[image] شكلت سياسة الاغتيالات “الاسرائيلية” التي طالت كافة أعداء الدولة العبرية معلماً بارزاً من معالم الارهاب “الاسرائيلي” وبصورة تجاوزت معها السياسة المذكورة الخطوط الحمراء، بل يمكن القول أن إسرائيل تجاوزت كافة الأصول والأعراف والقواعد القانونية الدولية والإنسانية ولم يشكل زمن الانتفاضة الراهنة زمناً استثنائياً على مستوى الممارسة الارهابية “الاسرائيلية” بحق العرب عامة او الفلسطينيين بوجه خاص فيما يتعلق بالإنتهاكات الأمنية، فسياسة الاغتيالات التي اتخذها الإسرائيليون لملاحقة الحركات الجهادية والنضالية صاغت نمطاً اسرائيلياً تقليدياً تجاوز الأعراف الدولية والانسانية كافة، وبصورة قد لا تحيد عن جادة الصواب، اذا ما قيل ان "اسرائيل" كانت سبّاقة في اللجوء الى هذا النوع من العمليات السرية والعلنية حيث تركزت اهدافها على قاعدة مزدوجة الرأس: التأكيد على تفوقها الاستخباري وإرهاب الجانب العربي. وإذ تجاوزت الممارسات “الاسرائيلية” على هذا المستوى الجانب الفلسطيني، لتطول الجوانب العربية و تحدث انتهاكا حادا لأمن الدول العربية و الأمن القومى العربى، فإن سياسة الارهاب والتصفيات تلك تشعبت بين القتل الجائر تماما مثلما حدث فى قضية إغتيال القيادى الفلسطينى محمود المبحوح فى دبى واستعمال الطرود المتفجرة والسيارات المفخخة، وكذلك الطائرات والمواد السامة والهواتف النقالة الى غير ذلك من الطرق المتعددة للإختراقات الامنية لدولنا العربية. ويلاحظ أن الانتهاكات الأمنية للدول العربية من خلال الاغتيالات تعتبر أسلوبا تقليديا في السياسة الاسرائيلية. وفي بعض الأحيان تتبنى اسرائيل العملية علنا، كما حدث عندما اغتالت قائد حزب الله السابق، عباس موسوي، في سنة 1992، أو تنفي بشكل قاطع، كما فعلت عندما اغتالت القائد الفلسطيني محمود الهمشري في باريس سنة 1972، أو تنفي بطرق مواربة لا تمسك فيها نفيا قاطعا وحازما، مثلما فعلت بعد اغتيال القائد الفلسطيني الثاني بعد ياسر عرفات، خليل الوزير (أبو جهاد) سنة 1989. وفي أروقة الحكم العليا تعرف عمليات الاغتيال باسم رمزي هو «إزاحة ديجيتالية». فعندما يتلقى رئيس الحكومة أو وزير الدفاع أو رئيس أركان الجيش أو رؤساء أجهزة المخابرات الأساسية («الشاباك» وهي المخابرات العامة، و«الموساد»، وهي المخابرات الخارجية، و«أمان»، وهي المخابرات العسكرية)، بلاغا بعنوان «إزاحة ديجيتالية»، فإنهم يفهمون ان الحديث يجري عن عملية اغتيال كبيرة يجب أن تتم بأقصى السرعة، ربما خلال ثلاث دقائق أو تسع دقائق، وان على كل منهم أن يترك كل أشغاله، ويستمع الى التفاصيل ويعطي القرار. والمنظم لهذه الاتصالات، هو أكبر حامل لأسرار الدولة العبرية، وهو عادة ما يكون السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وصاحب القرار الأخير يكون عادة رئيس الوزراء، لكنه يأخذ في الاعتبار توصية وزير الدفاع. وتقررت ونفذت مئات الانتهاكات الأمنية للدول العربية من خلال عمليات الاغتيال عبر التاريخ الاسرائيلي، وليس فقط قبل قيام اسرائيل، عندما كانت قواتها العسكرية عبارة عن تنظيمات عسكرية، تعمل بطريقة العصابات، بل تواصلت هذه العمليات أيضا بعدما صارت اسرائيل دولة ذات سيادة معترف بها كعضو منظم في الأممالمتحدة. ولكن ليس كل رؤساء الحكومات الاسرائيلية أيدوا هذه الاغتيالات. بل ان ليفي اشكول (رئيس الحكومة في الفترة 63 1969)، رفض بإصرار الخطط التي قدمها له مئير عميت، رئيس «الموساد»، لاغتيال رئيس حركة فتح، ياسر عرفات في الستينات، وأبرز هذه الخطط اغتيال عرفات في سورية بطريقة شبيهة جدا بطريقة اغتيال عماد مغنية، بواسطة تفجير سيارة مفخخة بالقرب منه. بينما رئيسة الحكومة التي خلفته، جولدا مائير، وافقت على بعض العمليات ورفضت بعضها. ومن أهم العمليات التي وافقت عليها، عملية اغتيال ياسر عرفات، في مطلع سنة 1974، عندما قام بزيارة النبطية في الجنوب اللبناني، لكن العملية فشلت، بسبب