ضحك عليه. استطاع فقراؤه بفائض الحياة وفرحها أن يؤاخوا الموت ويدحروا أشباحه في عقر دارها. زرعوا الأطفال وضحكاتهم بين القبور. لن تستعصي مشكلة على الشعب المصري. لن تمزّقه مؤامرة.
نخاف على مصر ولا نخاف. شعبٌ مسوَّرٌ بحبِّ الشعوب لا يُغْلَب. شعبٌ تسري في عروقه دماءُ أعظم الحضارات لا يُغْلَب. كلّ نهاية، حتّى الموت، هي في مصر بداية.
• أنسي الحاج.. شاعر لبناني مرموق
• نقلا عن الأخبار اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.