عودة إلي الحديث عن الوجع العربي المزمن.. عن التشرذم العربي المحزن.. عن الاستكانة العربية المخزية والمهانة التي نعرف بدايتها ولا نعلم نهايتها.. عن الجرح الغائر في جسد أمة الضاد.. عن نزيف الدم الفلسطيني الذي لم يتوقف منذ عقود أو قل منذ قرن أو يزيد.. عن الخزلان الذي يلازمنا ويصاحبنا من الخليج الثائر إلي المحيط الهادر!!.. عن العنترية الخرقاء والشعارات الحنجورية الجوفاء التي استمرأت المنظمات "الحماسوية" العرجاء ترديدها ليل نهار كالببغاء. ما علينا.. لقد توقفنا عند الرقم "62" من هذا المسلسل الممل الكئيب.. وها قد عدنا لنواصل: * ستون عاماً وزيادة تمخضت عنها عشرات القرارات لصالح القضية الفلسطينية والصادرة من منظمات وهيئات دولية في مقدمتها الأممالمتحدة التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 واعتمد مجلسها الوطني بين برلمانات العالم وكذا سفاراتها في الخارج.. ولم يسبق أن كانت "الدولة الفلسطينية" محل إجماع وتوافق دولي مثلما هي في السنتين الأخيرتين باستثناء الموقف الأمريكي كما سنوضح بعد قليل. فالضمير العالمي يؤازرها والشعوب في مختلف أنحاء العالم بشتي أعراقها وأجناسها وأديانها تعضدها والأممالمتحدة تتبني رؤيتها. ** وبالرغم مما سبق ذكره في الفقرة عاليه إلا أن "الدولة الفلسطينية" ظلت علي مدي ستة عقود خلت ومازالت بين مطرقة وسندان. ** أما بشأن السندان: هناك طقس مقدس لدي أمريكا منذ إنشاء إسرائيل يتمثل في الالتزام الأمريكي بضمان أمن وسلامة إسرائيل وتفوقها العسكري علي جميع الدول العربية. وعدم المساس بها من قريب أو من بعيد.. علي هذا الدرب سار جميع رؤساء أمريكا من "داويت ايزنهاور" وحتي "باراك أوباما". واستناداً علي هذا الطقس وآليات تفعيله وأعماله يظل الإسرائيليون في تعنتهم وطغيانهم وجبروتهم وبلطجيتهم وإلي غاياتهم هم ماضون.. فضلاً عن "الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن المشرع دائماً ضد القضايا العربية بوجه عام والقضية الفلسطينية علي وجه الخصوص.. واعتقادي أنه لا نية لدي أمريكا للوصول إلي حل عادل للقضية الفلسطينية.. والسؤال هو: هل أمريكا تابعة لإسرائيل أم أن الأخيرة تابعة للأولي؟! ** واستطراداً للفقرة عاليه: إن توجهات الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ قيام إسرائيل عام 1948 وحتي اليوم في قضية فلسطين بصفة عامة وفي قضية "القدس" بصفة خاصة ظلت ومازالت وثيقة الصلة بسياسة "الأمر الواقع" الذي تحدده إسرائيل في جل الأحوال. أما الكونجرس الأمريكي فمواقفه مطابقة علي الدوام للسياسة الإسرائيلية. والأحداث تؤكد امتداد ستة عقود أو يزيد أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية جسيمة وقوية للغاية. وأن اللوبي الإسرائيلي في ربوع أمريكا يؤدي وظيفته بنجاح منقطع النظير مما دفع الولاياتالمتحدة إلي استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن أكثر من 40 مرة لإجهاض أي قرار يمس إسرائيل من قريب أو من بعيد. ** أما بشأن المطرقة فحدث ولا حرج: ستون عاماً وزيادة والقضية عادلة لكنها لا تراوح مكانها.. فأصحابها يتناحرون ويتشاجرون فيما بينهم حتي أصبح هناك من الفصائل الفلسطينية ما يقرب من السبعين. والغريب والعجيب والمريب أنه لا مقاومة في الواقع ولا يحزنون فلم نر غير الصراخ الحنجوري المدوي والزعيق عبر الميكروفونات والفضائيات. ولم نشهد غير "العنترية التي ما قتلت ذبابة ولا حررت زيتونة أو برتقالة" حسب شاعرنا الراحل نزار قباني. وأصبح الفلسطينيون أمثولة واضحوكة بين شعوب الأرض. والفضل الأول لما آل إليه حال فلسطين.. أرضها وشعبها اليوم يعود إلي "حماس" ومن سلك مسلكها. ** ورغم كل ذلك انحاز العرب إلي خيار السلام.. وتواصلت المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتي وصلت إلي: لا شيء أو إلي طريق مسدود والسبب يعود إلي أمريكا وإلي تعنت إسرائيل وشروطها المستحيلة واستمرارها في بناء المستوطنات علي الأراضي الفلسطينية فضلاً عما تمارسه إسرائيل بحق فلسطين "الأرض والشعب" من جبروت وطغيان وقتل وسحل وتدمير للبشر والشجر والضرع.. وبالرغم من كل ما من شأنه جلب الإحباط واليأس بشأن قضية فلسطين العادلة إلا أننا نلمح من بعيد في النفق المظلم ضوء شمعة كسر حدة الظلم البين والظلام الحالك. نشهد إرادة عربية وغير عربية تتحدي الظلم وتقف في وجه الطغيان وتواجه إرادة القوة الأولي في عالمنا المعاصر وتنحاز بشجاعة منقطعة النظير إلي العدل والسلام وإلي ضرورة عودة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين.. ويتمثل ذلك في: * "1" في 15/12/2010: قررت "لجنة متابعة مبادرة السلام العربية" في ختام اجتماعها بجامعة الدول العربية وقف المفاوضات مع إسرائيل وعدم استئنافها إلا في حالة تقديم الوسيط الأمريكي بعرض جاد يكفل إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي. * "2" في 16/12/2010: قررت السلطة الفلسطينية وقف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل في ظل وجود الاستيطان وأعلنت قرارها بالتوجه إلي مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي في حالة فشل الولاياتالمتحدة في جهود السلام. وكبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات" يدعو الاتحاد الأوروبي إلي الاعتراف بدولة فلسطينية علي حدود .1967 * "3" في 18/12/2010: أعلن "إيفو موراليس" رئيس "بوليفيا" أن حكومته ستبعث برسالة إلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشأن الاعتراف ب "فلسطين" دولة مستقلة ذات سيادة داخل حدود 1967 كما أعلن موراليس في مؤتمر صحفي. أن بلاده ستخطر المؤسسات الدولية بقرارها خلال الأسبوع المقبل مشيراً إلي أن علي المجتمع الدولي تحمل المسئولية لما سماها "الإبادة الجماعية التي تجري في المنطقة".. وكانت "البرازيل" قد أعلنت اعترافها ب "دولة فلسطين" علي حدود 1967 اعتباراً من أول هذا الشهر وتلتها "الأرجنتين" ثم بوليفيا كما أسلفنا.. و"الاكوادور" قريباً.. والبقية تأتي فهناك توقعات بالمزيد. مما حدا بإسرائيل أن تعلن عن خيبة أملها عقب الاعترافات المتواصلة. * أما رد الفعل الأمريكي. فقد جاء - كالمعتاد - مخيباً لآمال العرب والعالم.. والحديث يتواصل.