د. محمد باغة تقدم احد العاطلين عن العمل لشغل وظيفة عامل نظافة بشركة مايكروسوفت العالمية ، وقد دعاه الموظف المسؤل عن شئون العاملين لاستكمال بياناته كى يتم الحاقه بالوظيفة ، وعندما سأله الموظف عن بريده الالكترونى اجاب الرجل المتقدم للوظيفة بأنه ليس لديه بريد الكترونى بل ولا يملك حتى حاسب ألى بمنزله ، فيرد عليه الموظف المسئول عن التوظيف بانه طالما ليس لديك بريد الكترونى فهذا معناه بأنك لست موجودا ، وبما انك لست موجودا فانك لن تستطيع العمل عندنا ، فيخرج الرجل العاطل عن العمل مضّجرا ومستاءا لفقده الوظيفة ، وبينما وهو يمشى فى السوق يقوم بشراء طماطم بقيمة 10 دولار وهى كل ما فى جيبه ، ثم بدء فى طرق ابواب المنازل لبيعها ، وفى خلال ساعتين استطاع ان يربح من بيعه للطماطم مبلغ 30 دولار ، وادرك الرجل ان عملية بيع الطماطم ليست بالصعوبة ، وبدء يكرر تلك العملية يوميا حتى حقق مبلغا ماليا يكفيه لتوسيع نشاطه من خلال شراء كميات اكبر فاكبر ومن ثم بيعها والحصول على ربح اكبر فاكبر ، وبعد فترة قصيرة استطاع الرجل ان يشترى دراجة بخارية وتطور الامر بعدها الى شراء شاحنة لتوزيع سلعته ، وما ان لبث ان اسس شركة لتوزيع الطماطم ، وبعد خمس سنوات استطاع ان يملك اكبر مخزن لتجارة المواد الغذائية فى الولاياتالمتحدةالامريكية ، واخذه التفكير بالمستقبل وقرر ان يؤمن على ممتلكاته لدى احدى شركات التأمين ، واثناء مناقشته مع موظف التامين طلب منه الموظف بريده الالكترونى ، فرد عليه الرجل بأنه لا يملك بريد الكترونى ، فتعجب موظف التأمين وقال له " كوّنت تلك الثروة الضخمة فى مدة قصيرة من دون ان يكون لديك بريد الكترونى ، اذن ماذا كنت ستفعل اذا كان لديك واحداً ؟ فكان رد الرجل له " لمكثت الى الان عامل نظافة فى مايكروسوفت " . لعل ما جعلنى اسرد تلك القصة هو اصرارى فى ان الثورة الحقيقية ستكون فى ان ننمى ونطور العقول البشرية التى تحمل الافكار والمشاركة فى دعم بناية الاقتصاد لاى دولة ، ان ايجابية تفكير الرجل فى قصتنا التى عرضناها لم تمنعه ( اى الايجابية ) من ان يحقق امنياته وطموحاته ، وتطبيقاً على مجتمعنا العربى ومصر جزء منه ينبغى ان تتغير لدينا المفاهيم والنظرة تجاه العمل حتى نحقق ما نصبو اليه على المستوى الشخصى والمهنى والقومى . علاج مشكلة البطالة تمثل مشكلة البطالة صداعاً مزمناً لا ينتهى فى رأس اقتصاد اى دولة ، وهى ظاهرة تعانى منها كل دول العالم بلا استثناء حيث تتنوع اشكالها من البطالة السافرة او الظاهرة وهم الافراد العاطلين تماما عن العمل ، ومنها ما هو مقنّع وهو النوع الذى لا يضيف اى شىء يذكر فى الانتاج او الانتاجية ويمكن القول ان لكل نوع من هذين النوع اسبابه ودوافعه ، وتبذل كل دولة من تلك الدول مجهودات حثيثة من اجل القضاء على تلك الظاهرة من خلال البحث عن اصل المشكلة التى احدثتها ، نظرا لكون البطالة بمثابة قنابل موقوته يمكنها الانفجار فى اى لحظة محدثة اوجاعا اقتصادية ،اجتماعية وسياسية لا تنتهى كإنتشار وزيادة معدلات الجريمة والانحراف ، زيادة العنف ، ادمان المخدرات وضعف الانتماء لدى الفرد العاطل لوطنه ..... الخ . يشير التحليل العلمى السليم لاتخاذ القرار المتعلق بالقضاء على ظاهرة البطالة ان نبحث فى اصل المشكلة التى احدثت تلك الظاهرة ، وعن واقعنا فى الاقتصاد المصرى هناك تحديات تواجه هذا الاقتصاد سنويا منها استقبال ما يزيد عن 700 الف خريج جديد سنويا بلغت نسبة البطالة بينهم الى اكثر من 15.8 % بين الشباب من سن 15 – 29 سنة كما تبلغ نسبة البطالة بين النساء الى اكثر من 31.7 % ، كذلك ارتفاع نسبة تشغيل العاملين فى المؤسسات