لعله لا يوجد شعب في العالم تعرض ويتعرض قادته وكوادره ومواطنوه العاديون علي حد سواء لعمليات اغتيال مثلما تعرض الشعب الفلسطيني علي مدي العقود الثلاثة الأخيرة حيث لايكاد يمر أسبوع دون أن يسقط بعض من أبنائه ضحايا مايسمي بسياسة القتل المستهدف التي تنتهجها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين, ويتغاضي عنها العالم, وفي أحسن الأحوال يندد بها علي استحياء ولكنه لايحرك ساكنا لوقفها خوفا من الفيتو الأمريكي الجاهز للاستخدام دائما والذي يضفي الشرعية علي الجرائم الإسرائيلية. ولو عدنا إلي شهر ديسمبر الماضي وحده لأحصينا قيام قوات الاحتلال باغتيال أربعة وستين مواطنا فلسطينيا معظمهم سقطوا في قطاع غزة إثر غارات جوية, وعمليات التوغل والاغتيالات ليصل عدد الشهداء الذين اغتالتهم إسرائيل خلال العام الماضي إلي412 شهيدا, وبذلك يرتفع عدد ضحايا انتفاضة الأقصي التي اندلعت في الثامن والعشرين من سبتمبر عام2000 إلي4974 شهيدا وكانت الحجة الجاهزة دائما هي السعي لإجهاض عمليات كان المقاومون الفلسطينيون ينوون تنفيذها ضد أهداف إسرائيلية أو ملاحقة مطلقي الصواريخ ضد المدن والبلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. ولم يكن نصيب الزعماء الفلسطينيين أقل أبدا من أنصارهم في عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي تستهدفهم, فلا يوجد تنظيم فلسطيني واحد كان زعماؤه بمأمن عن الاستهداف الإسرائيلي, ولذا فقائمة القادة الذين اغتالتهم إسرائيل يتقدمه الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس, وخليفته الدكتور عبد العزيز الرنتيسي, والدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين, والدكتور وديع حداد مؤسس الجبهة الشعبية, وأبو علي مصطفي زعيمها التاريخي, وجمال أبوسمهدانة مؤسس لجان المقاومة الشعبية, علاوة علي كوكبة من أعظم العقول الفلسطينية من داخل صفوف المقاومة ومن خارجها بدأت بالكاتب والرسام والمفكر الفذ غسان كنفاني. ورغم أن مختلف عمليات الاغتيال توصف دائما بالندالة والخسة إلا أن إسرائيل فاقت كل الحدود في تنفيذ تلك العمليات, وخاصة عندما اغتالت الشيخ أحمد ياسين فقد تم اغتيال الشيخ وهو رجل مقعد يبلغ الخامسة والستين من عمره, بعد مغادرته مسجد المجمع الاسلامي الكائن في حي الصبرة في قطاع غزة, وادائه صلاة الفجر في يوم22 مارس من عام2004 بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون شخصيا, حيث قامت مروحيات الأباتشي الإسرائيلية بإطلاق3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلي سيارته مدفوعا علي كرسيه المتحرك من قبل مساعديه فقتل الشيخ في لحظتها ومعه7 من مرافقيه. وبالنسبة للدكتور عبد العزيز الرنتيسي خليفة الشيخ احمد ياسين في زعامة حركة حماس والملقب بأسد فلسطين فقد اغتالته الطائرات الحربية الإسرائيلية هو أيضا في مساء يوم السبت17 ابريل عام2004 وبعد أقل من شهر من قتل الشيخ المقعد. في عام2006 كشفت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية النقاب عن أن جهاز الموساد الإسرائيلي هو الذي قام بتصفية القيادي في الجبهة الشعبية وديع حداد بواسطة قطع من الشوكولاتة المسمومة. وبعد أن تناول حداد هذه الشوكولاتة تدهورت حالته الصحية مما أدي في نهاية المطاف إلي وفاته في مستشفي في ألمانياالشرقية بتاريخ 28 مارس عام1978, ولقي الشهيد ابو علي مصطفي نفس مصير أستاذه ومعلمه وديع حداد رغم أن وهم السلام خدعه فانتقل للعيش في قطاع غزة بعد اتفاق اوسلو وقاد الجبهة الشعبية لمباركته, ولكنه استشهد يوم الإثنين الموافق2001/8/27, إثر عملية اغتيال جبانة استهدفت تصفية هذا القائد الوطني الفلسطيني والعربي القومي الأممي. وبالنسبة للدكتور فتحي الشقاقي, مؤسس حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين, ففي السادس والعشرين من اكتوبر عام1995 وبينما كان يغادر الفندق الذي ينزل به في العاصمة المالطية فاليتا بقصد شراء تذكرة سفر للعودة الي دمشق التي كان يقيم فيها اقترب منه عميل لجهاز الموساد الاسرائيلي واطلق عليه رصاصات من مسدس كاتم للصوت ما أدي الي استشهاد الشقاقي علي الفور. وإذا تركنا السطور تنسل منا فانها لن تتوقف, لأن قائمة جرائم الاغتيال التي نفذتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا تنتهي, والقائمة مازلت تمتد طالما هناك من يضفي عليها الشرعية ومن يخشي أن يصرخ بأعلي صوته قائلا لا, أو علي الأقل يطالب بلجنة تحقيق دولية علي غرار لجنة التحقيق التي جري تشكيلها بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري, بينما يصمت الجميع إزاء اغتيال شعب بأكمله.