تراكم الغيوم في السماء ومحدودية الرؤيا. وعادت الطائرات من دون أن تلقي طن المتفجرات. وفي سياق تتبع سياسة التصفيات والاغتيالات “الاسرائيلية” قد يكون من الأهمية الرجوع الى التاريخ الذى صاحب تطور دولة اسرائيل و الذى حفل بالإنتهاكات الأمنية للدول العربية، ففى الأربعينيات لجأ “الاسرائيليون” الى أسلوب الطرود المفخخة، التي كانوا يرسلونها الى شخصيات عربية وفلسطينية بغرض تصفيتها أو اعاقتها جسدياً، وفي الواقع شهدت سنوات الأربعينيات العديد من الانتهاكات مثل اغتيال الدكتورة سميرة موسى المصرية فى حادث سيارة مفتعل فى سان فرانسيسكو في الولاياتالمتحدة 1951 واشتهرت الدكتورة بأنها صاحبة اطروحة دكتوراه لدراسة استخدام المواد المشعة في جامعة اوكردج وفي عام 1956، أقدم الموساد “الاسرائيلي” على اغتيال الضابط المصري مصطفى حافظ من خلال طرد مفخخ انفجر بين يديه في مدينة غزة واستناداً الى رواية العدو “الاسرائيلي” فإن مصطفى حافظ كان مسؤولاً عن عمليات التجسس داخل "اسرائيل"، وأعلن جهاز "أمان" مسؤوليته عن ذلك. وفى هذا العام ايضا تم ايضاً اغتيال الضابط المصرى صلاح مصطفى الذى كان يعمل ملحقاً عسكرياً بالسفارة المصرية بالاردن عنما انفجر فيه طرد بريدى وهو يمارس مهام عمله بعمان. وفي مايو 1972، أقدمت إسرائيل على اغتيال الكاتب غسان كنفاني، رئيس تحرير مجلة «الهدف» الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدعوى الرد على قيام الجبهة بخطف طائرة سابينا الى مطار اللد. ولم تعترف اسرائيل رسميا بهذه الجريمة حتى يومنا هذا، مع ان العديد من الكتب الاسرائيلية تحدث عنها صراحة. وفي عام 1972 اغتال ال"موساد" القائد الفلسطيني غسان كنفاني أحد أهم القياديين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفي عام 1973 نفذت قوة كوماندوز “اسرائيلية” عملية اغتيال ثلاثة قادة فلسطينيين هم: أبو يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر. وفي فبراير من عام 1979 استطاع ال"موساد" اغتيال ابو حسن سلامة، قائد قوة ال"17" في بيروت، وعملية الاغتيال تمت بتفجير عبوة متفجرة بالقرب من سيارته عبر جهاز لاسلكي. واستمراراً في سياسة القتل والتصفية اغتالت وحدة كوماندوز المسئول الفلسطيني أبو جهاد في أبريل من عام 1988 وذلك في العاصمة التونسية، وقد اطلق المهاجمون 70 رصاصة على أبو جهاد للتأكد من مصرعه. وفي أغسطس 1989 أقدمت "اسرائيل" على خطف الشيخ عبد الكريم عبيد من بلدته جبشيت في جنوب لبنان. وفي فبراير من عام 1992 اغتالت طائرات الأباتشي “الاسرائيلية” الأمين العام لحزب الله السيد عباس الموسوي مع زوجته وابنهما. وفي أبريل 1994 خطفت مجموعة كوماندوز إسرائيلية المسئول في "المقاومة المؤمنة" الحاج مصطفى الديراني، من بلدته قصرنبا في البقاع اللبناني. وفي أكتوبر من عام 1995 اغتال ال"موساد" “الاسرائيلي” أمين عام حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا لدى عودته من زيارة لليبيا، وقد نفذت عملية الاغتيال عبر عميل “اسرائيلي” كان يستقل دراجة نارية، وأطلق عميل ال"موساد" النار على رأس الشقاقي فيما كان عميل آخر يقود الدراجة ذاتها .
وفى بداية العقد الحالى استمرت اسرائيل فى مواصلة انتهاكاتها الامنية فى كافة الدول العربية من خلال اغتيال العديد من رموز المقاومة الفلسطينية و التى تزايدت مع استمرار الانتفاضة حيث تعددت الاغتيالات و التصفيات الجسدية و التى كان أبرزها الإمام أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأحد أبرز وجوه الصحوة الإسلامية، والذى أسس المجمع الإسلامي في السبعينيات، واعتقل عدة مرات بسبب نشاطه الإسلامي والجهادي، اغتيل بتاريخ 22/3/2004 بواسطة الطائرات الصهيونية. ولم يكن هو آخر الشهداء ، بل استمر نزيف الدماء الطاهرة على الاراضى العربية ليبقى شاهدا على بشاعة المحتل وصمت العالم المتحضر!! محمد صادق إسماعيل كاتب ومحلل سياسي [email protected]