العامة فى ظل ظروف غير لائقة تعمل على تدنية مستويات الانتاجية ومن ثم مستويات الاجور ، الى جانب عدم الاتساق بين المهارات والخبرات المتاحة وبين مايطلبه سوق العمل على الرغم من ارتفاع معدلات الحاصلين على مستويات تعليمية عالية حيث تشير الاحصائيات الى بطء الانتقال من الحياة الاكاديمية الى الحياة العملية كفترة تتراوح الى 33 شهر ، كما تؤدى او جه القصور والوهن فى نظم الحماية الاجتماعية الى ندرة فى فرص العمل المناسبة ، ومن هنا علينا الاعتراف بأن سوق العمل وحده لن يستطيع تلبية تلك الاحتياجات الداعى الى الاقتصاد المصرى ، بل لابد من البحث عن البدائل للقضاء على ظاهرة البطالة ، من خلال توسيع دائرة البحث لتشمل جميع من يهمه الامر المتعلق بذلك الملف والذى يمكننى حصره فى الشباب ، الحكومة والمجتمع . ان معظم الشباب المصرى بعدما يتخرج من الجامعة ينتظر العمل دون مجهود يذكر منه ، وحينما تأتيه فرصة عمل مبدئية تراه يعزف عنها ظناً منه انها لا تتوافق مع طموحاته ، تلك هى مشكلة لابد من تنتبه لها الفئات الداخلة فى علاج المشكلة كأفراد او مؤسسات ، فعملية تطوير وتنمية النفس او فيها يطلق عليه " التنمية البشرية " تعد من اولى خطوات البحث عن العمل الجيد ، كذلك تكون مسؤولية الدولة ممثلة فى الحكومة واقعة من اجل امتصاص تلك الزيادة فى معدلات البطالة من خلال وضع سياسات تعمل على ربط الاجر بالانتاج كالنظر فى قوانين العمل وتطبيق الحد الأدنى والأقصى للأجور ، تفعيل المبادرات التى تشجع على الابداع والابتكار فى مجالات المشروعات الصغيرة وضروة تقديم التسهيلات الممكنة لاقامة مثل هذه المشروعات لما لها من دور فى تحريك السوق ومن ثم تنشيط دورة الاقتصاد . ان التجارب الدولية الناجحة فى امتصاص الزيادة فى معدلات البطالة كانت بسبب التوجهات العلمية والعملية تجاه التعامل مع تلك الظاهرة ، فالمناهج التعليمية والتربوية لها عامل مهم جدا فى الكيفية التى يفكر بها الخريج الذى يبحث عن فرصة عمل ، فنجد على سبيل المثال ان العمالة الفنية او ما يطلق عليها " اصحاب الياقات الزرقاء او العفريته " تصل نسبتهم فى دولة اليابان الى 70 % من حجم العمالة ، وباقى النسبة المكملة تعتبر عمالة مكتبة ادارية ، على النقيض فى مصر تجد ان معظم الخريجين او من يبحثون عن عمل يهمهم فى المقام الاول ان يكونوا عمالة مكتبية لا فنية ، اذن من اين يأتى الانتاج ؟!! . تسبب اهمال الحكومات المصرية المتتابعة لملف التعليم الفنى فى احداث فجوة حقيقية يعانى منها سوق العمل والاقتصاد ككل ، حيث تدنت النظرة الى التعليم الفنى كونه لا يضيف شيئا او انه ليس بالمستوى المقبول علميا وهذا خطأ مجتمعى جسيم ، اذ ان معظم دول العالم الناجحة قامت ولا تزال بفضل التعليم الفنى ، فدولة اليابان تعتمد بالدرجة الاولى على تلك العمالة فى تصنيع وتطوير المنتجات التى تغزو العالم بها السيارات والاجهزة الالكترونية التى اشتهرت بها ، والفرصة لازالت امام مصر لاعادة صياغة فكرة الارتقاء بالتعليم الفنى حتى يصبح قيمة مضافه للاقتصاد المصرى وليس عبئاً عليه ، من خلال تطوير مناهجه وتفعيل برامج التدريب العملية لزيادة كفاءته التشغيلية . ان بدائل الحل موجودة ولكنها تحتاج منا فقط الى ايجابية واهتمام بالبحث عنها ، بفضل تكاتف الاطراف ذات العلاقة للتعامل مع هذا الملف الشائك ، فالخريج عليه دور ، الحكومة عليها دور وسوق العمل عليه دور وما يلزم هو معرفة دور كل طرف تحديدا حتى نصل فى النهاية الى مجتمع خالى من الامراض الاجتماعية ومن ثم اقتصاد ناهض ان شاء الله . عضو هيئة التدريس بكلية التجارة – جامعة قناة السويس [email protected]